إرتجاجات … في العلاقات الفلسطينية اليونانية

حجم الخط

السفير ملحم مسعود يكتب –

في “زيارة” للحكومة اليونانية بقدها وقديدها الإسبوع الماضي , وفي أجواء إستقبال غير مسبوق في مثل هذه الحالات في إسرائيل , والبهرجة بما يلزم من اللزوميات … وفرحة رئيس الوزراء اليونانيالسيد  (ميتسوتاكيس ) الذي عبًر عن سعادته المطلقة… قائلا ( … يشعر وكأنه في بيته ) ربما إستذكر رئيس الوزراء اليوناني حكاية جدته في أثينا خلال الحرب العالمية  والتي سبق أن ذكرتها في مقالي السابق .

وكما ذكرت ايضا عن  زيارة الضيف اليوناني  البطريركية الإرثوذكسية اليونانية في القدس المحتلة … التي تقع على مرمى حجر من رام الله (  وأهلها ) المدينة التي يزورها عادة زعماء وكبار الشخصيات السياسية الزائرة للمنطقة …  ويدلون … ويؤكدون بمواقفهم المعلنة جهارا نهارا ليسمعها القوم في إسرائيل و الجيران والعالم …

لكن شيئا من هذا لم يحدث  من قبل الزعيم اليوناني , وأنا شخصيا كنت منتظرا مثل هذه المبادرة لوضع النقاط على الحروف لمواقف اليونان المعروفة في المحافل الدولية ويضبط  ” بوصلة ” السياسات اليونانية في المنطفة … (والمنسجمة بطبيعة الحال مع سياسات الإتحاد الأوروبي وقرارات الأمم المتحدة كما يقول دائما )  وعلى هذه الأرض  الطيبة وفي المكان والزمان المناسب لأي سياسي زائر…

بعد عودة رئيس الوزراء اليوناني للعاصمة اُثينا وفي نفس اليوم , ربما إستذكر أو كان هناك من يُذكره بضرورة الإتصال بالجانب الفلسطيني لتاكيد المواقف اليونانية الثابتة من القضية الفلسطينية وربما أشياء أخرى يرغب التحدث بها … الخ.

وفي مثل هذه الحالة كان عنوان الإتصال والمقصود هو اخونا الرئيس ابو مازن , وكان قد سبق وإلتقيا أكثر من مرة … ثم ” تدحرجت .. ” التطورات ( ربما فرضيا … ) على النحو الاتي :

هنا جرى تثبيت المواقف … وبدأت الإتصالات الهاتفية من قصر  ” مكسيم “ مقر رئيس الوزراء اليوناني بهواتف “المقاطعة ” في رام الله  ( ربما كانت الإجابة : أن الرئيس مشغول … أو الرئيس غير موجود … إتصلوا في وقت لاحق …… من معي على الخط ) .

وكان هناك من قال على الجانب اليوناني معكم رئيس الوزراء اليوناني …

خيرا اعطوني رئيس الوزراء الفلسطيني للأهمية …

وتمت التحويلة وجرت المحادثة التي وصفتها في مقالي السابق أنها كانت  في مكانها وزمانها، للإبقاء على دبلوماسية الأبواب المفتوحة والإبقاء على نبض الهواتف الحمراء .

وتقديري إنها جاءت بمثابة  (عودة الروح)، مع الإعتذار لتوفيق الحكيم، وأعني البدء بمراجعة وعودة  روح ومضمون العلاقات التاريخية اليونانية الفلسطينية وعلينا على اي حال ان نبني عليها … 

وشدد رئيس الوزراء اليوناني في مكالمته على توثيق عرى العلاقات الثنائية ، وعبًر فيها عن مواقف اليونان الثابتة من القضية الفلسطينية وحل الدولتين , ضمن سياسات الإتحاد الأوروبي , وقرارات الأمم المتحدة .  وأهمية إستقرار منطقة شرق البحر الأبيض واشار إلى مخاطر التداخلات و التصعيد  التركي في المنطقة . كما أشاد بدور الحضور الفلسطيني الفاعل والإيجابي  في المجتمع اليوناني على مدارالعقود الماضية .

ووجه الدعوة لرئيس الوزراء الفلسطيني لزيارة اليونان حال ما تسمح له الظروف …  كما جاء في وكالات الأنباء وصفحات التواصل الإجتماعي وكان لها ألأثر الجيد لدي الأوساط العربية واليونانية  . طبعا جاء كل ذلك متاخرا … لكن أفضل من أن لا ياتي أبدا .

في هذه الاجواء جاء خبر تصريحات سفير فلسطين في تركيا ونٌشر في الصحف وتداولته مواقع التواصل الإجتماعي على نحو يُفهم منه ان الفلسطينيين بصدد الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع تركيا… الخ. مع كل ما هب ودب من إضافات … وتفسيرات وإجتهادات ,  وأصبحت حديث المجتمعات السياسية اليونانية , على مختلف مشاربها وإتجاهاتها السياسية.

وتذكرنا هنا اليوم أيضا … ما قاله طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة :

ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له * بَتاتاً ولم تَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ

لا اعتقد أن ما تمخض عن تصريح سفيرنا في اليونان , لا سيما بعد تفسيره بدقة , من قبل وزارة الخارجية الفلسطينية  … وتدوير … وترقيع المواقف ’ تسبب بالضرر او سوف يؤثر على مراجعةالعلاقات اليونانية الفلسطينية مما اصابها من إرتجاجات .

وإذا راجعنا تطور الأحداث في الشهور  الاخيرة حول تطورات  شرق البحر الأبيض وخصوصا بإعادة التحالفات, ورسم  سياسات  إستغلال  ثروات  البحر الأبيض  الواعدة  و الدفينة من الطاقة  … فهي دائما على  حساب  الجانب الفلسطيني  ( المنسي … ) ، بإسثناء مرة واحدة حينما عقد لقاء قمة يوناني … إسرائيلي … قبرصي مطلع هذا العام في اثينا لتوقيع إتفاقية إقامة  الخط البحري للغاز المنتج في شرق البحر الأبيض … على الورق … المشروع الذي تم تصنيفه بعدم الجدوى … الخ.

أشار الرئيس القبرصي   في كلمته حينذاك إلى ( فلسطين ) ضمن  دول شرق البحر الأبيض والتي لها الحق في إستغلال ثرواته … كلمة فلسطين التي عكًرت مزاج رئيس الوزراء الإسرائيلي .  

“فلسطين “ لم تكن  مجرد كلمة عابرة في خطاب الرئيس القبرصي، لكن لم نبني عليها … وهذه حكاية اخرى.

وضمن هذه المراجعة السريعة وخصوصا المواقف السياسية من فلسطين والتي تاخذ في الٍكبر والتوسع … نرى تراجعا يونانيا  واضحا بدا ( يتدحرج … ) منذ يوم 23 ديسمبر 2019 حين تم التصويت ضد قرار لصالح الحقوق الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة , وإعتبرت شخصيات وفعاليات سياسية ان هذا تحول مرفوض في سياسات اليونان الخارجية التقليدية .

ونتذكر أيضا اول زيارة عمل خارج اليونان لوزير الخارجية اليوناني العام الماضي وبعد تشكيل الحكومة كانت لإسرائيل , و مدى سعادته في زيارة اليونان … وكأنه دخل القسطنطينية … أما تصريحاته  كانت غير جديدة في سياسات اليونان الخارجية … ووصفت الزيارة من قبل الإسرئيليين بانها غير مسبوقة .

المراجعة يجب أن نبدا  بسياساتنا وادواتها على الساحة الخارجية …