أنشأت عمليات إطلاق النار الأربع من قطاع غزة باتجاه اسرائيل، الشهر الماضي، شعورا صعباً عند سكان الجنوب. ويُضاف اليه الشعور بأن الردع الذي تحقق قبل عام فقط وبثمن باهظ قد يتلاشى. لماذا؟.
الردع بقي ناجعا، وما ينقصه هو الخطوة المكملة. قبل عام مع انتهاء عملية الجرف الصامد اتفق الجميع على أنه خلال شهر ستجتمع لجنة دولية تهتم باعادة اعمار اقتصاد القطاع. وقد قيل ايضا إن مصر ستترأس اللجنة، أما اموال اعادة الاعمار فسيتم نقلها للسلطة الفلسطينية.
لقد مر منذ ذلك الحين 13 شهرا، وليس هناك مؤشر على هذه اللجنة. السبب بسيط: مصر والسلطة الفلسطينية اللتان لهما الدور الأبرز لا تريدان إعادة إعمار القطاع. إضافة الى ذلك فإن هذين اللاعبين غير مباليين بامكانية تجدد الصدام العنيف بين اسرائيل وبين قطاع غزة.
في المقابل، وبشكل غريب، توجد مصالح مشتركة بين اسرائيل وبين قيادة "حماس". فلاسرائيل مصلحة أمنية فقط في غزة وليس لها أي مصالح اقتصادية أو سياسية. ما يهمنا هو الهدوء على مدى بعيد، وأن تكون قدرة "حماس" على التسلح محدودة.
"حماس" من ناحيتها لديها في هذه المرحلة مصلحتان: الاولى، الحصول على الشرعية الدولية لسلطتها في غزة. الثانية، اعمار الدمار في غزة وتحسين الوضع الاقتصادي. هذان الامران سيعززان "حماس" في مواجهة خصومها بما في ذلك مؤيدو "داعش" في القطاع.
ونظرا لأن هاتين المصلحتين لـ "حماس" لا تتعارضان مع المصلحة الاسرائيلية الامنية الخالصة، يمكن التوصل الى تفاهمات تضمن الهدوء فترة من الزمن.
إن انجازاً كهذا يجب ألا يعتمد على الردع فقط، بل على العمل المواظب لاعمار قطاع غزة. وهذا العمل للأسف لا يحدث. اضافة الى ذلك، ولأجل قول ذلك صراحة، فان مصلحة اسرائيل هي في سلطة مستقرة لـ "حماس"، وكل بديل آخر سيكون اكثر سوءاً بالنسبة الينا.
في ظل هذا الوضع يجب على السياسة الاسرائيلية الاعتماد على خطوتين: خطوة لاستمرار قصف غزة ردا على أي اطلاق نار نحو اسرائيل؛ ومن جهة اخرى يجب على اسرائيل دفع لاعبين دوليين، ليسوا مصريين، الى المبادرة لمفاوضات على المرحلة الثانية التي هي اعمار القطاع. الاتحاد الاوروبي يمكنه أن يكون لاعبا مناسبا. وفي اطار هذه المفاوضات توافق اسرائيل ليس فقط على اعمار المنازل المهدمة في غزة، بل ايضا على بناء البنى التحتية للطاقة والمياه والاتصالات وما أشبه.
طالما أنه ليس هناك كهرباء في القطاع في معظم ساعات اليوم ويوجد تقليص في مصادر المياه ونسبة البطالة تتجاوز 40 بالمئة، فان الوضع لن يستقر في غزة. خيبة الأمل تساعد التنظيمات المتطرفة أكثر من "حماس" على أن تزدهر، وتستعد لاطلاق النار نحو اسرائيل.
يجب القول إن "حماس" في هذه المرحلة لا تطلق الصواريخ على اسرائيل، لكن قدرتها على منع الآخرين لفعل ذلك في تراجع. وفي ظل هذا الوضع ما زال بالامكان وقف التصعيد قبل الوصول الى "الجرف الصامد 2".
من الصحيح الاشارة الى أمرين: المصالح المشتركة بين اسرائيل و"حماس" تتعلق ايضا بموضوع بناء الميناء في غزة.
من ناحية "حماس"، الميناء هو رمز لنجاحها في رفع الحصار. أليس هذا مصلحة اسرائيلية ايضا؟ وجود الميناء لا يسبب خطرا أمنيا لأن الأمن لا يتحدد بعدم وجود الميناء، بل حسب سلاح البحرية.
يمكن الموافقة على ميناء بحري لا يهددنا. ثانيا، هناك مبالغة في خوفنا من التنسيق مع "حماس" خشية تفسير هذا الامر وكأننا نتفاوض مع منظمة "ارهابية". صحيح أن "حماس" هي منظمة "ارهابية" لكنها تسيطر على "دولة غزة" – تنسيق كهذا بين الجيران، حتى لو كانوا أعداء، شرعي ومطلوب.
الخلاصة: مشكلة اسرائيل ليست تراجع الردع، بل اهمال الذراع الثانية التي يجب عليها ضمان الهدوء فترة من الزمن. آمل أن هذا ليس متأخرا.
رئيس مجلس الامن القومي السابق
عن "يديعوت"