«الضم».. على الرف مؤقتاً

حجم الخط

بقلم حافظ البرغوثي 

 

التراجع الاحتلالي عن الضم الواسع الذي يشمل ثلث أراضي الضفة المحتلة، جاء ليس بسبب الخلاف بين طرفي المعادلة السياسية في الكيان الاحتلالي كما يشاع؛ أي بين بنيامين نتنياهو وشريكه الجنرال جانتس؛ بل بسبب الحذر الأمريكي المفاجئ من دعم هذا المشروع، حيث تم رفع الأمر إلى الرئيس ترامب ليقرر ذلك. وكان مقرراً أن يعمد رأسا الحكومة الاحتلالية (نتنياهو وجانتس) إلى الإعلان عن الضم في مطلع الشهر الحالي، وفقاً لاتفاق تشكيل الحكومة بينهما، لكن ظهرت تباينات في إطلاق المشروع بين الجانبين وبرز السفير الأمريكي المستوطن ديفيد فريدمان كعراب للضم، وحاول التسريع بإعلانه، إلا أن وجهات النظر اختلفت بينه وبين المستشار القوي في البيت الأبيض جاريد كوشنر، الذي يتبنى وجهة نظر مغايرة، حيث يرى الأمريكيون أن الإعلان عن الضم الآن لا يستوفي الشروط التي حددها ترامب في مشروع صفقته، ومنها ضرورة فتح مفاوضات مع الفلسطينيين أولاً، حول تبادل الأراضي والضم، ولهذا حاول فريدمان جسر الهوة بين موقفي نتنياهو المتعجل، وجانتس المتمهل، لكنه غير معارض له.

وكان فريدمان سبباً في أزمة دبلوماسية أولى بين كوشنر والرئيس الفلسطيني أبومازن، حيث حاول كوشنر اصطحاب فريدمان إلى المقاطعة في رام الله، ضمن الوفد الأمريكي أثناء جولاته المكوكية في المنطقة، لكنأبومازن رفض قدومه وحاول كوشنر أن يرتب لقاء بينهما في عمان فرفض أبومازن مجدداً؛ لأنه أدرك أن كوشنر يريد أن ينصّب فريدمان سفيراً مسؤولاً عن الشؤون الفلسطينية، ويكون مرجعية أمريكية بدلاً من القنصلية في القدس التي كان مقرراً أن تُلغى عند افتتاح السفارة قبل إعلان ترامب عن نقلها إلى القدس، ووصفه أبومازن في خطاب له بعد تصريحاته الاستفزازية المؤيدة للاستيطان وضد الفلسطينيين، بأنه «ابن كلب».

وهناك أيضاً الضرر المتوقع لحملة ترامب الانتخابية جراء الضم خلافاً للقانون الدولي؛ لأن الرئيس الأمريكي لا تنقصه المشاكل حالياً، سواء الداخلية أو الخارجية وهو معزول دولياً، كما أن الحملة ضد سياساته الداخلية بلغت أوَجها بعد مقتل الشاب الأسود فلويد، وما أعقب ذلك من أحداث واحتجاجات.

وأضيف إلى ذلك تفاقم العدوى بفيروس كورونا في الولايات المتحدة. كل هذا جعل الإدارة تتأنى في إعطاء الضوء الأخضر لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» للبدء بتنفيذ مشروعه الواسع. وأدت مقاطعة السلطة الفلسطينية للاحتلال، ووقف الاتصالات معه، بما فيها التنسيق الأمني، وتهديدها بحل أجهزة السلطة إلى ارتباك الجهازين الأمني والعسكري «الإسرائيلي»، وهما الجهازان اللذين عارضا خطوة الضم لما ستخلقه من أجواء غير مستقرة في الضفة الغربية.

يضاف إلى ذلك أن الأمريكيين لمسوا أن الموقف الأوروبي في معظمه قد يلجأ إلى فرض عقوبات على «إسرائيل»، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يضيف أعباء جديدة على واشنطن لحماية الاحتلال من القانون الدولي. وقد نقل الأمريكيون المشاورات في ما بينهم إلى واشنطن على مدى ثلاثة أيام للتوصل إلى موقف، وفي النهاية أرسلوا المبعوث اليهودي الشاب آفي بيركوفيتش الملقب ب«صباب القهوة» لكوشنر إلى تل أبيب، لإجراء مباحثات مع رأسي الحكومة «الإسرائيلية» ووجد اختلافاً في وجهات النظر. فرئيس حزب «أزرق أبيض» الجنرال جانتس قال له إن موعد الأول من يوليو/تموز ليس مقدساً، وإنه مع تأييده لأهمية غور الأردن ل«إسرائيل»، إلا أنه يريد الحفاظ على العلاقات مع الأردن وغيرها، وإن هذه الحكومة شكلت لهدف واحد وهو مواجهة كورونا وليس غيره، فرد عليه نتنياهو في جلسة مغلقة لليكود بأن مشروع الضم لا يرتبط بموقف «أزرق أبيض»، بمعنى أنه لا يحتاج إلى تأييد جانتس.

فاستطلاعات الرأي أشارت إلى تراجع شعبية جانتس من 12 مقعداً إلى تسعة، حيث فقد الحزب أهميته بعد فك الشراكة مع حليفيه لبيد ويعلون، وبعد أن كان أكبر حزب تراجع إلى المرتبة الرابعة، ما جعل نتنياهو يهدد في جلسات مغلقة بالذهاب إلى انتخابات رابعة قد تضع حداً للحياة السياسية للجنرال جانتس المبتدئ في السياسة، فيما أن عدم الضم سيضع حداً للحياة السياسية لنتنياهو.

وفي النهاية اختتم بيركوفيتش زيارته وعاد إلى واشنطن ليضع الأمر بين يدي رئيسه.