الاستيطان في الجولان .. أسرار مفضوحة

حجم الخط

أنطوان شلحت يكتب

يدّعي الباحث الإسرائيلي، أوري هايتنر، أن موضوع الاستيطان الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية الذي بدأ فور احتلالها إثر حرب يونيو/ حزيران 1967 لم يخضع للبحث والتحليل الجادّين في حقل الدراسات الإسرائيلية بمرور الأعوام. وورد ادعاؤه هذا في سياق بحث جديد أنجزه أخيرا في إطار كتابة أطروحة دكتوراه بعنوان “حركة العمل والاستيطان في الجولان 1967- 1969”.

ويكشف هذا البحث النقاب عن عدة “أسرار” تعتبر مفضوحة، تتعلق بالأساس بموقف حركة العمل الصهيونية، المُشتبه بها بأنها “يسارية”، وتنضوي تحت لوائها أطياف تتبنّى الأيديولوجيا الاشتراكية، حيال هذا الاستيطان لا على مستوى رؤية المنافع التي يمكن أن تترتب عليه في الصعيدين، السياسي والدبلوماسي، إنما من منطلق الدوافع الأيديولوجية التي كانت ديدن ما يصفه بأنه “صهيونية الحدّ الأقصى”، وليس أبسطها أن غاية حيّز “الوطن القومي اليهودي” ينبغي أن تكون كل مساحة فلسطين الانتدابية ولا أقل من ذلك، فضلًا عن السيطرة على مناطق ذات “أفضلية أمنية” في مناطق الحدود مع الدول المجاورة التي اعتبرت دول مواجهة.

يستحق البحث عودة تفصيلية، ولا سيما على خلفية إعادة مسألة هضبة الجولان إلى صدارة الأجندة السياسية، في ضوء قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها المُدجّجة بقانون خاص سنّه الكنيست الإسرائيلي عام 1981؛ ولكن إلى حين ذلك سنتوقف عند بعض “الأسرار” التي كشف عنها.

أول هذه “الأسرار” هو قرار الحكومة الإسرائيلية التي كانت بقيادة عمالية يوم 19 حزيران/ يونيو 1967 والذي وصف بأنه “قرار سريّ” وأقرت فيه أنه في مقابل توقيع معاهدة سلام مع سورية ومصر تتضمن ترتيبات أمنية وحلًا لقضية المياه ستكون إسرائيل مستعدة للانسحاب إلى خط الحدود الدولية. وهنا يكرّر الباحث ما سبق أن توصل إليه باحث آخر، هو يوآف غلبر، من أن هذا القرار كان تكتيكيًا وهدف إلى تزويد وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت أبا إيبان بورقة مساومة على أعتاب زيارة كان ينوي القيام بها إلى واشنطن بغية مواجهة احتمال التعرّض إلى ضغوط دولية من أجل الانسحاب الفوري من دون اتفاق، كما حدث عقب حرب سيناء في عام 1956. وعندما تبين إثر زيارته هذه، عدم وجود أي ضغط أميركي في هذا الاتجاه أصبح القرار في حكم الميت، وقررت الحكومة إقامة مستوطنات في الجولان، وبعد عدة أشهر ألغت ذلك القرار كليًّا.

هنا لا بُدّ من الإشارة إلى أنه في يوم 14 يوليو/ تموز 1967، بعد خمسة أسابيع من انتهاء حرب يونيو/ حزيران، توجهت مجموعة شبان غالبيتها من سكان الكيبوتسات إلى معسكر مهجور للجيش السوري في قرية العليقة المدمرة في وسط الجولان، وأقامت مخيم عمل بحجة جمع قطعان الأبقار المشتتة في أنحاء الهضبة. وسرعان ما انضمت إليها مجموعات شبان أخرى، وهكذا بدأ أول مشروع استيطاني في الأرض السورية، بل في ما وراء الخط الأخضر عمومًا.

وقام هؤلاء المستوطنون بفعلتهم هذه قبل نحو شهر ونصف الشهر من اتخاذ حكومة دولة الاحتلال قرارًا ينص على شرعنة خطوتهم، ولكن ليس قبل الحصول على تأييد شخصيات مركزية في الحكومة وحركة العمل، بينها رئيس الحكومة ليفي أشكول، ووزير العمل يغئال ألون، وقائد حركة “الكيبوتس الموحد” يتسحاق طبنكين.

ثمة “سرّ” آخر مفضوح يعيد هذا البحث الجديد تأكيده كمحصلة لفحص مواقف معظم القوى السياسية الإسرائيلية حيال الاستيطان في الجولان، والتي تشمل الحركات الكيبوتسية العمالية: الكيبوتس الموحد، واتحاد الكيبوتسات، والكيبوتس القطري؛ وأحزاب مباي ورافي وأحدوت هعفوداه ومبام، وحزب العمل (تأسس في مطلع عام 1968 من وحدة أحزاب مباي وأحدوت هعفوداه ورافي).

وأظهر هذا الفحص أنه لم تكن هناك أي خلافات بين كل هذه القوى بشأن الاستيطان الكولونيالي في الجولان، باستثناء وجود معارضة له من طرف أقلية داخل حزب مبام وحركة الكيبوتس القطري التابعة له ما كانت في عدادها أي شخصية من قيادة الحزب والحركة.

* كاتب وباحث فلسطيني