دينس روس وإعادة انتاج رواية كاذبة!

حجم الخط

كتب حسن عصفور

 في "تطوع" صهيوني فريد من نوعه، قام المبعوث الأميركي الأسبق دينس روس بكتابة مقالة، نشرها معهد واشنطن يوم 16 يونيو 2020 بعنوان اتهامي مسبق، (لماذا تُخطِئ المدعية العامة لـ "المحكمة الجنائية الدولية" بشأن "اتفاقيات أوسلو").

جوهر المقال، "مرافعة فاشلة" عن دولة الكيان، وتحريض صهيوني صريح ضد المدعية العامة للمحكمة الجنائية، ومارس روس هوايته بالكذب السياسي التي يعرفها الشعب الفلسطيني، وكل من تقابل معه، خلال مهمته في خدمة إسرائيل.

روس يبدأ مقالته بتوجيه الاتهام الصريح بـ (احتمال قيام "المحكمة الجنائية الدولية" بإقحام نفسها قريباً في الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يشكّل هذا سابقةً مؤسفة تتمثل بمنح أطراف النزاعات التاريخية دافعاً لكسب النفوذ وتسجيل النقاط ضد بعضهم البعض في المحكمة بدلاً من حل خلافاتهم عن طريق التفاوض.)، ويضيف (أعلنت المدعية العامة لـ "المحكمة الجنائية الدولية" فاتو بنسودا عن نيّتها فتح تحقيق جنائي في جرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة، بحجة أن المحكمة تملك اختصاصاً جنائياً على قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، باعتبارها أراضي "دولة فلسطين". ومع ذلك، فقبل أن تباشر بهذه الخطوة، طلبت من إحدى "الدوائر التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية" التصديق على حجتها التي طرحتها في وثيقة طويلة أقرّت بتعقيد القضية والجدل.)

تهمة فريدة ترمي لفتح معركة حول دور المحكمة توافقا مع الموقف الإسرائيلي كاملا، لتجريدها من صلاحياتها وفق القانون الدولي، مع تنكر روس المسبق لقيام دولة الكيان ارتكاب جرائم حرب، وتجاهل بشكل غريب تقرير غولدستون عام 2008 الصادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، والذي مثل إدانة ناطقة لجرائم الحرب الإسرائيلية، ولولا تراجع "الرسمية الفلسطينية" عن ذلك التقرير لكان نصف قيادة الكيان مطاردين للقانون الدولي.

روس تحدث أنه على "دراية عميقة بالتاريخ الداخلي للاتفاقيات موضوع البحث ومضمونها". "تطوّعَ لتقديم شهادة في القضية تشرح أن "مكتب المدعية العامة" قد أساء تفسير شروط (أحكام) ومعنى هذه الاتفاقيات من عدة نواحٍ"، مدعيا أنه كان (مشارك أو وسيط في محادثات أوسلو وغيرها من المناقشات الإسرائيلية -الفلسطينية في الفترة بين 1993 و2001).

الكذبة الأكبر، التي تورط بها روس، انه لم يكن على الإطلاق طرفا مشاركا في أي من مفاوضات اتفاق "إعلان المبادئ" المعروف إعلاميا باتفاق أوسلو، من 1993 حتى 1995. فترة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وشهدت مفاوضات طابا 93 – 94 وتوقيع اتفاق غزة أريحا، ثم مفاوضات الحل الانتقالي، التي تم توقيعها في واشنطن سبتمبر 1995، بحضور الرئيس الشهيد ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية المغتال. وطوال فترة التفاوض لم تشهد مطلقا أي حضور أمريكي لا مباشر أو غير مباشر، وعليه روس كان خارج دائرة المعرفة والمتابعة.

والمفاجأة التي لم يكتبها روس، المدعي انه على دراية عميقة بالاتفاقات، أنه ووزير الخارجية الأمريكي في حينه كريستوفر، عارضا بشدة اتفاق أوسلو 1993، واعتباره تجاوز كلي للرؤية الأمريكية القائمة على شطب منظمة التحرير وزعيمها الخالد المؤسس ياسر عرفات، والتسليم أ الضفة الغربية وقطاع غزة أرض فلسطينية ولهم الولاية عليها، وهو ما يتعارض مع رؤية روس التوراتية للضفة والقدس.

روس المدعي كذبا، بأنه كان مشاركا منذ 1993، لم يبدأ الحضور سوى بعد ان تم اغتيال رابين 95، ثم نجاح اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو المعادي كليا لاتفاق أوسلو، واعتبروه كما الاتفاق مع "النازي"، في عام 1996 بعد هبة النفق، ليبدأ تفاوض حول مدينة الخليل، فرضته المواجهة العسكرية الأولى بين السلطة وجيش الاحتلال.

روس اقام دعوته على باطل سياسي يجهله أساسا، هو أن الاتفاق مدته خمس سنوات فقط، وليس اتفاقا مرهونا برضا دولة الكيان وكان من حق الطرف الفلسطيني اعلان نهايته بعد المواجهة الكبرى 2000 التي دشنها مجرم الحرب الأول شارون باقتحامه الحرم القدسي الشريف.

روس تعامل مع الوقائع كما يرى، وتجاهل أن نتنياهو هو من رفض تنفيذ "تفاهم واي ريفر" 1998 وكان سببا في غضب الرئيس الأمريكي ما أدى لفرض انتخابات إسرائيلية مبكرة اسقطت نتنياهو.

منطق اتفاق أوسلو غاية في الوضوح، توقيتا ومضمونا، خمس سنوات يتم خلالها مفاوضات الوضع الدائم، وذلك ما لم تلتزم به إسرائيل اطلاقا، ولم تنفذ مفهوم إعادة الانتشار من الأراضي الفلسطيني وفقا لما نص عليه الاتفاق.

وبعيدا عن جهل روس بالاتفاق بل وعداءه العلني له، ففلسطين دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة منذ العام 2012، وتلك الحقيقة السياسية التي تغافل عنها بقصد التضليل، وتلك العضوية هي التي تحكم القانون الدولي، وليس قانون خاص تريد فرضه الحركة الصهيونية، ما لم تعلن أمريكا وإسرائيل والسياسيين الصهاينة ان الأمم المتحدة هي باطل لا ضرورة لها.

ملاحظة: الإعلام العبري بدأ بنشر بعضا مما يحدث داخل "كواليس السلطة الفلسطينية"، وما لم تكشف الرسمية الفلسطينية حقيقة الأمر ستصبح "الرواية الإسرائيلية" حقيقة...لا تستخفوا بما يقال فهو مؤذ لكم وجدا!

تنويه خاص: أهل قطاع غزة يشهدون حروب عدة، الفقر، الجوع، الحصار وأخيرا هناك "حرب سرية" على فساد ترعرع داخل حماس يقوده السنوار...السؤال الطاغي من ينجح في القضاء على الآخر الفساد ام يحيى!