تعلموا من مجلس “يشع” للمستوطنين

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

من اجل التغلب على التعرج والتخبط الذي تعاني منه حكومة اسرائيل يجب عليها الحصول على دروس في التخطيط والحكم من حكومة ارض اسرائيل. هذه الحكومة ستعلمها كيف ينسقون ويتنازلون عن الأنا ويتقدمون كرجل واحد من اجل احتلال الهدف.

​امام عيوننا المندهشة تظهر حكومة اسرائيل الفقيرة في هذه الاسابيع بكامل البؤس، صغرها وانشغالها بالصغائر. هذا الاكتشاف كان يمكن أن يكون سارا لأن الغطرسة والتعالي لحكومة نتنياهو تعرضا لضربة شديدة. هذا كان يمكن أن يكون مضحكا لو لم يتضرر من هذا الخداع ملايين الاسرائيليين.

​في الحقيقة، البؤس يلون الخط الاخضر بخضرة شديدة. كل ما يمكن قوله عما يحدث داخل اسرائيل السيادية: عدم القدرة على فعل أي شيء، انعدام المهنية والاهتمام بالصغائر. وهذا عكس ما يميز الكيان اليهودي الذي يوجد شرق الخط الاخضر. التخطيط هو الكلمة الملازمة له. تميزه الرؤية البعيدة والتواصل والتمسك بالهدف والاستمرارية. وبعبرية سليمة: عيوب نظام الحكم في اسرائيل يتم تسليط الضوء عليها الآن بمصباح قوي يتمثل بأزمة الكورونا. ولكن العيوب لم تولد الآن. في نفس الوقت، نفس الحكومات والبيروقراطية التي نعرفها بعدم الاهتمام بمواطنيها ورفاهيتهم وتفضيل الاثرياء، هي بالضبط نفس الحكومات التي أوجدت واقع “يشعستان”: الفلسطينيون في الضفة الغربية وفي قطاع غزة محبوسين في جيوبهم المكتظة، وحولهم فضاء يتسع باستمرار مع البناء الفاخر لليهود فقط. هذا الفضاء هو خارج حدود اسرائيل السيادية، لكنه عمليا تم ضمه اليها منذ زمن. هذه هي الصيغة الاسرائيلية لـ “نهاية الاحتلال”.

​تشكيل هذا الفضاء مع الجيوب غير المنظورة للعيان والتي لا تحصى احتاجت الى تفكير بعيد المدى وجمع حريص لمعلومات وتنسيق بين الجهات المختلفة، مدنية وعسكرية، رسمية وشبه رسمية. ومثلما يقول الفلسطينيون هذه الاجهزة المتناسقة تسمى “بيت ايل”. والقصد هو الادارة المدنية التي توجد في موقع عسكري كبير قرب مستوطنة بنفس الاسم، ومقابل شرقي البيرة (اذا كان هناك شخص يحتج على أن حماس تعمل من داخل السكان المدنيين، فان الجيش الاسرائيلي هو الالهام).ولكن الادارة المدنية – الكائن الهجين والمدني والعسكري – تنفذ الأوامر وهي خاضعة لمنسق اعمال الحكومة في المناطق، وهي وحدة في وزارة الدفاع في تل ابيب. هذه اجسام قديمة تعمل بتناغم مع الجيش والشرطة وقسم الاستيطان والكيرنكييمت وممثلي المستوطنات. بلدية القدس ووزارة الداخلية تعمل بشكل مشابه (بتناغم مع العاد وعطيرتكوهنيموالكيرنكييمت) في شرقي القدس التي تم ضمها رسميا. كل ذلك معا يكون حكومة ارض اسرائيل. اسرائيليون – يهود عاديون يعرفون الدولة بصيغتها المصغرة في حدود الرابع من حزيران يجدون صعوبة في التصديق بأن الكيان اليهودي في يهودا والسامرة هو ثمرة تخطيط دقيق الهدف منه احباط سعي الفلسطينيين في الحصول على الاستقلال وعلى دولة. ونحن نقول لهؤلاء الاسرائيليين بأنه في حزيران عندما اصبح من الواضح أن حكومة اسرائيل لن تنجح في وقف موجة جديدة للكورونا، انشغلت حكومة اسرائيل بهدم 43 وحدة سكنية للفلسطينيين، 13 منها في شرقي القدس، وتسببت بخسارة المأوى لـ 151 فلسطيني، منهم 84 قاصر. اضافة الى ذلك دمرت الجرافات 36 مبنى غير سكني: 3 منها في شرقي القدس.

​الاسرائيليون الذين يرزحون تحت فوضى حكومة نتنياهو نقول لهم بأن هذا الهدم تم التخطيط له في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات. نعم، هكذا هو الامر منذ زمن طويل وفي فترة حكم مباي. حكومة ارض اسرائيل صادرت في حينه لاحتياجات الجمهور أو لصالح الجيش مناطق كبيرة بملكية فلسطينية خاصة أو عامة، خارج حدود الفلسطينيين، تم تخصيصها من اجل البناء لليهود. وأمرت بالحفاظ على “الطابع القروي” للاحياء العربية في القدس. أي بناء أفقي.

​في العام 1971 نفس الحكومة اصدرت أمر عسكري حل لجان التخطيط في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية. أي أنه ألغى حق الفلسطينيين في التخطيط لانفسهم، ووضع التخطيط في أيدي اليهود الذي يجلسون في بيت ايل، يبنون لليهود ويهدمون للفلسطينيين. وفي التسعينيات حكومة ارض اسرائيل برئاسة العمل –ميرتس واصلت تخطيط “يشعستان” وحددت معظم اراضي الضفة الغربية كنقية من البناء الفلسطيني (منطقة ج). في الشهر الماضي حدث تقدم جدي. ففي بتسيلم قالوا إنه في الخمسة اشهر الاخيرة هدمت حكومة ارض اسرائيل عدد مشابه للمباني التي هدمتها في شهر حزيران، أي 30 مبنى. وفي شرقي القدس هدمت خلال نفس الفترة ستة مبان. وفي الاسبوعين الاولين من شهر حزيران هدمت 31 مبنى، حسب احصائيات الامم المتحدة.

​إن منع البناء والقيام بالهدم السريع والهاديء لبيوت الفلسطينيين تدل على التمسك بتنفيذ المهمة متعددة الاجيال ومتعددة الاحزاب: جعل الفلسطينيين يصابون باليأس واجبارهم على الهجرة الى الخارج أو الى الجيوب واخلاء الفضاء لليهود (نعم، أنا أعرف وقد كتبت عن ذلك مليون مرة). هنا يتبين أنه في الوقت الذي يوجد فيه نقص في الايدي العاملة للقيام بمهمات تنقذ الحياة ومصدر الرزق في فترة الكورونا، هناك ميزانية وعدد كبير من المراقبين والجنود وسائقي الجرافات والقضاة والموظفين من اجل القيام بالمهمة السامية وهي تخريب حياة الفلسطينيين.