فلسطين يونايتد

حجم الخط

معاريف– بقلم ران أدليست

بهدوء نسبي، على نحو شبه سري، برعاية ارهاب الضجيج الذي لا ينتهي من التوربينات، إسترق​الى اللجة المتلظية لاسرائيل – فلسطين العامل الكفيل بتغيير صورة النزاع. دراماتيكيا. فقبل اسبوع عقد جبريل الرجوب، الذي كان  رئيس جهاز الامن الوقائي سابقا ويتولى اليوم رئاسة اتحاد كرة القدم الفلسطيني، ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري مؤتمر فيدو بث لمؤتمر صحفي في رام الله. وكما أعلنا فان النية هي لتأسيس تعاون بين حماس والسلطة لمواجهة الضم. أعلن الرجوب “نخرج اليوم في صوت واحد وعلم واحد، حماس أم شركاؤنا. كل الفصائل  تفتح صفحة جديدة”. والعاروري قال ان “الفصائل ملتزمة بمنع الضم وبالتقدم في مخطط يوحد الشعب الفلسطيني. هذه فرصة لمرحلة جديدة ووضع استراتيجية تخدم الشعب الفلسطيني في هذا الوقت الخطير والحساس له”. ليست هذه هي المرة الاولى التي تجري فيها محاولة وحدة بين حماس والسلطة منذ القي موظفو السلطة من أسطح غزة وسيطرة حماس على القطاع في 2007. في 2011 وقع اتفاق مصالحة في القاهرة، بعد خمسة اشهر من ذلك  اعيد جلعاد شاليط. قائد الذراع العسكري لحماس أحمد الجعبري  الذي أدار حملة الاختطاف والتبادل، تبنى في المرحلة الثانية هدنة بين إسرائيل وحماس. في تشرين الثاني 2012 صفي الجعبري  في إطار سياسة استفزازية لمنع التسوية. ردت حماس بنار كثيفة وردت اسرائيل بحملة عمود السحاب. اذا اطلقت النار فلا حديث عن هدنة. في 2014  كان اتفاق مصالحة فلسطيني داخلي آخر، وتشكلت حكومة انتقالية مشتركة سارت نحو الهدنة وبالتوازي ادارت ارهابا لغرض الضغط على اسرائيل. وجاء اختطاف الفتيان الثلاثة وحملة الجرف الصامد لتصفي هذه الامكانية.

​من حيث المبدأ: حكومات اليسار – رابين، بيرس، باراك واولمرت – ادارت النزاع بينما م.ت.ف والسلطة هما الشريكان الأولان بصفتهما الاحتمال الوحيد للتسوية السياسية، والقطاع هو جزء من التسوية. اما حكومات شمير، شارون ونتنياهو فراهنت على فرق تسد بين القطاع وم.ت.ف، حيث أن  الهدف هو تحريض حماس على م.ت.ف وتمني التوفيق لكليهما. شمير كرئيس لحكومة الوحدة، بمساعدة رئيس  المخابرات يوسف هرملين ونائبه يعقوب بيرس أمر باقامة حماس كمنظمة كدية تضعف و/أو تصفية م.ت.ف. في الثمانينيات كانت م.ت.ف تهديدا بمستوى ايران اليوم، وعرفات كان هتلر. (موازين القوى في حينه مثلما هي اليوم دافيد مقابل جوليات، نحن جوليات). بالتوازي حققت م.ت.ف شرعية دولية، مما زاد الحاجة الى تصفيتها. وزير الدفاع اسحق رابين (في الثمانينيات، قبل أن يصحو) وضع تحت تصرف حملة إقامة حماس الادارة المدنية ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، شموئيل غورن، الذي ضرب عينه نحو رئاسة الموساد وارضاء شمير رئيس الوزراء في حينه.

​حماس الاسلامية والمرتبطة بالاخوان المسلمين رأت في الدولة الفلسطينية الديمقراطية لعرفات وابو مازن كموبئة اخلاقية ودينية، والفكرة العبقرية لليهود كانت السماح لحماس المشاركة في الانتخابات. لهذه الدرجة نجحت اقامة حماس بحيث أنها سيطرت في 2007 على القطاع، صفت مقاومة فتح وبدأت تدير ضد اسرائيل والسلطة معارك ضائعة مسبقا عززت مكانتها بين الجمهور الفلسطيني بالعموم قبيل الانتخابات.

​بالتوازي واصلت حكومة نتنياهو ادارة نظام احتلال في الضفة وحصار في القطاع، إلى أن زأر الفأر  الحماسي في الجرف الصامد في  2014. رغم القتل والدمار الذي زرعه الجيش الاسرائيلي في  القطاع، أدت نار حماس المضادة على بلدات في إسرائيل بالطرفين، اليوم، الى نوع من الجمود عقب ميزان رعب عسكري والخوف من التصعيد لدى نتنياهو. هنا صاروخ، هناك غارة جوية، لا شيء يستوجب عمل حقيقي، عسكري أو سياسية.

​ولا تزال حماس تبحث عن هدنة وتبادل للاسرى، ولا يزال نتنياهو يخشى ما سيقولونه في الكنس في المستوطنات وعالق مع الاسرى وجثامين الجنود. وهو يتساوم على عدد محرري حماس ولكنه يسمح لقطر باعطاء هواء التنفس لحماس وعدم الوقوف جبهويا امام ابو مازن كزعيم مشترك للقطاع والضفة.

​رسالة العاروري

​في اللقاء الذي رافق المؤتمر الصحفي للرجوب والعاروري شارك ايضا أيمن عودة. وكانت هيلا كورح من القناة 13 مليئة بالدهشة عن حدود الصدمة خوفا من وقوع السماء! فهل أيمن عودة يؤيد حماس، أي يؤيد المس بالجنود اليهود؟! عودة حاول ايجاد جواب ينزل في حنجرة الوطني الاسرائيلي النموذجي، ولكن دون جدوى. إذهب واشرح لمذيعة لا تعرف تعقيدات النزاع الدور الحصري لاسرائيل في تخليد النزاع واحتمال المساهمة للتعاون بين القطاع والضفة في تحقيق الحل. بما في ذلك عامل القوة في هذا التعاون (نتنياهو وشركاؤه كما هو معروف لا يفهمون الا لغة القوة).

​أصرت السيدة كورح على أن تحصل على جواب على سؤال ليس له صلة بخطوة الوحدة ولكن له صلة بالخطوات لاحباطها. هل  العاروري يكره اسرائيل؟ بالتأكيد. هل هو مؤيد لقتل جنود إسرائيليين؟ بالتأكيد. هل ينفذ اليوم أعمال معناها قنبلة متكتكة؟ ليس للاستخبارات الاسرائيلية دليل (لو كانت بارقة  دليل لفعلوا فيه العجب). واضح أن استمرار الوضع القائم (الحصار في القطاع والاحتلال في الضفة) يستوجب من كل فلسطيني متوسط يعارض الاحتلال والحصار ان يؤيد “الشبكة المتكتكة” التي هي اليوم سبب كاف للتصفية، والعاروري هو هدف تصفية قديم. بعض من سياسة التصفيات الرامية الى تصفية فلسطينيين يشكلون خطرا وجوديا مثل مروان البرغوثي. لست واثقا من أن العاروري سينجو في الاشهر القريبة القادمة في صالح فوضى تنسي قصورات الكورونا واحتجاج الجوعى. أفترض أن كورح تعتقد أنها تمثل مخاوف اليهود، انعدام ثقتهم بحماس وثأر الدم لمتضرري الارهاب. غير أن السبيل للخروج من دائرة الدم هي وضع المخاوف ومشارع الثأر جانبا وعدم الانجراف في حملة اشعال تلك المخاوف ومشاعر الثأر.

​وفقط اذا ما اصرت السيدة كورح على الا تفهم بانه عند التوجه الى المفاوضات يضع الناس جانبا رواسب الماضي، فلعلها تفهم بان ما كان في ذاك “المؤتمر الصحفي” كان محاولة فلسطينية للوصول الى المفاوضات مع اسرائيل مع نجمة (كوخافيت):كوخافي والجيش الاسرائيلي سينتصران في الجولة التالية،  ولكن  عقب  الضم سيأتي اليه الفلسطينيون موحدين. رسالة العاروري  كانت أن “الضم لن يترك أي أمل للفصائل في التقدم في المخطط السياسي الادنى لاقامة دولة في حدود 67 في الضفة الغربية وفي قطاع غزة”.

​هذه جملة أساسية يفترض أن تتصدى للمسلمة الاسرائيلية التي تقول ان الحماسيين لا يريدون تسوية بل فقط تدمير إسرائيل. “حدود 67” للعاروري وحماس هي نوع من دعوة للمفاوضات. وعلى سؤال هل حماس والسلطة ستخوضان حرب عنيفة ضد كل مخطط هو اقل من 67، ليس لاحد جواب. حماس تقاتل اليوم على حياة مواطنيها بمعنى الماء، الكهرباء والافق للخروج من دائرة الفقر والمرض النابع منه. وفقط حكومة إسرائيل تقرر اذا كان هذا الوضع سيتحول من كفاح من اجل مواطنيهم الى حرب استقلال في سبيل الله.