في مناسبات عديدة، بمجرد أن تلوح القيادة الفلسطينية بخيار ايقاف التنسيق الامني مع اسرائيل، يسارع وزير جيش الاحتلال موشي يعلون، لتكرار سمفونية "التنسيق الامني مهم لبقاء السلطة ويوفر لها الحماية من حماس التي تتربص بها لتحويل الضفة الغربية لغزة جديدة"، لا يمكن التعاطي مع هذه التصريحات دون استحضار انها بالاساس خطوة دعائية لتهدئة روع الجمهور الاسرائيلي بالاساس، من احتمال اقدام الفلسطينين على هذه الخطوة ولاظهار اسرائيل كطرف لا يخشى وعيد السلطة الفلسطينية، وطبعاً لاثارة انطباع لدى القيادة الفلسطينية ان مثل تلك الخطوة لا تخيف اسرائيل.
لا يمكن بحث التأثير الفعلى لاحتمال قطع الفلسطينين التنسيق الامني مع اسرائيل بتحليل تصريحات السياسيين الاسرائيليين والفلسطينين فقط، وانما لا بد من دراسة التداعيات المتوقعة على تلك الخطوة، ودون بحث قدرة السلطة الفلسطنية فعليا على تنفيذ هذا التهديد على ارض الواقع في المرحلة الحالية وقدرة اسرائيل على تدبر أمرها بدون التنسيق الامني.
بخلاف الاعتقاد السائد لدى قطاع كبير من الفلسطينين بفعل المناكفات السياسية بين الاطراف المختلفة فإن اسرائيل لا تعول فعليا على الاجهزة الامنية الفلسطينية في منع شن هجمات دامية تستهدف المستوطنين او الجنود، فجهاز "الشاباك" يملك قدرات استخبارية في الضفة الغربية وفي قطاع تمكن بفضلها لوحده ودون تنسيق مع احد احباط العشرات من الهجمات التي خططت لها فصائل فلسطينية وحتى خلايا تعمل بشكل منفرد دون انتماء تنظيمي.
ولكن المخاوف الاسرائيلية الجدية التي تتطرق لها مراكز البحث والتفكير في اسرائيل ليست وقف التنسيق الامني وإنما تداعيات ذلك، لانة التسنيق الامني يعتبر صلة الوصل الدائمة بين السلطة واسرائيل، والتي تتعلق في الكثير من جوانبها بحياة الفلسطينين خصوصا مسألة المعابر ونقل عائد الضرائب التي تجبيها اسرائيل على الحدود للجانب الفلسطنيي، فإعلان السلطة عن قطع التنسيق الامني، سيدفع اسرائيل على الاقل لاتخاذ خطوات عقابية للسلطة لارضاء رأيها العام، والورقة المتاحة بيد اسرائيل في هذه الحالة هي وقف تحويل الاموال، وعندها فإن مؤسسات السلطة وعلى رأسها الاجهزة الامنية ستكون مهددة بالزوال، وهذا يعني فقدان الاجهزة الامنية سيطرتها على الالاف من رجالها المسلحين، بالاضافة الى ان اسرائيل ستجد نفسها مضطرة لاداء واجبها المحدد في القانون الدولي تجاه السكان الفلسطينين كدولة احتلال بتوفير الخدمات الاساسية وهذا فوق قدرة الاقتصاد الاسرائيلي على الاحتمال.
ولكن اسرائيل تراهــــــــــن في هذا الاطار كما بين اللواء احتياط بجيش الاحتلال عاموس غلعاد في حديث له مع اذاعة جيش الاحتلال قبل عدة اسابيع على نخب فلسطينية نافذة وصاحبة سطوة من السياسيين ورجال المال اعمال، الذين يرفضون القفز الى المجهول لانة وقف التنسيق الامني بالنسبة لهولاء يعني فقدان امتيازات كثيرة، وخسارة مصالحهم التجارية، وربما تهديدا لامنهم الشخصي في حال انهارت الاجهزة الامنية الفلسطنيية فقطاع عريض من الفلسطينين يتعتبرون ثراء اولئك ثمرة لاستغلالهم ونهب المال العام على حد تقديره.