«فتح» و«حماس»: إما أن تعيشا معاً أو تتعايشا مع الاحتلال!

رجب
حجم الخط


-خبر-كتب:رجب ابو سرية
09 تشرين الأول 2015

 


في العام الماضي، وتحديداً قبل خمسة عشر شهراً، في تموز، حيث كان شهر رمضان قد بدأ لتوه، وبهدف قطع الطريق على انتفاضة شعبية فلسطينية، عقب إقدام قطعان المستوطنين / المحتلين على حرق وقتل الطفل محمد أبو خضير، أقدمت إسرائيل على شن حربها الثالثة، خلال ست سنوات على غزة، ومع أن احتمال تكرار الأمر ذاته ما زال واردا، بعد أن تصاعدت حدة المواجهة في الضفة الغربية والقدس ومناطق الـ48، على أثر التصعيد الإسرائيلي للهجوم على القدس، وإقدام المستوطنين على ارتكاب سلسلة من أعمال الحرق والقتل المتعمد لعائلات فلسطينية في الضفة الغربية، إلا أن اليومين الأخيرين شهدا ما يمكن وصفه بأنه إشارات على تراجع سياسة الهجوم الميداني التي اتبعتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا .
يعني الأمر بأن هبة الجماهير الفلسطينية، وعلى عكس توقعات أجهزة الأمن الإسرائيلية باستبعاد انطلاق انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية والقدس، نظرا لوجود حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، وخلال أيام فقط كانت كافية لردع سياسة الهجوم الإسرائيلية، التي اعتقدت لوهلة بأنه يمكنها، أن تحقق انجازات حاسمة على الأرض، أقلها، الظفر بتقسيم الحرم القدسي الشريف، ليصبح بين اليهود والمسلمين، بما يخرج القدس الشرقية من حالة كونها جزءا محتلا منذ العام 67 . 
وفي الحقيقة، فانه رغم أن الانقسام عامل كابح لانطلاق الانتفاضة الثالثة، إلا أن المخزون الكفاحي للشعب الفلسطيني العظيم، لا يعجز عن اجتراح المعجزات، ومنها أن انتفاضة ثالثة ستضع حدا، في المدى المنظور، لواحدة من أهم الانجازات الإسرائيلية خلال العشر سنوات الأخيرة، ويتمثل في الانقسام الفلسطيني الداخلي، وفي المدى البعيد للاحتلال الإسرائيلي نفسه الجاثم على صدر الأرض والشعب الفلسطيني منذ أقل قليلا من خمسين عاما، دون أن تنجح لا المفاوضات السياسية طوال عشرين عاما في وضع حد له، ولا " مقاومة النخبة العسكرية " كذلك في إنهائه، بما يعني بأن حراكاً شعبياً داخلياً يطور من قدرات الفلسطينيين ويغيّر من محتوى برنامجهم الوطني / الإسلامي، ومن أدواتهم الكفاحية، بحيث تصبح  شعبية وأكثر شمولية، يمكنه أن يعيد ترتيب معادلة الصراع لغير صالح إسرائيل وبالتأكيد للصالح الفلسطيني.
لعل أول بوادر هذا الحراك، هو انه عادة ومن خلال تجربة انتفاضتين سابقتين، كان الشعب دائما، وفي مقدمته الشباب دون العشرين عاما، طليعة المنتفضين، بحيث تلحق بهم فصائل العمل الوطني / الإسلامي، ومن ثم تقوم بتنظيم فعاليات الانتفاضة، بما يؤثر لاحقا على طبيعتها الشعبية، لكن " تدجين " أو تشتيت العمل الانتفاضي يأخذ وقتا، يكون هذا الفعل قد أوجع خلاله الاحتلال الإسرائيلي، وبالتأكيد سيكون قد احدث تغييرا داخليا هذه المرة، في بنية الفصائل الفلسطينية، وربما في المبنى السياسي الفلسطيني العام، لذا فان الجميع _ دون استثناء _ يخشى من انتفاضة شعبية ثالثة، تنطلق دون حدود وأجهزة تحكم الجميع، من إسرائيل إلى حماس مرورا بفتح والسلطة، إسرائيل بالطبع لا تريد أي رد فعل شعبي فلسطيني، أما رد الفعل الفصائلي، حتى لو كان عملية عسكرية للجهاد أو حماس يمكن أن توظفها إسرائيل، إذا كانت خارج نطاق إطار مقاومة الاحتلال لأراضي 67، في صالحها، أما حماس فتريد عمليات عسكرية وفقط، تعزز من تواجد ووجود جناحها العسكري في الضفة الغربية، لتكرر في نهاية الأمر ما فعلته بغزة، حين تعززت قوة القسّام منذ عام 96 حتى عام 2000، بما أهلّها لاحقا لإلحاق الهزيمة بقوات السلطة والسيطرة على غزة، وفتح تريد مقاومة شعبية سلمية، تقطع الطريق على إستراتيجية حماس، وتعزز من موقع السلطة على طاولة التفاوض مع إسرائيل لفرض الانسحاب عليها، في حين تخشى قلب الطاولة، في حال تضمنت المواجهة، مواجهات عسكرية كما حدث في انتفاضة العام 2000، بما يضعف سيطرتها على الأرض، لصالح مجموعات المواجهة العسكرية أو لصالح إسرائيل التي ستعيد فرض سيطرتها الأمنية على المناطق أ .
في الحقيقة فان ما فاجأ إسرائيل، هذه المرة، هو ظهور أكثر من بؤرة انتفاضية على طول وعرض الضفة الغربية والقدس، كذلك خروج فلسطينيي  48 في مظاهرات حاشدة، جابت المدن والقرى داخل الخط الأخضر، فالداخل موحد وفعال، بعد أن توحد العرب / الفلسطينيون في انتخابات الكنيست العشرين الأخيرة في قائمة واحدة، بما ينال من وضع الحكومة الهش والتي تتفوق بأغلبية بسيطة في الكنيست، بما يذكر أو يبشر بما كانت تحدثه التظاهرات في أميركا ضد الحرب في فيتنام في أواخر العقد السادس من القرن الماضي .
لا يبقى من اجل إحداث الردع التام لسياسة اليمين الحاكم الإسرائيلية التي تستهدف الحرم القدسي الشريف وأراضي الضفة الغربية، هو  أن تعود فتح وحماس لخيار الشراكة السياسي وان تجدا الطريقة للتعايش معا، رغم ارثهما بالتفرد السياسي، ذلك أن البديل عن تعايش فتح وحماس معا، هو أن تضطّر كلاهما للتعايش مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث ستعود فتح " صاغرة " لمفاوضات بالشروط الإسرائيلية أو تحل السلطة وتتنازل عن مكسبها، لذا باتت تفكر في إعلان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كحكومة فلسطينية، كذلك ستواصل حماس محاولاتها التفاوض عبر الواسطة مع إسرائيل على سقف سياسي منخفض أكثر عن سقف السلطة، مداه _ فقط _ كسر الحصار عن غزة، دون حتى أن تصبح دولة، ومن كان يمكنه أن يتنازل للعدو، يمكنه أن يتنازل للشقيق الذي أولى وأحق، وإلا فان شعبا مكافحا سيضطر لأن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وقد اعذر من أنذر، وها هي بوادر انتفاضة الشعب الفلسطيني تقول هذا بوضوح تام لمن يريد أن يرى ويسمع.