08 تشرين الأول 2015
ما يجري على ساحة الضفة الغربية منذ الخميس الماضي، يستدعي من السياسيين بالدرجة الأولى، ونقصد قادة الفصائل، التفكير بعمق في طبيعة الأحداث وما وراءها، وما تتجه نحوه من تحولات قد تبدو للبعض على أنها لا تنطوي على قيمة أو أهمية فيما يتصل بالصراع مع الاحتلال.
لا شك بأن ما يجري لا يتجاوز الهبّات الجماهيرية المسقوفة سياسياً بمعنى أن ثمة استثمارا سياسيا، وثمة غطاء سياسيا يجعل القيادة الفلسطينية تعبر عن الوضع بلغة جديدة، تغيب عنها لغة الإدانة للعمليات العسكرية، وتعتبر أن ما يجري هو رد فعل ودفاع عن النفس مشروع في مواجهة تصعيد إسرائيلي، تحول إلى فعل يومي.
من الواضح أن القيادة الفلسطينية لا ترغب في دفع الأمور نحو انتفاضة شاملة، أو نحو دفع الحراك الشعبي نحو ممارسة العنف رغم بشاعة العنف الإسرائيلي. وقد عبر عن ذلك صراحة مستشار الرئيس نمر حمّاد فضلاً عمّا ورد في تصريحات مباشرة صدرت عن الرئيس عباس. لن ندخل إذاً، في جدل الانتفاضة، إن كانت الأوضاع ناضجة لاندلاعها، فالظروف الموضوعية ناضجة جداً، بينما حال الانقسام الفلسطيني يشكل عائقاً.
أن يكون الوضع الذاتي الفلسطيني يشكل عائقاً بسبب الانقسام، لا ينطوي على حكم نهائي بشأن إمكانية أن تتحول المواجهات الجارية إلى انتفاضة شاملة، فلقد أكدت الأيام القليلة الماضية أن الجماهير جاهزة لخوض هذه المجابهة وان كل حديث عن الاحباط واليأس، يتبدد حين يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية العليا وحقوق الشعب الفلسطيني.
على كل حال فإن ما يجري يمكن فهمه على أنه متابعة لخطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليؤكد مصداقية ما تضمنه الخطاب، وجدية القيادة الفلسطينية إزاء البدء ولو تدريجياً بترجمة ما ورد في خطاب الرئيس.
الوقت الذي تستغرقه الهبّة الشعبية الجارية مرهونة بالاستثمار السياسي، وبسرعة تدخل المجتمع الدولي قبل أن يؤدي الجاري إلى انفجار واسع، يجبر الأطراف التي تتجاهل القضية الفلسطينية على أن تعيد النظر في حسابها للأولويات.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، اتخذت عدداً من القرارات في اجتماعها الأخير يوم الثلاثاء الماضي، تستلزم تحركاً سريعاً، وتستلزم، أيضاً، من القوى السياسية أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية الوطنية وأن تغادر المنطق الشعاراتي، والاسقاطات الذاتية، والحسابات الفئوية والأنانية. الشعب الفلسطيني في مواجهة مهما قيل فيها مع الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك لا يجوز وفق كل المعايير الوطنية، وحتى الأبسط منها، أن يستمر حال الانقسام، وأن تستمر أزمة الثقة وخوف بعضنا من البعض الآخر.
إسرائيل في ورطة كبيرة، تتبدى ملامحها بوضوح على ارتباك سياسة الحكومة، التي لا تجد مبرراً، ولا تستطيع، استخدام قوة البطش، وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين الذين يدافعون عن أنفسهم، وخشية أن يؤدي التصعيد إلى انفجار الوضع بكامله.
إسرائيل لا ترغب بالتأكيد في انهيار أو حل السلطة، أو ان تفقد القيادة الفلسطينية زمام الأمور والسيطرة، ولا ترغب بالتأكيد في أن توفر للقيادة الفلسطينية المبررات، للانسحاب من الالتزامات التي تفرضها اتفاقية اوسلو، أو وقف التنسيق الأمني، ولا هي أي إسرائيل مستعدة لتغيير سياساتها ومخططاتها.
نتنياهو يقع تحت ضغط المستوطنين، المدعومين من قبل وزراء في حكومته، وأعضاء في الكنيست، تظاهروا أمام بيته، ويجد نفسه شبه مشلول، لا هو قادر على كبح جماح المستوطنين المتطرفين الذين يواصلون ويصعدون هجماتهم واعتداءاتهم على الناس والأرض والمقدسات، ولا هو قادر على تركهم بما يورط السياسة الإسرائيلية في ظروف دولية غير مناسبة لإسرائيل.
في سياق هذه المعركة ذات الأبعاد السياسية الهامة يتساءل الكثيرون عن دور قطاع غزة، وطبيعة مشاركتها ودعمها للجماهير الفلسطينية التي تخوض هذه المعركة الباسلة.
إذا كان السؤال يذهب إلى القوى السياسية، فهذه موجودة في غزة وموجودة، أيضاً، بقوة في الضفة والقدس وكل الأراضي الفلسطينية، فلماذا تحتسب مشاركة هذا الفصيل أو ذاك، على أساس المباشرة من غزة؟
الأمر الآخر والأساسي هو أنه من المحظور أن يفكر أحد في المبادرة للتصعيد من غزة عبر إطلاق الصواريخ، وفتح النار على إسرائيل لأن مثل هذا الفعل سيشكل إنقاذاً للحكومة الإسرائيلية، إذ سيقدم لها المبرر، للتحول بعنف ضد قطاع غزة لحرف الأنظار عن الجاري في الضفة، والجاري في الضفة أشد خطراً على القضية والشعب الفلسطيني.
إن أي عمل مغامر وغير محسوب من قبل فصائل المقاومة أو أي منها في قطاع غزة، من شأنه أن يصب في خانة المصلحة الإسرائيلية ويجرّ على القطاع المزيد من الدمار والمزيد من الجرائم بحق من لم تجف دماؤهم بعد.
من لا يرى من الفصائل الحاجة للانخراط الإيجابي في المعركة الجارية فليترك لمن يدير المعركة، ثم نحاسبه بعد ذلك على النتائج، مع العلم أننا لسنا أمام معركة فاصلة، وإنما معركة تكتيكية، لن يكون ما بعدها مثل ما كان قبلها.