أخيرا تفجر احتجاج اسرائيلي حقيقي على شيء ما، وانظروا ما هو وجهه وكيف يتم عرض نضاله. الشخص الغريب الذي تواجد هنا كان سيكون على قناعة بأنه اضافة الى الاحتجاج السياسي المتزايد ضد بنيامين نتنياهو، قامت ايضا حركة احتجاج شعبية، نشطة ويقلقها أمران اساسيان هما مستقبل غرف اللياقة البدنية ومصير المطاعم. الطعام والجسم الممشوق، الحرب على الكرش، الحرب على وقت الفراغ في دولة تل ابيب، تحرير في فرساي.
هذا بالطبع ليس الواقع، ولكن هكذا يتم عرضه. ليس بالصدفة. بعد سنوات كان الاسرائيليون فيها مهووسون ببرامج الطعام – لا توجد أمسية بدون مسابقة لكرات اللحم ولا يوجد وقت مشاهدة عال بدون عجينة الفيلو– والطباخون تحولوا الى ابطال ثقافة، حان وقت المرحلة التالية للتطور التحت ثقافي المدهش هذا: الشيفات لم يعودوا فقط قادة اجتماعيين، بل تحولوا ايضا بين عشية وضحاها الى محاربين من اجل حقوق الانسان في اسرائيل. حاييم كوهين، الجيد والساحر، هو الآن نلسون مانديلا الاسرائيلي. وروتيبرودو العنيدة هي روزا لوكسمبورغ خاصتنا. الاعلام هو الذي خلقهم.
احتجاج اجتماعي مؤلم ومبرر باعتباره تسلية اخرى مع المشاهير العاديين. حرب البقاء لمئات آلاف الاسرائيليين الذين لم يشاهدوا في أي يوم غرفة للياقة البدنية، والذين مشكوك فيه أن يكونوا قد اكلوا مؤخرا في مطعم، والذين يعيشون الآن في رعب وجودي، يتم عرضها كحرب على حرية الالتهام والعناية بالجسم. هذا لا يصيب لب الحقيقة، هذا يشوهها ويعلم شيء ما عن سلم القيم الذي تمليه وسائل الاعلام التي تحب عرض وجوه معروفة وابعاد ضائقة الضعفاء الحقيقيين؛ هؤلاء لا توجد لهم نسبة مشاهدة عالية، لذلك لا يوجد لهم صوت ايضا.
فرع اللياقة البدنية وفرع المطاعم يشغلان عشرات آلاف العمال الذين وضعهم صعب ومستقبلهم مخيف. وهم في معظمهم ليسوا الضحايا الاكثر بؤسا في هذه الازمة، بل مثلهم ايضا عمال صناعة الترفيه. هم ليس بالضرورة يستحقون التضامن والشفقة الاكثر. هناك من هم اكثر استحقاقا لذلك. العمال الفقراء الذين يعملون في اعمال شاقة، كبار السن، المرضى، العمال الاجانب، العمال الفلسطينيون، الأجراء، المستقلون، المجهولون الذين انهارت مشاريعهم الصغيرة، هم أقل اثارة. لذلك، ستسمعون عنهم القليل جدا. تل ابيب ستحضر فقط الاصوات التي تحبها تل ابيب، آسافامدورسكي وموكي على سبيل المثال.
احتجاج العمال الاجتماعيين تتم تغطيته كضريبة كلامية للاستقامة. احتجاج المعاقين الذين لم ينجحوا في الوصول حتى الى أجر الحد الأدنى لم يتم عرضه في أي يوم على الشاشات. ايضا الممرضين لم يحصلوا على مساحة كبيرة في الاعلام. كل مطعم أو غرفة للياقة البدنية تم اغلاقها في تل ابيب ستحصل على الاهتمام اكثر من بقالة صغيرة أو حتى سوبرماركت في ضواحيها. اليأس هناك أقل راحة بكثير، لكن لم يتم تصويره بشكل جيد مثل الفرع المهجور لهولمز بليس.
هكذا تعمل وسائل الاعلام، ولا يوجد مكان للبر. ولكن عندما تصل الضائقة الى هذه الأبعاد لا يعود بالامكان الاكتفاء بألعاب الشيف. يجب احضار مشاهد اخرى الى تل ابيب، حتى لو لم تكن تهتم بها ولا تريد السماع عنها.
ما يحدث الآن هو النتيجة الحتمية لسنوات الانغلاق والغباء التي زرعتها وسائل الاعلام، لا سيما التلفاز، ولكن ليس هو وحده فقط. هذه هي الثمار الفاسدة لعمل الاوثان من اجل من لا يعرفون أي شيء. هذه ثمار جرائم الثقافة التي ارتكبتها وسائل الاعلام والتي خلقت هنا ثقافة متدنية وجاهلة وفارغة، تنشغل بنفسها بالاساس وبفقاعة وجودها. ليس من المدهش أنه في فترة الضائقة تواصل الانشغال بنفسها.
هناك عدد غير قليل من الثورات والاحتجاجات في التاريخ بدأت بالسيطرة على مباني الاذاعة والتلفزيون، التي مثلت النظام الذي اراد المحتجون اسقاطه. في اسرائيل يوجد لوسائل الاعلام دور حاسم في تشكيل المجتمع. عندما تتراوح نشرات الاخبار بين الاستهلاك والترفيه، وبرامج الواقع هي معارك ديوك جوفاء ومليئة بالصراخ، ومسابقات الطبخ والواقع تكمل الساعات المتبقية على الشاشة، لا أحد يفكر في الذهاب الى نافا ايلان، التي لم تقل كل الحقيقة في أي يوم.