التطبيع المقدس و التطبيع الحرام

حجم الخط

بقلم د. سفيان أبو زايدة

 

 الاتفاق الثلاثي بین اسرائیل و الولایات المتحدة و دولة الامارات العربیة المتحدة الذي اعلن عنھ في الثلاث عواصم قبل یومین شكل زلزال سیاسي في المنطقة سیكون له ارتدادات متعدده.

كفلسطیني اعتبر ان منظمة التحریر الفلسطینیة ھي الممثل الشرعي و الوحید للشعب الفلسطیني و المفوض بالتحدث بأسمه و احترم القرارات و الاتفاقات التي تتخذھا مؤسسات المنظمة و اعتبر ان اي تطبیع من قبل اي دولة عربیة مع اسرائیل قبل
تحقیق السلام العادل على اساس حل الدولتین و اقامة الدولة الفلسطینیة المستقلة على حدود الرابع من حزیران عام ١٩٦٧ مرفوض و لا یخدم المصلحة الفلسطینیة.

مع ذلك آن الاوان اندرك كفلسطینیین ان الزمن یتغیر ولم یعد یعمل وفق التوقیت الفلسطیني و ان الدول تبحث عن مصالحھا ومن ثم تأخذ بعین الاعتبار مصالح الاخرین.

آن الاوان ان ندرك كفلسطینیین اننا لم نعد مركز الكون و ان القضیة الفلسطینیة ، على اھمیتھا و قدسیتھا لم تعد القضیة المركزیة لدى الدول العربیة و الاجنبیة و ان ھناك صراعات و نزاعات و كوارث في ھذا العالم ینظر لھا على انھا اھم من القضیة الفلسطینیة.

یجب علینا ان ننظر لانفسنا في المرآة و نرى حقیقتنا كما ھي و لیس كما یرید ان یراھا كل واحد منا، وان ثقافة الشتم و الردح و التخوین و حرق صور و حرق اعلام الدول لا یصنع سیاسات و لا یجنبنا المخاطر ولن یعالج لنا مشكلة و الاھم من كل ذلك لن یعفینا من اجراء جرد حساب لما فعلناه خلال العقود الاخیرة. 

این اصبنا و این اخطئنا و ما الذي فعلناه بأنسفنا.

ھل ھناك من یختلف على ان القضیة الفلسطینیة فقدت الكثیر من قدسیتھا و من ھیبتها و من مكانتها في نظر الشعوب و الدول ، خاصة العربیة منا، فقدت ھیبتھا و قدسیتھا اولا لاسباب موضوعیة ناتجة عن التغیرات في الاقلیم و العالم، وھذا لیس بأیدینا .

ولكنھا فقدت ھیبتها ایضا بسبب انقسامنا و تشرذمنا و اقتتالنا و انشغالنا في مناكفة بعضنا. 

فقدت ھیبتها لاننا فشلنا في الحفاظ على وحدة شعبنا و فشلنا في انهاء انقسامنا بعد مرور اكثر من اربعة عشر عاما.

القضیة الفلسطینیة فقدت ھیبتها لاننا فشلنا في بناء مؤسسات دولة على اسس من النزاهة و الشفافیة القائمة علي الفصل بین السلطات بحیث یطبق القانون على الكبیر قبل الصغیر و الزعیم قبل الغفیر.

بعد ربع قرن من تأسیس السلطة و اربعة عشر عاما من الانقسام اصبح لدینا مولود مشوه لا ھو سلطة و لا ھو دولة و لا ھو ثورة .

من یراقب رد الفعل الفلسطیني الرسمي على الاتفاق الثلاثي و الهجوم بدون كوابح على الامارات یشعر ان الامر لا یتعلق فقط برفض الاتفاق و اعتباره طعنه في الظهر و لكنه ایضا تسدید حساب یتجاوز مسألة الاتفاق، الا اذا كان ھناك تطبیع حلال و تطبیع حرام، تطبیع مقدس و تطبیع مدنس.

كیف للمواطن الفلسطیني ان یفسر السكوت على التطبیع الذي تمارسه قطر منذ العام ١٩٩٦ مع اسرائیل واقامة مكتب اتصال و بشكل علني و اكید ھناك ایضا ما ھو سري و بعید عن العین، دون ان تنتقد القیادة الفلسطینیة ھذا الامر .

و كیف للمواطن الفلسطیني ان یفسر عدم انتقاد السلطة لقطر و شنط الدولارات التي یجلبها العمادي عن طریق مطار تل ابیب و یدخلھا الى غزة لما یعتبروه ھم تعزیزا للانقسام الفلسطیني و تعزیزا للفصل بین غزة و الضفة؟ لماذا لم یسمع صوت اي مسؤول فلسطیني ینتقد ھذا الامر ؟ الیس ھذا الامر یثیر للشبهات ؟
لست ھنا بصدد انتقاد قطر او التهجم علیھا .

 ھي دولة لها مصالحالها و لها سیاستها و لھا حلفاءها ، وھي تعمل وفق ھذه المصالح، مشروعها مشروع الاخوان في المنطقة وھي تعمل علي تعزیز ھذا المشروع ، ولكن فقط اردت لفت انتباه بأن ھناك من یضع في فمه ماء في كل ما یتعلق بالتطبیع القطري الحلال و یطلق العنان للانتقاد و التھجم و الشتم دون كوابح على التطبیع الحرام.

اتفھم موقف الاخوة في حماس بعدم تھجمهم على قطر و عدم انتقادھم للتطبیع القطري، اولا لان قطر تتبنى مشروع الاخوان ومعهم الخلیفه اردوغان و ثانیا لان غالبیة المكتب السیاسي لحماس یقیم في قطر.

 ولكن لا استطیع ان اتفھم موقف حماس بالتمییز بین تطبیع و تطبیع.

كذلك الامر بالنسبة لتركیا و الخلیفة اردوغان الذي اعتلى الموجة و استغل الاتفاق لیسدد الحساب مع خصوم٧ الذي یصطدم معهم في اكثر من جبهة و یعتبرهم عقبة في تنفیذ مشروعه الاخواني.

الیس امرا مضحكا ان یتحدث اردوغان عن التطبیع وتركیا التي تربطھا مصالح اقتصادیة مع اسرائیل حیث تبلغ قیمة تبادلھا التجاري خمسة ملیارد دولار سنویا و الطیارین الاسرائیلیین یتدربون في الفضاء التركي الواسع و قطع الغیار للطائرات التركیة الامریكیة الصنع تحصل علیھا من اسرائیل و كذلك تكنلوجیا الطائرات بدون طیار. اتفهم تهجم اردوغان على الامارات ولكن ھذا الاستهبال و الاستغلال للموقف یجب ان لا ینطلي على احد.

نموذج آخر للتطبیع المقدس المبارك من قبل من یضعون في فمهم ماء عندما یتعارض الامر مع مصالحهم الشخصیة. قبل عامین زار نتنیاھو سلطنة عمان و التقى مع الراحل السلطان قابوس. 

لم یكن ھناك اي رد فعل فلسطیني على ھذه الزيارة، قبل زیارة نتنیاھو ھناك.

اما النموذج الاخیر للتطبیع المقدس یتعلق بزیارة المسؤول في الاستخبارات السعودیة السابق الجنرال انور عشقي لاسرائیل ، لیس بشكل سري ، بل بشكل علني بالصوت و الصورة و كان برفقتھ مسؤول فلسطني .
 اي لیس فقط ھذه الزیارة التطبیعیة لم تحظ بانتقادات و ردود افعال غاضبة بل حظت بمباركة فلسطینیة بعد ان تم تصنیفھا تحت قائمة التطبیع الحلال الذي یخدم القضیة الفلسطینیة و لیس من النوع الذي یشكل لھا طعنھ في الظھر.

على ایة حال اذا كان الاتفاق الثلاثي ھو كارثة على الفلسطینیین فأن من الارجح ان تكون ھناك المزید من الكوارث و باسرع مما نتخیل .

لذلك وفروا قلیلا من الجهد و الشتم و التعهیر و جهزوا صور رؤساء و زعماء واعلام دول لانھ حتى الان و مع كل الالم و الحسرة سنجد انفسنا نقف لوحدنا في مواجهة خطر تراجع قضیتنا.

الطریق الى الدولة و الحریة و التحریر و اعادة الحقوق و اعادة القضیة الفلسطینیة الى مكانتها المحترمة و على سلم اولویات الاشقاء و الاصدقاء لا یأتي الا اذا قررنا نحن الفلسطینیون ان نعید حساباتنا و نقیم سلوكنا و اعوجاجنا و نوحد صفوفنا و ننهي انقسامنا و نعید بناء مؤسساتنا و نجري انتخابتنا و نفصل بین سلطاتنا و نحترم قوانینا و قرارات قضائنا و نتفق على برنامجنا الوطني. 

حینها فقط قد یكون لنا امل في العودة بقضیتنا الى ما تستحق من مكانه.