في عملية نابلس، كان بإمكان المقاومين الفلسطينيين، أن يقتلوا طفلي المستوطن المحتل، الضابط في الأمن الإسرائيلي وزوجته، لكنهما، استقلا سيارتهما ولم يصيبا الطفلين بأي سوء، وكان بإمكان الشهيد مهند الحلبي أن يقتل أيضاً طفل عائلة المستوطنين أو على الأقل أن يطلق عليه النار، أو يحاول طعنه، لكنه لم يفعل، هذا رغم أن الفلسطينيين في أرضهم وعلى تراب وطنهم المحتل منذ عام 1967، وليسوا محتلين أو مغتصبين كما هي حال جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه المحتلين، الذين لم يتورعوا، بل تعمدوا، كما لو كانوا حيوانات، قتل وحرق طفلي عائلة دوابشة، علي وأحمد، حيث استشهد علي، فيما ما زال أخوه الطفل يرقد في المستشفى رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الجريمة، وكما سبق وأن فعلوا مع الشهيد محمد أبو خضير قبل أكثر من عام.
جرائم المحتلين / المستوطنين التي تصل إلى أبعد مدى من الانحطاط بممارسة القتل العمد، ومرافقاً للحرق، بحق الأطفال والرضع (علي «عام ونصف» وأخوه «أربعة أعوام»)، هي أحط من قيام الحيوانات المفترسة بافتراس الحيوانات الأخرى الضعيفة، فمعروف بأن الأسود والنمور لا تفترس إلا إن كانت جائعة، ولا تقتل من أجل القتل، كذلك فإن جرائم المستوطنين / المحتلين تتضاعف في بشاعتها، حين ندرك أنها تصدر عن محتلين لا حق لهم في الإقامة على أرض الغير المصادرة والمسلوبة بقوة السلاح، كذلك تصدر بدعم وتشجيع وتغطية الجيش والحكومة الإسرائيليين!
المهم في الأمر أن إسرائيل بحكومتها ومستوطنيها تسعى إلى جر الجانب الفلسطيني لمواجهة عنيفة، يكون من شأنها فرض حقائق احتلالية نهائية، في استغلال واضح لحالة التردي في الواقع العربي، وحالة الانقسام الداخلي، والانشغال الكوني بما يحدث في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، بما في ذلك الهجرة المتدفقة على أوروبا، كذلك عام الانتخابات الأميركية، حيث معروف أن الإدارة الأمريكية في ولاية أولى لرئيس جديد تكون أكثر نشاطاً واهتماماً، لكنها في الولاية الثانية تصبح أقل اهتماماً، وبالطبع في عام الانتخابات تترك واشنطن فراغاً، يصعب ملؤه من الآخرين.
والحقائق الاحتلالية، التي تضع إسرائيل عينها عليها منذ احتلالها لأراضي الدولة الفلسطينية في عام 67 حتى الآن، يتصدرها _ بتقديرها _ أمران هما: القدس وأراضي الضفة الغربية، لذا تكثف هجومها على المسجد الأقصى، وعلى أراضي الضفة الغربية، لكن ما يلاحظ أن هجومها هذه المرة، لم يقتصر على جيشها وجنودها، الذين يمثلون صورة فاقعة وصريحة للاحتلال العسكري، بل تضمن المحتلين / المستوطنين، الذين باتوا عنصراً فاعلاً في السياسة الداخلية الإسرائيلية بعد وصول حزبهم « البيت اليهودي « ليصبح شريكاً أساسياً في الحكومتين الأخيرتين لإسرائيل.
تدرك الحكومة الإسرائيلية، أنه لا يمكنها أن تضع حداً للنشاط السياسي الفلسطيني على الصعيد الدولي، إلا بالدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، مفاوضات ثنائية، إقليمية أو دولية، وبتقديرنا فإنه ليس الجدول الزمني الذي يزعج إسرائيل أكثر، بل الإطار الذي سيحدد مضمون التفاوض، أي أنها حين تضمن أن يدور التفاوض على قاعدة اقتسام المسجد الأقصى وعلى اقتسام الضفة الغربية فإنها ستجلس فوراً لطاولة التفاوض، وستصل إلى حل مع الجانب الفلسطيني خلال أيام!
من خلال تحويل الصراع على القدس إلى صراع ديني، تهدف إسرائيل لفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، حينها يمكن أن تقبل بهذا التقسيم كحل لمشكلة القدس، وحين يدخل المستوطنون / المحتلون على خط التفاوض على الضفة الغربية، فإن ذلك سينتهي بتقاسم الأرض بين الفلسطينيين والمستوطنين.
المخطط الإسرائيلي واضح المعالم وبات مكشوفاً تماماً، فليس صدفة أن تلجأ إسرائيل، هذه المرة إلى المتدينين المتطرفين لخوض معركة القدس، وإلى المستوطنين / المحتلين لخوض معركة الضفة الغربية، حتى تبدو الحكومة بعد ذلك طرفاً «محايداً» أو معتدلاً، أو جهة تطبق القانون، وتفصل العراك بين طرفين متصارعين على الأرض، ويبدو مع تشكيل لجان الحراسة الفلسطينية، فإن طرفي المواجهة الميدانية باتا واضحين ومتواجهين!
يمكن القول أخيراً، إن إسرائيل اقتربت كثيراً من تحقيق ما يرضي غرورها الاحتلالي، وإنها على وشك أن تفرض حلاً مقبولاً على كل مكونات المجتمع الإسرائيلي، اليميني المتطرف على وجه الخصوص، وإنها لا تنتظر تقدم القيادة الفلسطينية باتخاذ قرارات متقدمة من قبيل حل السلطة، أو إعلان التنصل أو الإلغاء النهائي والعلني لاتفاقات أوسلو، فإسرائيل قد تقابل إعلاناً فلسطينياً بدولة فلسطينية تحت الاحتلال، بانسحاب من جانب واحد من 40% من الأراضي مع إعلان المستوطنين «دولة يهودية» على 60% الباقية! ما يجبر الجانب الفلسطيني على مواجهة دولة «يهودا والسامرة» عسكريا أو / و التفاوض معها وليس مع دولة إسرائيل، تماماً كما حدث مع الصراع القبرصي الداخلي قبل سنوات!
المشكلة التي ما زالت تشجع إسرائيل على التمادي بتنفيذ هذا التصور الشيطاني هو حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، فمع استمرار تقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية عن عجز الفلسطينيين على إطلاق انتفاضة أو مقاومة شعبية / سلمية، تواصل تنفيذ مخططها هذا، حيث يمكن القول، إن أسوأ مخاطر الانقسام ليس حصار غزة، بل منع إطلاق تلك المقاومة في الضفة والقدس، لذا فإن إنهاءً فورياً وتاماً للانقسام يمكنه أن يقلب الطاولة فوراً على رأس إسرائيل، وإلا فإن كانتونات فلسطينية «معازل» مع دولة يهودا والسامرة، كما هو حال دويلات ليبيا وسورية والعراق، باتت وشيكة التحقق والظهور والإعلان!