العودة إلى المدارس في أميركا: حقائق مؤلمة وقاسية

حجم الخط

بقلم: باربرا كانترويتز*

 

في الأسابيع القليلة المقبلة، ستعكف المدارس العامة في الولايات المتحدة على الانخراط في تجربة كبرى؛ تحقيق التوازن بين سلامة 51 مليون طالب وبين احتياجاتهم الأكاديمية والاجتماعية والعاطفية.

وكانت جائحة فيروس كورونا المستجد قد أجبرت المدارس في جميع أنحاء البلاد على التحول إلى التعلم عن بعد في هذا الربيع.

والآن يتعين على المسؤولين والسياسيين معرفة كيفية إعادة فتح المدارس هذا الخريف مع استمرار تفشي الفيروس.

ويمكن أن تكون النتيجة الإطاحة بالنظام البيئي الهش مسبقاً للمدارس في هذا البلد وتدمير التعليم العام لأعوام.

في مدينة نيويورك - التي كانت في يوم من الأيام بؤرة الوباء - يجب على الآباء أن يقرروا بحلول 7 آب، إذا ما كانوا سيوافقون على خطة إعادة فتح المدارس التي تمزج بين التعليم بالحضور الشخصي في الفصول الدراسية وبين الدروس عبر الإنترنت، أو اختيار التعلم عن بعد بدوام كامل.

ورغم أن معدل الإصابة في مدينة نيويورك منخفض حالياً، إلا أن الاختيار يظل مؤلماً، نظراً لاحتمال قدوم موجة ثانية من العدوى.

وفي حين أن المدن الكبرى الأخرى، بما فيها لوس أنجيلوس وشيكاغو، تبدأ العام الدراسي بالتعليم عن بُعد، فإن نيويورك - أكبر منطقة تعليمية في البلاد والتي تضم 1.1 مليون طالب - يمكن أن تضع المعايير للمدارس التي يكون فيها الفيروس تحت السيطرة.

الآن، مع بقاء أيام قليلة على بدء العام الدراسي الجديد في العديد من الأماكن، يدرك الآباء والمعلمون أنه لا توجد خيارات جيدة. فالفصول الدراسية بالحضور الشخصي تثير مخاوف تتعلق بالسلامة، نظراً للتوقعات غير الواقعية بأن الأطفال سيرتدون الأقنعة ويبقون على مسافة 6 أقدام من بعضهم بعضاً طوال اليوم الدراسي.

كما يشكل دفع تكاليف الموظفين والمعدات اللازمة لإبقاء الفيروس تحت السيطرة أيضاً عقبة كبيرة، خاصة بالنسبة للمناطق التي تعاني من قلة المال في المجتمعات ذات الدخل المنخفض. ويعد نظام التعليم الهجين كابوساً لوجستياً بينما يكاد يكون من المؤكد أن التعلم عن بُعد سيترك الطلاب الأكثر ضعفاً في الخلف.

من الصعب الآن تخيل كيف سيبدو التعليم الآمن بالحضور الشخصي في المدرسة.

في ولاية إنديانا، تم تشخيص إصابة طالب بـ"كوفيد - 19" في اليوم الأول من المدرسة أواخر الشهر الماضي، وأمر المسؤولون أولئك الذين كانوا على اتصال وثيق بالطالب بالتزام الحجر الصحي لمدة 14 يوماً.

الآن، يترتب على المسؤولين اتخاذ قرارات صعبة من دون وجود دليل علمي واضح حول كيفية انتشار المرض لدى الأطفال.

وفي الوقت نفسه، يتمرد مناهضو أقنعة الوجه حتى على أبسط الإرشادات، بينما يقول معلمون وموظفون آخرون إنهم لن يذهبوا إلى العمل ما لم تكن المدارس آمنة تماماً.

كما أن حوالى 28 في المائة من معلمي المدارس العامة فوق سن الخمسين - ما يجعلهم معرضين بشكل خاص لخطر الفيروس.

ويقول الكثيرون إنهم يفضلون التقاعد على المخاطرة بصحتهم، ما سيكون من شأنه أن يزيد من استنزاف هيئة المعلمين ويجعل من الصعب الحفاظ على التباعد الاجتماعي في فصول دراسية صغيرة الحجم.

عندما ضرب الوباء، كانت المقاطعات في جميع أنحاء البلاد، وخاصة تلك التي تضم مناطق ذات دخل منخفض، لا تزال تتعافى من الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها خلال ركود العام 2008، عندما تم تسريح ما يقرب من 300.000 معلم وموظفين آخرين في المدارس.
الآن يترتب على المديرين اكتشاف كيفية تدبر الأمور بموارد أقل من السابق مع تقلص الإيرادات الحكومية والمحلية في مواجهة أزمة اقتصادية أخرى.

وقد تم تسريح معلمين بالفعل في ولايات كاليفورنيا وماساتشوستس وميتشيغان، وستصل تكلفة تنفيذ تدابير السلامة لمنطقة مدرسية متوسطة تضم 3.659 طالباً إلى 1.778.139 دولاراً، وفقاً لتحليل أجرته رابطة مسؤولي الأعمال في المدارس الدولية وجمعية مديري المدارس.

إذا لم يكن هناك تعليم بالتواجد الشخصي للطلبة في المدارس، فسوف يضطر العديد من الأمهات والآباء إلى التخلي عن رواتبهم للبقاء في المنزل ورعاية أطفالهم - ما يقلل من دخل الأسر خلال فترة صعبة مسبقاً من الناحية المالية.

ويمكن أن يجوع الطلاب الذين يعتمدون على المدارس لتقديم وجبات مجانية أو بأسعار مخفضة إذا تم إلغاء الدروس في المدارس.

وكان أكثر من نصف الطلاب الأميركيين مؤهلين للحصول على هذه الوجبات خلال العام الدراسي الماضي.

وعلى الرغم من أن العديد من المناطق حاولت الاستمرار في إطعام الطلاب المحتاجين هذا الربيع، إلا أن الطلب سيزداد بالتأكيد مع ارتفاع معدلات البطالة.

قد يكون هذا عاماً فاصلاً في تاريخ التعليم العام الأميركي. وتهدد الفجوة المتزايدة مسبقاً بين الأغنياء والفقراء بأن تتحول إلى هوة لا يمكن ردمها بينما يدفع الآباء الذين يملكون النقود مقابل بدائل، مثل استخدام المعلمين الخاصين، بينما تكافح الأسر ذات الدخل المنخفض من أجل البقاء.

في شهادة أمام مجلس الشيوخ هذا الصيف، حث جون كينغ، رئيس صندوق التعليم غير الربحي ووزير التعليم الأميركي السابق، حث الكونغرس على تخصيص مبلغ 175 مليار دولار على الأقل لدعم التعليم من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر لتجنب تسريح المعلمين والعاملين ولدفع تكاليف إجراءات السلامة، من بين احتياجات أخرى.

وقال كينغ: "لقد أدى فيروس كورونا فقط إلى تكثيف أوجه التفاوت في التعليم والتوظيف والرعاية الصحية وفي المجالات الأخرى التي تؤثر مسبقاً بشكل غير متناسب على الأشخاص الملونين والأسر ذات الدخل المنخفض".

لا توجد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث للكارثة المحتملة التي تترتب على إغلاق المدارس على نطاق واسع لمدة عام أو أكثر.

ورغم إغلاق معظم المدارس الأميركية خلال تفشي وباء الانفلونزا القاتل في العام 1918، فقد رحب المعلمون بالطلاب العائدين إلى الفصول الدراسية مرة أخرى بعد بضعة أشهر فقط، بينما ظلت المدارس في نيويورك وشيكاغو ونيو هافن مفتوحة.

واتخذت المدارس في تلك المدن تدابير صارمة في مجال الصحة العامة؛ حيث قامت بإجراء اختبارات جسدية متكررة، ووضعت ممرضات في معظم المدارس، وهي ابتكارات أصبحت فيما بعد أكثر شيوعاً في معظم أنحاء البلاد.

كما أدت الأوبئة الحديثة، مثل انفلونزا الخنازير في العام 2009، إلى إغلاق المدارس - وإنما لبضعة أسابيع فقط.

أثناء إعصار كاترينا الذي ضرب البلاد في آب 2005، شُرد مئات الآلاف من الأطفال.
وفي نيو أورلينز وحدها، دمرت العاصفة 110 من أصل 126 مدرسة عامة، وتم نقل بعض العائلات إلى ولايات أخرى، لكن العديد من الأطفال ظلوا بلا دروس منتظمة في المدارس لمدة عام أو أكثر، وعندما عادوا أخيراً إلى المدرسة، كان متأخرين عامين في المتوسط، ما تطلب أعواماً من التعليم العلاجي.

يبدو أن الوباء يضاعف التهديد طويل الأمد لمستقبل التعليم العام الشامل.

ويرى أنصار خصخصة التعليم المدرسي في عمليات الإغلاق فرصة لتحقيق تقدم.

وتقول الحجة إنه إذا لم تفتح المدارس العامة أبوابها، فيجب أن يكون الآباء قادرين على أخذ أموال دافعي الضرائب التي تخصهم إلى مكان آخر.

وقد هدد الرئيس دونالد ترامب بفعل ذلك بالتحديد عن طريق سحب الأموال العامة من المدارس التي لا تقدم التعليم بالحضور الشخصي في الصفوف وإعطاء النقود مباشرة للآباء.

أما كيف يمكن أن يعمل هذا فغير واضح، لكن الشركات الربحية التي تعمل في مجال التعلم عن بعد تعمل بالفعل على تكثيف أعمالها.

يمكن للمدارس الخاصة والضيقة - التي تدرس حالياً حوالى 10 في المائة من الطلاب من الحضانة حتى الصف الثاني عشر - أن تستفيد أيضاً إذا انجذب الآباء الذين يمكنهم تحمل تكاليفها إلى الصفوف الأصغر حجماً والمرافق الأفضل.

وقد حصلت هذه المدارس مسبقاً على دعم وزيرة التعليم، بيتسي ديفوس، التي تدافع منذ فترة طويلة عن اختيار المدرسة والخصخصة، التي وصفت المدارس العامة بأنها "طريق مسدود".
يشعر الآباء بقلق مفهوم في الوقت الحالي. لقد تحملوا صدمة الإغلاقات المفاجئة في آذار، وأبقى الأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية هذا الخريف الكثير منهم واقفين على أقدامهم خلال الأشهر الخمسة الماضية.

وفي وقت سابق من الصيف، آذنت بعض المناطق بالعودة إلى التعلم بالتواجد الشخصي للطلبة في الصفوف بناءً على معدلات الإصابة المنخفضة في مجتمعاتها - فقط لتعود أدراجها وتوقف التعليم في الصفوف بتوجيه من حكومات الولايات مع ارتفاع أعداد الحالات.

والآن، تقول المزيد والمزيد من المناطق إنها ستبدأ بالتدريس عن بعد، على أمل إعادة الطلاب ببطء إلى الصفوف بحلول تشرين الأول أو تشرين الثاني.

لكن هذا الجدول الزمني يبدو مفرطاً في التفاؤل. إذا استمر تفشي الفيروس في الخريف والشتاء، فلن تكون المدارس أكثر أماناً.

ويسبب سماع الإعلانات المتناقضة من مسؤولي المدارس والقادة السياسيين الإرباك والحيرة، ويقوّض مصداقية الأشخاص الذين يجب أن يكونوا الأكثر جدارة بالثقة خلال هذه الأزمة.
إن التعليم الشامل هو حصن للديمقراطيات العاملة وظيفياً؛ ومن دونه، يمكن أن تصبح أكثر شبهاً بالبلدان النامية، حيث يكون التعليم محجوزاً للعائلات التي يمكنها أن تدفع تكاليفه.
وقبل تفشي الوباء، أعرب الأميركيون عموماً عن ثقتهم في مدارسهم العامة.

ووجد استطلاع للرأي أجراه في شباط 2020 مركز عمل مجالس المدارس الوطنية، أن لدى غالبية من المستطلعة آراؤهم وجهة نظر إيجابية في مدارسهم ومعلميهم المحليين، وأكدوا التزامهم بالاستثمار في المدارس حتى لو كان ذلك يعني زيادة الضرائب.

سوف يختبر العام الدراسي المقبل مخزون حسن النية هذا بكل طريقة ممكنة.

ماذا سيحدث إذا تغلب الفيروس على كل محاولات احتوائه؟ ماذا سيحدث للطلاب إذا تم إغلاق المدارس الفعلية لعام آخر؟ ما الذي سيتبقى لإنقاذه؟ إن أولياء الأمور والطلاب والمعلمين يبحثون عن إجابات. وحتى الآن، ما من إجابة.

_______________

* عن "سي. إن. إن"
*كبيرة المحررين في "The Hechinger Report"، وهي منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية تركز على عدم المساواة والابتكار في التعليم.