الوقاية والحماية الاجتماعية شرطان للصمود في وجه الوباء

حجم الخط

بقلم: د. مصطفى البرغوثي

 

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

دخلت البشرية جمعاء، مواجهة غير متوقعة، ودون إستعداد، مع وباء الكورونا المستجد.

وكشفت هذه المواجهة التي أودت حتى الآن بحياة ستمائة ألف إنسان، وأصابت بالمرض ما يزيد عن أربعة عشر مليونا، عيوب النظام العالمي الصحية، والاقتصادية، والسياسية.

بما في ذلك ضعف الاستثمار في الصحة، والتعليم، والبحث العلمي، وانجراف الاقتصاد العالمي بأسره نحو نظام السوق والربح المالي، الذي أصبح المتحكم في كل شيء، حتى صاروا يسمون الجامعات والتعليم الجامعي، صناعة. وغدا العالم محكوما بشركات إحتكارية كبرى، تتحكم بمفاتيح الاقتصاد العالمي.

ذلك كله يجب أن يتغير، إن أراد العالم تجنب كوارث اقتصادية وصحية متتالية.

ومع التشابه الواضح في العجز عن القضاء على الوباء في كل البلدان، ظهرت فروقات واضحة في قدرة المجتمعات المختلفة على تحمل أعباء مواجهة الوباء. كما ظهرت فروقات صارخة في نسبة من يصابون بالمرض أو يتوفون منه، حيث كانت حصة الفقراء، ومحدودي الدخل، أو من يعانون من تمييز عنصري كالأفارقة الأمريكيين أكبر.

البلدان التي أثبتت قدرة أكبر على الاحتمال هي تلك التي لديها أنظمة حماية إجتماعية، أي نظام تقاعد شامل وعادل، ونظام ضمان اجتماعي ودعم مالي للذين يعانون من البطالة العابرة أو الدائمة، وبطبيعة الحال نظام تأمين صحي يشمل كل الناس، وليس فقط الموظفين الحكوميين.

نظام الحماية الإجتماعية يوفر أيضا السكن والخدمات الصحية ومقومات الحياة لمن يعانون من العجز، أو الإعاقة الدائمة، أو كبار السن الذين يفتقرون للرعاية العائلية.

ولعل أكبر عائق لمواجهة الوباء في فلسطين هو عدم وجود نظام حماية إجتماعية، وعدم وجود نظام تأمين صحي شامل لكل السكان.

لذلك يتذمر أصحاب المحال والمشاغل الصغيرة، والعمال، وخاصة عمال المياومة، من كل إغلاق يتم رغم إدراكهم لخطورة الوباء وآثاره.

وفي ظل غياب نظام الحماية الاجتماعية كانت المراهنة على التكافل الإجتماعي، ولكن ما جرى لم يكن مشجعا بقدر ما أثار انتقادات وتكهنات كثيرة حول أسلوب وطريقة اختيار الفئات التي قدم لها دعم القطاع الخاص، وساهم في إضعاف القدرة المجتمعية على التكافل، التراجع في دفع رواتب العاملين في القطاع الحكومي.

آنياً، وفي ظل هذا الوضع المعقد والخطر على حياة الناس بعد أن إقترب عدد الإصابات من التسعة آلاف وتجاوزت الوفيات رقم الخمسين، ووصل المرض إلى كل المحافظات، وتزايد انتشار بؤره، بعد أن صارت العدوى مجتمعية، لا يوجد سوى وسيلة واحدة لمنع انهيار اقتصادي ومجتمعي، بما في ذلك إنهيار الخدمات الصحية، مع إكتشاف الإصابات في عدد متزايد من المستشفيات، وإصابة ما لا يقل عن ثمانين من العاملين في الحقل الصحي، وهي الوقاية.

الوقاية بأربع طرق لا بديل عنها، ارتداء الكمامات من قبل كل من يخرج من منزله، ويحتك بالآخرين، أو يذهب للتسوق، أو إلى مكان عمله.

والتباعد الجسدي بين الناس بمسافة لا تقل عن مترين.

وغسل اليدين بانتظام.

ورابعا، وهي الوسيلة الأهم، منع التجمعات بشكل مطلق.

وبدون ذلك ستأتي لحظة يُفرض فيها ليس فقط إغلاق شامل يلحق أذى فادحا باقتصاد ضعيف أصلا، بل وقد يصل إلى مستوى منع الخروج من المنازل تجنبا لكارثة صحية تودي بحياة الآلاف.

أما على المدى البعيد، وبعد كل ما حصل، فما من هدف اقتصادي أو اجتماعي يجب أن يعلو على إنشاء نظام حماية اجتماعي و صحي شامل وعادل.

بما في ذلك حماية حقوق المتقاعدين، وصناديقهم، وإعادة جذرية لهيكلية اقتصادنا لدعم صمود وبقاء الناس في فلسطين، من خلال التركيز على مكافحة البطالة، وخاصة بين الشباب.