معركة ليبيا إن وقعت

حجم الخط

بقلم حافظ البرغوثي 

 

فوّض البرلمان المصري إرسال قواته المسلحة إلى خارج الأراضي المصرية في مهمات قتالية دفاعاً عن الأمن القومي المصري، وجاء التفويض في خضم الحشد العسكري التركي لعناصر إرهابية، وقوات تركية، على محور سرت، بعد تراجع قوات المشير خليفة حفتر من ضواحي العاصمة طرابلس، وما حولها. والهدف التركي هو الاستحواذ على الهلال النفطي الليبي الذي كان الهدف الأساس للتدخل التركي في ليبيا .

وقد جاء التفويض مفتوح المدة، والمهام، تاركاً لقيادة الجيش اتخاذ ما تراه من إجراءات مناسبة. واستدعت مصر عدداً من أبناء القبائل الليبية، من بينهم من شارك في الاجتماع الذي عقد مع الرئيس السيسي، حيث اجتمعوا ساعات مع مسؤولين عسكريين، قبل أن يغادروا عائدين إلى بلادهم. ويعني التفويض أن مصر فاض بها الكيل وهي ترى الحشود التركية تقترب من حدودها، لتشكل كماشة على الجيش المصري الذي يقاتل جماعات إرهابية في سيناء لها علاقات وثيقة مع الجماعات الإرهابية في ليبيا التي تُمول، وتُسلح من قبل تركيا، وقطر، وتنقل عناصر من الجماعات، وغيرها من المرتزقة، إلى ليبيا ليكونوا رأس حربة للغزو التركي المدعوم من جماعة «الإخوان المسلمين» التي تتخذ من تركيا مقراً لها. فمصر التي تتعرض للمؤامرات الخارجية من قبل داعمي جماعة «الإخوان» لم تدخل في شؤون تركيا، أو قطر، لأن النظام المصري يعطي أولوية للتنمية، والبناء الداخلي، ولا يريد مغامرات خارجية. وكانت كل من فرنسا، والجزائر، والأردن، حاولت التدخل للتهدئة، لكن تدفق المرتزقة، والأسلحة، والقوات التركية، إلى ليبيا، لم يبق لمصر خياراً آخر غير المواجهة المباشرة.

كما فشلت الجهود الأمريكية التي انتهت باتصالين هاتفيين أجراهما الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع نظيريه المصري السيسي، والفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث سمع ترامب من الأخيرين شكوى من استمرار عملية التحشيد التركية، وبلوغها درجة لا يمكن التسامح فيها، بأي شكل من الأشكال، وبات الكلام صريحاً عن التوجه نحو حملة لمواجهة تركيا على المستويين السياسي، أو العسكري. وبحسب الرئاسة المصرية، فإن ترامب تفهّم «الشواغل المصرية» المتعلقة بالتداعيات السلبية للأزمة الليبية على المنطقة، في وقت أكد فيه السيسي أن الهدف من أي عمل تقوم به مصر هو استعادة توازن أركان الدولة الليبية، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية، ومنع المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية، وذلك بتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي، التي لم تزد القضية إلا تعقيداً، وتصعيداً، حتى باتت تداعيات الأزمة تؤثر في الأمن، والاستقرار الإقليمي بأسره .

وفيما يرى بعض المراقبين أن أغسطس/ آب المقبل، سيكون ساخناً على الأرض الليبية، يرى آخرون أن المواجهة تبدو مستبعدة بعد التفويض البرلماني المصري للجيش، لأن تركيا تدرك أنها غير قادرة على خوض معركة بعيدة عنها أمام جيش له دوافعه الوطنية في الدفاع عن بلاده، بينما تركيا تلجأ إلى مرتزقة من الجماعات الخائنة في شمال سوريا، كما أن أوروبا بدأت تفكر في تشديد حظر نقل السلاح إلى ليبيا، وتطالب بعض الدول بفرض عقوبات .

كان شهر أغسطس/ آب، هو بداية العصر العثماني المظلم في التاريخ العربي، عندما أمّن العثمانيون حدودهم مع الصفويين في إيران، وأمّنوها في البلقان، فتوجهوا جنوباً لاحتلال العالم العربي المنهك بعد الحروب الصليبية، لكن آخر المماليك، وهو قنصوة الغوري، لم يخش سطوة العثمانيين، ومدافعهم التي لا يملك مثلها بقيادة سليم الأول، فوجه الجيش المصري الشامي لملاقاتهم في مرج دابق في أغسطس/ آب سنة 1514 وتواجه الطرفان في معركة غير متكافئة من حيث العدد، والعدة، لكن الجيش المصري قاتل ببسالة، وكاد يأسر سليم الأول، إلا أن خيانة خاير بك، وهو حاكم دمشق الذي بث الذعر في صفوف جيش قنصوة وانحيازه للأتراك، مقابل وعود من الذهب، قلب المعركة لمصلحة الأتراك، فكان بريق الذهب بداية لإظلام العالم العربي على مدى قرون تحت الحكم التركي.