التطبيع هو عملية إعادة العلاقات الطبيعية بين طرفين متخاصمين حول قضيةٍ ما، جرت مراسم صلح بينهم حولها وجرت تسويتها برضى واتفاق الطرفين، أما خلافنا مع هذا الكيان الغاصب والمحتل لأرضنا العربية بتواطؤ دولي وضلوع أطراف عربية فهو ليس خلافًا على حدود أو مصالح معينة، بل هو خلاف أبدي ووجودي يقوم على أساس وجودهم في أرضنا، وليس هناك أي تسوية معهم إلا على أساس رحيلهم وتحرير وتطهير التراب الفلسطيني المقدس من دنسهم، وكل ما يجري من تسويف وتزوير وتضليل للشعوب العربية من قبل المتحكمين بنا سينقشع قريبًا مهما أنفقوا من ملياراتهم لتضييع القضية، فهناك فرز حقيقي اليوم بين من هم مع قوى المقاومة والتحرر ومن هم مع المعسكر الصهيوني-الأمبريالي.
التطبيع كان ومازال هدفًا استراتيجيًا للعدو الصهيوني يعمل عليه منذ سنوات طويلة وبشكل هادئ وناعم، يقصد به الترويج لفكرهم وآرائهم من جهة، ومن جهة أخرى اختراق البنية الثقافية والاجتماعية والقانونية والتربوية والاقتصادية بما يدعّم وجودهم وأمنهم واعتبارهم دولة صديقة. وتتوجه هذه الحملة بالدرجة الأولى في داخل الوطن العربي، فالتطبيع لفظ بسيط ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.
ولقد نجح العدو الصهيوني ومن خلال تجمعاته العالمية كالصهيونية والماسونية ..وعلى مدى سنين طويلة ودون كلل من اختراق عقول نوعية اجتماعية عربية وإسلامية وصلت لمناصب متقدمة في كافة الاختصاصات في العالم العربي خاصة، بل وتمكنت من النفاذ إلى عقول غالب الحكام وأبنائهم والشخصيات المحتمل وصولها إلى مقاليد السلطة، فتغيّرت عند هؤلاء مفاهيم الإيمان ومبادئ العقيدة والهوية الثقافية، وهكذا حتى ضجت مسامعنا من هنا وهناك وعبر الإعلام العربي أن إسرائيل دولة صديقة يجب التعايش معها ومن ثم الاعتراف بهذا الكيان كدولة حقيقية وحقها بالأمن والاستقرار وضرورة الانفتاح الاقتصادي معها وكل هذا على حساب القضيّة الفلسطينية، وإنني أعتبر هذا المصطلح ليس تطبيعاً بل هو الخيانة العظمى بكل معانيها
الذي يجري اليوم علانيةً مع الكيان الصهيوني، وهو امتداد للتواصل السري والخيانة على مدار العقود الماضية من عمر الاحتلال، إلا أنَّ الفرق بين الحاضر والماضي؛ هو أنَّ خونة اليوم يشهرون ويدفعون ويشجعون هذا التواصل بأشكاله ومسمياته المختلفة وما هؤلاء المأجورين الذين يلعبون هذه الأدوار الخيانية إلا انعكاس لحقيقة ونوايا ورغبات وأدوار حُكّامهم بتصفية القضية الفلسطينية، لذلك فمن الخطأ نعتهم بالمطبعين! لأنَّهم خونة بكل معاني وأوصاف الخيانة.
إن الاتفاق الاماراتي الصهيوني هو محض عمل عدائي ضد الشعب الفلسطيني، وإسهام مباشر في الإجراءات الصهيونية الهادفة لضم الأرض وترحيل السكان الفلسطينيين، ما يعني فعليًا وجوب التعامل معه وفقًا لهذا المنطلق، أي كونه اعتداء وليس عمل تطبيعي خياني فحسب، وهذا التشبث بوضوح التوصيف يعود لاعتبارات عدة تتعلّق بتوفير رؤية واضحة بخصوص ما هو قادم من انحيازات عربيّة.
وعلى ذلك هناك واجب لوضع خطوط فلسطينية وعربية حمراء، تسير عليها قوى الرفض للمشروع الخياني، وينتظم في إطارها معسكر الرفض العربي، وهنا ليس من باب المبالغة اللفظية أن تستعاد اللاءات الثلاث، لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، فجوهر المشروع الأمريكي الحالي لتركيع العرب هو إجبارهم على التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، والخضوع لسياساته ومتطلباته الأمنية وأطماعه الاستعمارية، مرورًا فوق جثة شعب فلسطين وقضيته، وإجراء التصدي لهذه القضية التأكيد على رفض الاعتراف بالكيان أو التطبيع معه.
إن التآمر على فلسطين لم يعد من العدو الخارجي وإنما انتقل بالتعاون الصريح والقبيح مع الحاكم والنظام العربي بعدما كان خفياً منذ بداية القرن الماضي، وإن دور المقاومة يجب أن لا ينحسر في العمل العسكري والذي نراه رأس الحربة والقوة، وإنما لابد من إيلاء المقاومة الثقافية والفكرية والتربوية والقانونية ... الأهمية التي تحمي العمل العسكري المقاوم واستمراريته
مِن رَحِم هزيمة لبنان عام 1982 انطلقت المُقاومة الإسلاميّة، ومن رَحِم هزيمة حزيران 1976 انبثقت المُقاومة الفِلسطينيّة، ومن قلب مُؤامرة كامب ديفيد الثّانية عام 2000 لتركيع القِيادة والمقاومة الفلسطينيّة انطلقت الانتفاضة المسلّحة الثّانية في فِلسطين المحتلّة.والان من رَحِم هذا التطبيع سينتج عنه مقاومة عتيدة ثقافتها البندقية وعدم استباحة ارضنا وعرضنا واراقة دم أبنائنا وقتلهم عمداً، وعدم تمرير باقي بنود صفقة القرن أو ماتسمى صفعة القرن وذلك بضم الضفة الغربية وإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتاتإلى أرضهم ..هذه هي الثقافة المطلوبة في المرحلة القادمة.
هذه الأمّة ولّادة، وعقيدتها صلبة ، وشُعوبها مِعطاءة تملك رصيدًا ضخمًا من الانتصارات، وإرثًا حضاريًّا هو الأضخم في المجالات كافّة، قد “تتوعّك” ويتطاول عليها بُغات الطّير، ولكنّها ستنهض حتمًا وتنتفض..