حول بدء العام الدراسي في ظل «كورونا»

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

ما زالت دول العالم ونحن معها، تتخبط حول كيفية التعامل مع فيروس كورونا، وبالأخص حول كيفية العودة الى ممارسة الحياة الاعتيادية كما كانت قبل «كورونا»، والتي من الواضح أنها لن تعود الى طبيعتها، في القريب العاجل أو المتوسط، أو على الإطلاق، سواء أكان ذلك في ممارسة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية أو العلاقات بين الدول وداخل المجتمع أو البلد الواحد. وبالطبع من ضمن النشاطات أو الأمور الملحة والضرورية لكل مجتمع هي كيفية العودة الى الدراسة، سواء أكان ذلك على صعيد دور الحضانة والروضة أو المدارس أو الجامعات والمعاهد والكليات بأنواعها.
وانعكس التخبط والقلق خلال الفترة الماضية، مع عودة الدراسة في بعض الدول وفي بعض الولايات في أميركا، حيث قام البعض بإعادة الإغلاق بشكل كامل بعد فترة قصيرة، والبعض بإلغاء خطط استئناف الدراسة، والبعض بإغلاق المدارس أو أماكن الدراسة التي سجلت إصابات، والبعض بمحاولة إيجاد البدائل، والبعض ما زال يتخبط وينتظر ويدرس ويقارن بين السلبيات والإيجابيات، مع العلم أنه ثبت سواء من خلال الموجة الأولى لانتشار الفيروس، أو الموجة الحالية ان جاز التعبير، والتي تجتاح معظم البلدان وبقوة، وبالطبع نحن من هذه البلدان، أن المرتع الأفضل لهذا الفيروس للانتشار والتوطن هو مواقع التجمعات، وبغض النظر عن نوعها، سواء تجمعات أفراح أو أتراح، أو تجمعات اجتماعية أو سياسية أو غيرها، وبالطبع تجمعات تربوية ثقافية، تمثلها بوضوح وبشكل ملموس المدارس والكليات والجامعات.
حيث ودون شك أن من ضمن الأمور التي تغيرت ودون رجعة بسبب الأزمة الحالية لانتشار فيروس كورونا، هي طبيعة وطريقة ونوعية التعليم والتعلم بأنواعها، سواء من حيث تحديد الأولويات أو الاستثمارات فيهما، أو محتوى المواد التي يتم تدريسها أو عرضها، وشكل العرض وطبيعة التلقي من قبل الطلبة أو الباحثين، وأولوية المواد المطروحة، والاستثمار أكثر في وسائل التعلم عن بعد الافتراضي التكنولوجي، وغياب الدور التقليدي للمؤسسة التعليمية، وتضاؤل أهمية الحيز المكاني للتعليم والتعلم والبحث العلمي، بما يحويه من المدرس والطالب ونوعية الخدمات وطبيعة التفاعل والأمور الأخرى غير التعليمية.
وفي هذا الواقع الصعب والذي لا يوحي بالتغيير خلال الأشهر القادمة، وفي ظل الحاجة الماسة لعودة مئات الآلاف من الطلبة لممارسة نشاطاتهم وبالتالي التحرك نحو المستقبل، فإن البحث عن بدائل هو المطلوب، والاهم قبل تبني أو اختيار البديل، الاستثمار في ذاك البديل وفي البنية التحتية له، والاهم كذلك تهيئة الناس من خلال التوعية والإعلام، من طلبة ومن أهل ومن مجتمع لهذا البديل أو لذاك التغيير من أجل أن ينجح البديل، ولا داعي للتذكير بتجارب جديدة من التغيير، سواء من عندنا أو من عند غيرنا، سواء على صعيد التعليم أو أصعدة أخرى، لم تنجح لأنه لم يتم توفير البنية التحتية أو لم تتم تهيئة الأطراف الفاعلة فيها للأوضاع الجديدة.
وبالطبع ودون جدال، سوف يكون التركيز في التعليم خلال الفترة القادمة، على الاستعانة بالوسائل الافتراضية التكنولوجية ولو بشكل تدريجي، وسوف يطال هذا أجلا أو عاجلا التخصصات العلمية والهندسية، التي تحتاج الى مختبر ومعمل ومواد، وسوف يطال ذلك كذلك وسائل البحث العلمي وطريقة أجراء البحث وعرض أو نشر النتائج، بعيدا عن التعليم التقليدي «الوجاهي»، وبعيدا عن التخصصات الكلاسيكية، وبعيدا عن استثمار مئات بل الآلاف من ملايين الدولارات في مواضيع أبحاث، أثبتت أزمة كورونا عدم الحاجة إليها، أو على الأقل أنها ليست من ضمن الأولويات الحالية أو المستقبلية لشعوب كثيرة في العالم.
وهذا سوف ينطبق كذلك على نوعية التعليم، ومدى حاجة الناس والبلد الى تخصصات أو مساقات لا تمت بصلة الى حاجة البلد الحالية أو المستقبلية، بغض النظر عن نوعية البلد والإمكانيات، وسوف تكون هناك إعادة صياغة لاستراتيجيات التعليم، وللأولويات، وسوف يشمل هذا طريقة إيصال التعليم الى الطالب أو إيصال المعلومة الى الباحث، وطبيعة العلاقة بين المدرس والطالب، بعيدا عن الشكل التقليدي لغرفة الصف وللمنهاج الورقي وطبيعة الاختبارات أو التقييم، وبالطبع سوف تتغير أهمية كل طرف، حتى في ظروف معينة يمكن أن تكون لا حاجة لوجود مدرس أو مدرسة أو جهات إدارية، بالمفهوم الحالي المتعارف عليه.
وبالطبع سوف تتغير ولو تدريجيا البيئة الخدماتية المساعدة أو المساندة للتعليم الذي اعتدنا عليه، من الذهاب الى الحيز المكاني للتعليم، أي الحاجة الى مواصلات وغرف وخدمات الطعام والمكتبة وحتى الحاجة الى وجود أجسام ودوائر إدارية متنوعة ومتشعبة ومتراكمة خلال الزمن، ولا عجب إذا كان المختبر وما يحويه من مواد، وإجراء التجارب واستخلاص النتائج، يوما ما افتراضيا، وبالطبع فإن كل هذا التغيير المتوقع يحتاج الى تحضيرات واستشارات وتهيئة للتغيير في طبيعة علاقات ونوعية خدمات وحتى في اقتصاد مصغر مبني على ذلك.
وعلى صعيد بلادنا، فإننا نعلم أن وزارة التربية والتعليم قد أعلنت عن خطة جديدة أو بديلة للوضع التقليدي لبدء المدارس بشكل واسع خلال الشهر القادم، ونتوقع أن ينطبق نفس الشيء على التعليم العالي من جامعات وغيرها، ومحور الخطة هو المزج بين التعليم العادي أو الوجاهي في الصف، ومع التعليم عن بعد أي من خلال الوسائل الإلكترونية، ودون معرفة التفاصيل، إلا أنه من المفترض ان يتم توخي الحذر حين تطبيق هذه الخطة، آخذين بعين الاعتبار العديد من الأمور، منها انتشار الفيروس وهذا متوقع وبقوة، رغم التباعد في الصفوف وإجراءات الوقاية، وبالتالي إثارة الرعب والتخبط والإغلاق والذي بدوره، سواء بقرار رسمي وأهلي سوف يؤدي الى وقف التدريس.
ومنها أيضا عدم توفر الإمكانيات سواء على الصعيد اللوجستي الفيزيائي في المدارس أو الصفوف أو على صعيد عدم توفر الإمكانيات عن بعد، حيث من الواضح أن هذا لا ينطبق على جميع المدارس أو الأماكن والتجمعات وهذا بدوره سوف يؤدي الى عدم المساواة والخلل وبالتالي الانتقادات وربما توقف التدريس، ومنها الحذر من مواقف مسبقة للأهل وللطلبة، سواء من حيث عدم القدرة أو الخوف أو القلق من جودة التعليم ومن الأولويات وبالأخص الأولوية الصحية وتبعاتها، ومنها فيما يتعلق بالوضع العام، وتشعباته الاقتصادية واللوجستية التي تتأثر وتؤثر على عملية التعليم.
وبالتالي ورغم الأمل بأن تنجح خطط وزارة التربية والتعليم في بلادنا، وخطط التعليم العالي، من خلال الخطط البديلة التي تم إعدادها، وبالأمل بألا يتم اتخاذ قرار عام أو شامل بعدم بدء العام الدراسي بشكله الجديد، وبالأخص في ظل تسجيل مئات الإصابات وحالات الوفيات يوميا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي معظم المحافظات، إلا أننا ندعو الى الحذر والى أهمية وجود قرارات أو خطط بديلة يتم التعامل معها في حال لم يتم بدء الدراسة بشكلها المتوقع، والى الاستثمار المتواصل وبغض النظر عن مدى تأثير «كورونا»، في التعليم عن بعد، وفي وسائل تعليم جديدة، وفي عمليات تقييم جديدة لنتائج التعليم، والاهم في وسائل التوعية والتواصل مع الأهل والطلبة لتهيئتهم للتغيرات المتوقعة في منظومة التعليم، سواء في ظل «كورونا» أو بعد «كورونا».