الاحتلال يصدّر «كورونا» للفلسطينيين

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

الاحتلال هو من يجلب الفيروس ويسهل انتشاره في الأراضي الفلسطينية، ويمنع السلطة من نشر قواتها، ويمنع فحص العمال، ويسهل دخولهم وخروجهم.

اضطرت السلطة الفلسطينية إلى تمديد حالة الطوارئ شهراً إضافياً، وفرض الإغلاق، وتشديد العقوبات على المخالفين للإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، بعد تعرض الأراضي الفلسطينية إلى موجة ثانية من انتشار الفيروس، في تزامن مع تعرض كيان الاحتلال إلى موجة ثانية هو الآخر، أشد وطأة من الأولى. وكانت السلطة الفلسطينية نجحت منذ بداية انتشار الفيروس في احتوائه باتخاذ خطوات استباقية وقائية نالت إعجاب منظمة الصحة العالمية، وقللت من الإصابات والوفيات، حيث جاءت العدوى مع العائدين، أو من العمال الذين يعملون لدى الاحتلال، خاصة في المخابز، ومسالخ الدجاج، التي يشرف عليها رجال دين يهود. والمتدينون اليهود هم الشريحة الأكثر تعرضاً للفيروس نتيجة رفضهم الفحوص، أو الالتزام بالتدابير الوقائية.

وكان وزير الصحة «الإسرائيلي» السابق، وهو من حزب ديني متعصب، سمح بدخول متدينين يهود من بؤرة العدوى في نيويورك، من دون فحص، أو حجر صحي أثناء فرض الحظر الشامل، بموافقة نتنياهو الذي كان يريد كسب المتدينين في الانتخابات، و«الكنيست»، خاصة أن أغلب المتدينين العائدين لم يكونوا يحصلون على تأمين صحي في أمريكا.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين ظل الوضع تحت السيطرة رغم الإمكانات القليلة، وهو الحافز الأساس للسلطة لكي تشدد الإجراءات الوقائية، وتطبيقها، حيث تشكلت لجان شعبية في القرى والمدن لمراقبة الحركة، والتقيد بالتعليمات الوقائية، ونصبت الشرطة وقوات الأمن حواجز مشددة، وضبطت حركة التنقل بين المدن، لكن بعد وقف التنسيق مع الاحتلال، وقطع الصلات معه بسبب سياسة الضم، اضطرت السلطة إلى سحب قواتها من خارج المدن، لأن الاحتلال لم يسمح لها بتحريك قواتها، وتغيير الطواقم. من هنا بدأ التراخي والفوضى في التقيد بإجراءات السلامة، كما أن الاحتلال كان بحاجة إلى إيد عاملة، ففتح الباب أمام دخول العمال من دون تدقيق، ومن معابر غير محروسة لضمان تدفق العمال في غياب أجهزة الأمن الفلسطينية، التي كانت تراقب حركة العمال العائدين، وتفرض عليهم الحجر المنزلي لمدة أسبوعين. ومن العوامل الأخرى التي أدت إلى الموجة الجديدة من انتشار الفيروس، هو تراخي السلطة في ضبط الشارع، ونشاط بعض الجماعات الدينية، خاصة حزب التحرير الذي كان يقلد الجماعات الدينية اليهودية في عدم الانصياع، أو الالتزام بالخطوات الوقائية من حيث الادعاء بأن الفيروس لا يصيب المتدينين، ولا يدخل دور العبادة. وهاجمت الجماعات السلطة، واتهمتها بمحاربة الله، والكفر لإغلاقها المساجد، واقتحمت بعض المساجد في الخليل، حيث مركز نشاط هذه الجماعات، وانضم إليها تجار كانوا يرفضون الإغلاق لأسباب اقتصادية، فيما انتشرت حفلات الإعراس والعزاء من دون أخذ الحيطة. وشهدت منطقة الخليل، فجأة، ارتفاعاً حاداً في الإصابات اليومية بلغت في بعض الأيام ثلاثمئة إصابة، وهو رقم كان يسجل على مدى شهرين في السابق. ومما زاد الطين بلة أن أجهزة الصحة الفلسطينية، أو الحكومة نفسها، لم تع خطورة ما سيحدث رغم التحذيرات الدولية من موجة ثانية، وبدئها لدى الاحتلال الذي لعب دوراً رئيسياً في نشر العدوى عن طريق العمال في الأراضي الفلسطينية.

فالاحتلال عملياً، هو من يجلب الفيروس، ويسهل انتشاره في الأراضي الفلسطينية، ويمنع السلطة من نشر قواتها لضبط حركة التنقل، ويمنع فحص العمال، ويسهل دخولهم، وخروجهم، ما دفع السلطة إلى طلب رقابة دولية على المعابر مع الاحتلال. كما أن تجويع الشعب الفلسطيني بحجب أمواله يلعب دوراً في بث حالة عدم الانضباط في الشارع الفلسطيني، ولهذا رأينا أن الموجة الجديدة من انتشار الوباء انتقلت من الكيان الاحتلالي إلى الضفة الغربية.

المشهد الفلسطيني الوبائي هو انعكاس للمشهد «الإسرائيلي»، حيث تجاوزت الإصابات لدى الاحتلال حاجز الألف إصابة يومياً وارتفع عدد الإصابات إلى اكثر من 33 ألفاً، والوفيات إلى اكثر من 340. إذ يبدو أن نتنياهو مهتم بموضوع الضم اكثر من مكافحة فيروس كورونا، وهو ما زال يعمل لكي يتخذ البيت الأبيض قراراً مؤيداً للضم هذا الشهر، ولو جزئياً، للإفلات من فيروس الاتهام بالفساد من المحكمة.