مسار الانحدار في العالم العربي؟!

حجم الخط

بقلم: توفيق أبو شومر

غَصَّتْ صفحات شبكات التواصل الرقمية بدحض، ورفض، وشجب، واستنكار الإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وحكومة الإمارات، يوم 13-8-2020 وما بعده!
أفرغ الشاجبون كل محتوياتهم اللُّغوية على الصفحات وفي المقالات، غير أن كثيرين عجزوا عن متابعة مسار الانحدار الحكومي العربي، فيما يتعلق بقضية فلسطين، فقد بدأ الانحدار منذ فترة طويلة، وسار وفق مراحلَ!
كانت دولُ العربِ فيما مضى حاضنةَ قضية فلسطين، كان العربُ يرونها قضيَتَهم الخاصة، فقد كان الفلسطينيون يشعرون بأن قضيتهم هي قضية عربية فلسطينية، وليست قضية فلسطينية بحتة، فعندما وقَّع الفلسطينيون اتفاق أوسلو شجب بعض العرب هذا الاتفاق. ووبخوا الفلسطينيين عليه، واتهموهم بمهادنة الأعداء (الإسرائيليين)!
بدأ تغيير المسار العربي بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر1974 ومع الأردن عام 1994 كانت الاتفاقيتان بدايةَ تغيير المسار العربي نحو قضية فلسطين، مع العلم أن الاتفاقيتين العربيتين كانتا مختلفتين عن الاتفاق الجديد، بين الإمارات وإسرائيل، إذ إنَّ مصر والأردن استعادتا أراضيهما المحتلة، وفق الاتفاقيتين، مع بقاء العلاقات بين البلدين محصورة في بعض القضايا، ولم تُحقِّق إسرائيلُ غايتها من الاتفاقيتين بالانفتاح الكامل على العرب.
ثم انحدر المسارُ العربي، صارت معظم حكومات العرب في بداية تسعينيات القرن الماضي مُتفرجاً خجولاً على قضية فلسطين، ثم شرعت تلك الحكومات في التخلُّص من تَبِعات القضية الفلسطينية، ليُصبح شعارُها: "الالتزام بقضية فلسطين سبب نكبات العرب".
أما آخر مراحل الانحدار العربي، فهي مرحلة التفكيك، أي تفكيك العرب من العرب، لتصبح كثير من دول العرب (وكالات) إعلامية وتجارية، ومخابراتية، ومقاولين من الباطن، فأصبحت بعض دول العرب دولا وظيفية، تؤدي المهام المطلوبة منها.
أما اتفاقية حكومة الإمارات مع إسرائيل، فهي مرحلةٌ جديدةٌ، أكثر خطورة، لأنها اتفاقية بلا ثمن، اتفاقية تعاون مشترك بين دولتين (صديقتين) في مجالات الصناعة، والتجارة، والأمن، والسياحة!
هذه الاتفاقية ترفع شعاراً عربياً جديداً: "المصالح المشتركة أولى من القضايا الوطنية، إذاً، إسرائيل ليست دولة احتلال، بل دولة متقدمة تكنولوجياً، يجب رفع الحظر عنها، أخطأنا في عدائها، علينا أن نُكفِّر عن خطئنا في حقها فوراً، وأن نتعاون معها في كل مجالات الحياة، لغرض الرفاهية والازدهار"!
وفق المفهوم السابق فإن قضية فلسطين، قضية لا تعنى العرب، هي حدود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل جرى تقزيمها لتصبح قضية (حدود) ليست حتى مع كل الإسرائيليين، بل قضية بين الفلسطينيين، وحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف فقط!
أما أبرز أخطار هذه الاتفاقية، أنها وضعت عبوة متفجرة في الساحة العربية، تجاوزت الجامعة العربية والمبادرة العربية عام 2002، وفكَّكتْ مجلس التعاون الخليجي نفسه.
كما أن هذه الاتفاقية، شجعتْ الخائفين والمترددين من السياسيين العرب على أن يعقدوا اتفاقيات مماثلة مع إسرائيل، وأن يعلنوها على الملأ!
ومن أخطر أعراض هذا المسار الخطير، أن هذه الاتفاقية هي هدية مجانية لدعم الرئيس الأميركي ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، والأخطر أنها تدعم مشروع نتنياهو في اعتبار إيران الخطر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط!
تذكَّروا أخيرا، أن عرَّاب هذه الصفقة، هو رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، أي أنَّ جوهر هذه الصفقة هي الأمن الإسرائيلي، وبيع السلاح الإسرائيلي للعرب!