انقلاب في المفاهيم والمعادلات ... ما العمل؟

حجم الخط

بقلم:نبيل عمرو

 

لم يعجبني تكرار القول من قبل عدد من الناطقين الرسميين الفلسطينيين، بأن القيادة فوجئت بما فعلته دولة الامارات، ذلك ان هذا القول ولّد انطباعا لدى كثيرين بأن قيادة واحدة من اهم القضايا الكونية محدودة الخبرة في قراءة المقدمات واستنتاج الخلاصات، خصوصا وأننا نعيش في زمن لا اسرار فيه.

وفيما يتصل بدولة الامارات فإن المسار العلني لسياستها الذي تجسد بمحطات محدودة في امر العلاقة مع إسرائيل، كان واضحا بما يكفي لاستنتاج مبكر بأن هذا المسار لابد وان يفضي الى ما حدث أخيرا.

وهذا الامر على أهميته في صنع السياسات الا انه ليس بيت القصيد وبالامكان تجاوزه ليتركز الاهتمام على تحليل الخطوة وما سينجم عنها حاضرا ومستقبلا وكيفية التعامل معها ومع ما سيتلوها من تطورات.

الخطوة الإماراتية جسدت اول ما جسدت انقلابا على مفهوم الموقف العربي من العلاقة مع إسرائيل الذي بني على قاعدة الالتزام الجمعي بنص وروح المبادرة العربية للسلام، تلك المبادرة التي جسدت جدارا استناديا ان لم يوفر حلا للقضية فبالتأكيد وفر تعظيم رصيد الفلسطينيين في محاولات الحل، آخذين في الاعتبار ان المبادرة العربية للسلام على سوء خدمتها هي النص الوحيد المجمع عليه عربيا واسلاميا والمحترم دوليا كون المبادرة أضيفت الى مرجعيات السلام المنشود.

لقد تعرض هذا المفهوم الى اختراق فادح وحال التحاق عدد آخر من الدول العربية بما فعلته الامارات فسوف يتحول الاختراق الى تحدٍ يهدد الجدار الاستنادي وليستبدله ببوابة تطبيع مسبق مع إسرائيل ما يؤدي تلقائيا الى نقل الحقوق الفلسطينية من موقع الأولوية الاشتراطية الى موقع مختلف هو ارتهانها بما يفيض عن حاجات إسرائيل والمطبعين معها.

انقلاب المفاهيم يقود منطقيا الى انقلاب في المعادلات، فمن سيتحدث بتسوية تفاوضية بعد ان وضعت عربتها امام حصانها، ومن سيتحدث بحل الدولتين الذي وصل ازدهاره ذات يوم الى ان يمني الفلسطينيين بما يزيد عن 90 بالمائة من ارضهم واسألوا ايهود باراك وبل كلينتون وحتى أبو مازن وأولمرت عن معادلة التبادل التي محيت الان لتحل محلها معادلة ضم بلا مقابل. ان اقصى ما يحتفل به الان ان الضم ارجىء لبعض الوقتّ!

وبصرف النظر عن صدقية القبول الإسرائيلي السابق في كل ما جرى من مفاوضات ووعود، الا ان ما كان فيما مضى لن يعاد طرحه بعد ان سحبت دولة الإمارات البساط من تحت اقدام الرواية الفلسطينية والعربية في امر التسوية.

اذا الانقلاب على المفهوم وما انتج من مفاهيم فرعية، ثم تأثير هذا الانقلاب على المعادلات السياسية وضع امام الفلسطينيين تحديات إضافية، ولم يعد بمقدورنا القول ان امكاناتهم في التغلب عليها تحظى بفرص افضل من الفرص السابقة.

لقد اتلف الاتفاق الاماراتي جزءً من الرصيد الفلسطيني، فما كان بعضه له صار عليه خصوصا اذا ما لحقت دول أخرى .

الفلسطينيون بحاجة لمزيد من التدقيق في اوراقهم الحقيقية وتجنب الاعتماد على الافتراضية، لم يعد فعالا مناشدة الدول العربية لوقف الاندفاعة نحو التطبيع المسبق مع إسرائيل ما دامت مصر معه، والسعودية كان الله في عونها على الضغوط التي لم ولن تتوقف عليها من قبل الأمريكيين المستعجلين على استقطابها نحو تطبيع ان لم يكن على الطريقة الإماراتية فعلى الطريقة المصرية، كما لم يعد مجديا الرهان على ذلك المصطلح المفرغ من الفاعلية الذي هو المجتمع الدولي بعد ان رأينا اتجاهات دوله الوازنة التي رحبت بخطوة الامارات وسترحب حتما بمن سيفعل مثلها.

كما لم يعد منطقيا الطلب من صناع صفقة القرن وافرازها التطبيع الاماراتي، ان يتراجعوا عما فعلوا او ان يخفضوا وتيرة الاندفاع من واقع التطبيع الى التحالف ما دام الشبح الإيراني قيد التداول.

المجدي الذي ان لم يوقف هذا الطوفان التطبيعي الخطر، فباستطاعته الحفاظ على السلاح الأهم الذي يمتلكه الفلسطينيون وهو صمود ملايينهم على ارضهم وملايينهم خارج الأرض وكلهم لا يرون فيما يجري أي مزايا لهم ولو بالحدود الأدنى من الدنيا.

والصمود على الأرض له مقومات وروافد تغذيه ولا مناص من توفيرها واولها تنظيم هذه الملايين في اطار مؤسسات حديثة تكفل إدارة سليمة لحياتهم ومرافقهم وحركتهم السياسة الداخلية والخارجية.

وفي امر الوحدة الوطنية لا يكفي الاتصال الهاتفي النمطي الذي يجري بين الأخ هنية مع الرئيس عباس كلما تعرضنا لجائحة سياسية كبرى، كما لا تُقنع مشاركة مندوب عن حماس والجهاد في اجتماع القيادة لأن المقنع حقا ان يرى الفلسطيني خروجا عن الأنماط غير المجدية في السلوك الداخلي والخارجي، الذي صار متكررا ولا يسمن ولا يغني من جوع.

ونقطة البداية التي سيحترمها الفلسطيني والعربي والعالم هي تحدي إسرائيل على الأرض بالإعلان عن موعد لانتخابات تشريعية ثم رئاسية تعيد الحياة الى النظام السياسي الفلسطيني.

ان مقاتلة إسرائيل على صندوق الاقتراع اشرف وارقى واجدى الف مرة من مقاتلتها على استيراد البقر مثلا او دعوتها لتسلم البلاد والعباد كما لو اننا حيال تركة ثقيلة يجري التفكير في كيفية التخلص منها، مع اننا حيال تحدٍ مصيري يتطلب حشد كل الطاقات الوطنية لمواجهته وليس الهروب منه.

في مقالة للدكتور حنا ناصر أورد فيها ما دار بينه وبين الرئيس محمود عباس مؤخرا من حديث حول الانتخابات فيها الكثير والهام مما يشجع ما اظهر ان ليس مستحيلا التوجه نحو هذا الخيار اليوم قبل الغد.

ان ما هو اهم من ترميم نظامنا السياسي عبر الانتخابات هو توجيه رسالة للعالم كله تقول ان من يجري انتخابات عامة في بلده وعند شعبه هو صاحب الأرض ومالك المصير، وهذه المرة لا لزوم لانتظار موافقات إسرائيلية على هذا الخيار.