لقد بدأت تُطلّ علينا نخب عربية جديدة تؤمن بالديمقراطية الشكلية بالتنافس والصراع على السلطة عبر أساليب ووسائل غير شريفة قائمة على تبريرات ومغالطات واهية واهمة وكاذبة تروّج إلى أن التطبيع لصالح الفلسطينيين من ناحية، وتدعم فيها تصفية القضية الفلسطينية كي تنفيها وترفضها من ناحية أخرى، وذلك نتيجة سياسة أطروحات أمريكية تغذي خطاب الكراهية والحقد السياسي مما رسّخ فكرة التلاعب في الرأي العام بطريقة الممارسة السياسية الغير شريفة والمتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني والتلاعب بها، ففي منطق ومنطوق العلاقات الدولية تصنع العلاقات الديبلوماسية تحالفات، إلا في الحالة العربية الإسرائيلية فالتحالفات تصنع علاقات ديبلوماسية.
يعتبر المطبّعون الجّدد بأنّ الحياة السياسية مجرد لُعبة تمكّنهم من الوصول إلى الحكم والاستمرار به عبر فرض نظام سلطوي توظف به أجهزة الإعلام داخل مجتمعاتهم الحبيسة، ويستخدمونه كأداة لتحديد مستقبل الديمقراطية عبر بث مضامين دعائية مطيعة مدجّنة لسياستهم، ونلاحظ بأنّ ما تقوم به هذه الأنظمة هو انعكاس لأزمة سلطتها الداخليّة والتي تبحث عن مبررات للبقاء وإدامة وبقاءها على رأس هرم السلطة.
وفيما يخص توقيع اتفاق التطبيع العربي الإسرائيلي، اقتصرت معظم البرامج الإخباريّة في إعلام تلك الدول على البرامج الحوارية باستضافة شخصيات تزيّف وتغيّب الحقائق والوقائع لصالح آراء حكّامهم، واصفةً ما يحدث بأنّه "انتصار عربي". فهذه مقاربة تقودنا إلى وصف إعلامهم (بصحافة الآراء والانطباعات) التي تغذي حالة الاستقطاب الايديولجي والسياسي من ناحية، وتمنع المواطنين من الظهور ولو بالحد الأدنى بمجرد التعبير عن مواقفهم تجاه التطبيع والتفريط بالقضية الفلسطينية من ناحية أخرى. زذ على ذلك تسمية الاتفاق بالاتفاق الإبراهيمي فيه خبث ولُؤم أخلاقي وسياسيّ, والمتحالفون اليوم مجموعة من السياسيين المفلسين أخلاقيا وسياسيا ولا ارتباط لهم لا من بعيد ولا من قريب لا بسيدنا إسماعيل ولا بإسحاق.. فما هو الحاصل؟
الحاصل أن الحياة السياسية العربيّة مسمّمة بواسطة تأثير القنوات المموّلة والتي تتدخل في الحياة السياسية الفلسطينية، وتعمل على دعم وتأييد وتبرير ما حدث ووصفه بالفرصّة التاريخية لتحقيق السلام لشعوب المنطقة العربية، مستخدمةً التطبيع الإعلامي كجسر نحو التطبيع السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي، وفي نهاية المطاف شاهدنا رئيس الحكومة الإسرائيلي شخصيا ضيفًا معزّزًا على شاشة قناة سكاي نيوز العربية.
إذًا، أصبحت فكرة التلاعب بالرأي العام إستراتيجية جوهرية متفشيّة إلى حد تكاد أن تصل به إلى إفساد الحياة السياسية في العالم العربي، عبر اختلاق وقائع جديدة وتزييفها، وترويج فكرة أهمية التعايش والتطبيع، ونشرها للاستقطاب السياسي والإيديولوجي. وبات التلاعب في حقوق الشعب الفلسطيني بطريقة غير أخلاقيّة وغير شريفة واضحًا، تُصنَع عبرها تحالفات وعلاقات دبلوماسية بطريقة أداتية ومصلحية مستخدمةً وسائل الإعلام بطرق ماكرة وغير قانونية وبطرق مستترة تعتمد على عملية التشويه والمغالطات وقلب الحقائق، والبحث عن تبريرات دينية قومية لهذا التطبيع.
ختامًا، وبعد كل هذه المقاربات يحقّ لنا أن نتساءل: إذا واصلت إسرائيل عمليّة "الضّم" هل ستتراجع الدول العربية عن التطبيع المعلن؟