رئيسان يتحديان «كورونا»

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

من بين قادة العالم، وحدهما الرئيس الأمريكي ترامب، والرئيس البرازيلي بولسانارو، تحديا الإجراءات المفترضة لمواجهة «كورونا»، ويبدو أنهما سيدفعان الثمن سياسياً.

بدا الرئيسان الحليفان اليمينيان المتطرفان، الأمريكي دونالد ترامب، والبرازيلي جايير بولسونارو، كأنهما في سباق لنيل جائزة فيروس كورونا في انتشار العدوى في بلديهما، حيث نجحت البرازيل، بفضل سياسة رئيسها، من احتلال المرتبة الثانية في عدد الإصابات والوفيات بالفيروس المستجد، فأصيب أكثر من مليون ونصف المليون في البرازيل، وتوفي 60 ألفاً، وهي أعداد تعادل نصف الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة.

وتشهد الدولتان حالياً أرقاماً قياسية في الإصابات، مع استمرار تعنت رئيسي البلدين في اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحة انتشار الفيروس، بحجة الحفاظ على الاقتصاد، واستمرار الإنتاج. وقد أهمل البرازيليون، بعد فتح الحياة العامة، قيود التباعد الاجتماعي، وتجمعوا على الشواطئ، والمطاعم، والحانات، من دون كمامات، ومثلهم الأعلى هو بولسونارو الذي خاض، وما زال، معركة سياسية وقضائية ضد فرض قيود وقائية على الحياة العامة، وكان بذلك يقلد قدوته السياسية الرئيس ترامب، حيث انتهج الاثنان السياسة نفسها في مواجهة كورونا، وخاضا معركة مع المؤسسات الصحية، وحكام الولايات، والقضاء، لمنع اتخاذ إجراءات حاسمة من التدابير الوقائية بحجة الحفاظ على الاقتصاد الإنتاجي وقطاع الأعمال.

وقد وافق الرئيس البرازيلي بعد مماطلة على قانون يلزم الأفراد بوضع الكمامات في الشارع، ووسائل النقل العام، إلا أنه رفض إجراءات أخرى تطلّب وضعها في الكنائس، والمدارس، والمتاجر، والمصانع. ومع بلوغ الجائحة ذروتها في البرازيل، والولايات المتحدة، تراجعت شعبية الرئيسين، فرغم تمسك بولسونارو بإعجابه بالرئيس ترامب، إلا أن الأخير لم يتردد في حظر دخول المسافرين من البرازيل إلى الولايات المتحدة بعد تفشي الفيروس بسرعة رهيبة فيها، وقلل المسؤولون البرازيليون من أهمية هذا الإجراء من حليفهم.

وكان اللقاء الفريد بين الرئيسين في جنوب الولايات المتحدة، حيث التقيا في فبراير/ شباط الماضي، بطلب من بولسونارو، هو بداية نقل العدوى إلى البرازيل، حيث أصيب 24 من أعضاء الوفد البرازيلي بالفيروس في اللقاء، من بينهم الرئيس الذي تكتم على إصابته. وقد قلد الرئيس البرازيلي نظيره الأمريكي في كل خطواته غير المسؤولة في مواجهة الفيروس، من حيث الاستخفاف بالجائحة، ومحاولة إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية، وكذلك الترويج لعلاج الملاريا كبديل لمكافحة الفيروس، وتفضيل فتح الاقتصاد على صحة البشر، وإقالة المسؤولين تباعاً من دون أسباب مقنعة، وهذا كله أدى إلى تراجع شعبية بولسونارو الذي بدأ مواجهته مع الفيروس بوصفه إنفلونزا خفيفة، مثلما قال ترامب.

وفي المقابل، فإن الرئيس الأمريكي يبدو الآن في مأزق جدي بسبب تردي الوضع الاقتصادي، والاحتجاجات ضد العنصرية بعد مقتل الشاب جورج فلويد، وبلوغ الجائحة ذروتها الثانية في الولايات المتحدة، والركود الاقتصادي، وتمدد الفيروس إلى الولايات التي يحكمها جمهوريون، كلها أسباب أدت إلى تراجع شعبية ترامب، رغم إقدامه على استئناف اجتماعاته الانتخابية الجماهيرية التي لم تجذب العدد المطلوب.

وقد كشفت أحداث الأيام الأخيرة الجدل الأمريكي، و«الإسرائيلي»، حول ضم مساحات من الضفة إلى الاحتلال عن جدية الشكوك اليهودية الإنجيلية الصهيونية، حول عدم قدرة ترامب على الفوز في الانتخابات. واستعان اللوبي الصهيوني بقادة الإنجيليين الصهاينة لتهديد ترامب بأصوات ناخبيهم بوجوب إصدار موافقة الآن على الضم الواسع للأرض الفلسطينية، انطلاقاً من إحساس اللوبي اليهودي بأن فرصة منافسه الديمقراطي جو بايدن، وفقاً لاستطلاعات الرأي تزداد يوماً، بعد يوم. وقد حذر المستشار السابق لترامب، والمعارض له الآن، جون بولتون «الإسرائيليين» من أن الرئيس ترامب سيغير سياسته تجاه إيران، إذا انتخب ثانية، وقد يتقبلها، كما أنه قد يسحب «صفقة القرن»، وينأى بنفسه عن اتخاذ قرار بشأن ضم مناطق فلسطينية. وقد أصيب الصهيونيان المتنفذان في بلاط ترامب وهما السفير فريمان، والمستشار كوشنر، بالهلع خشية فوات الوقت قبل الضم، ويجتهدان لكي يتخذ قراراً سريعاً حالياً، وإن اختلف الاثنان على حجمه، وكأنهما متأكدان من أن العصر الذهبي الصهيوني في أفول داخل البيت الأبيض.

وأشار استطلاع حديث للرأي، أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، بالتعاون مع وحدة دراسات الرأي العام بجامعة سيينا، إلى تفوق المرشح الديمقراطي جو بايدن، بحصوله على 50% من أصوات المستطلعين، في حين حصل ترامب على 36%، كما يلقي الكثيرون باللائمة على أداء الرئيس ترامب في مواجهة جائحة كورونا التي نجمت عنها إصابة ما يقرب من مليونين ونصف المليون أمريكي، إضافة لوفاة أكثر من 125 ألفاً، حتى الآن.

وقد بدا التلعثم على ترامب في مقابلة له مع «فوكس نيوز» القناة المفضلة لديه حيث أرعبت إجاباته مستشاريه عندما قدّم إجابات متقلبة لا تجيب عن سؤال بسيط هو: ما هي أهدافه للولاية الثانية؟ وفي المقابلة ذاتها، قدّم الرئيس، الواثق من نفسه، اعترافاً ضمنياً بأنه قد يخسر الانتخابات، عندما قال «إنّ بايدن قد يصبح رئيساً بسبب أن البعض لا يحبّونه»، وبعد ساعات من بثّ المقابلة بدأت الدائرة المقرّبة من ترامب بطرح أسئلة حول إن كان يعني حقاً شعوره عندما تحدّث عن خسارته. فهل ينهي الفيروس المستقبل السياسي لترامب، وبولسونارو، ومن لفّ لفهما في العالم؟