الشرطي الجديد في الحارة

حجم الخط

اسرائيل اليوم– بقلم كارولين غليك

يوم الثلاثاء، بين لقاءاته في القدس،  سجل وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو خطابا قصيرا للمؤتمر الجمهوري، عدد فيه انجازات الادارة في الساحات المختلفة في العالم. وبث الخطاب يوم الثلاثاء ليلا. بعد أن كان بومبيو هبط في الخرطوم، المحطة الثانية في حملته المكوكية الرامية الى توسيع دائرة التطبيع بين اسرائيل ودول المنطقة.

​تشديد خاص يجدر اعطاؤه للاقوال التي ختم بها بومبيو خطابه، إذ ذكر آندرو برانسون، القس الامريكي الذي احتجز رهينة في تركيا بين 2016 و 2018. وكان برانسون اعتقل دون ذنب اقترفه بعد الانقلاب الفاشل ضد نظام اردوغان في صيف  2016. في 2017 عرض اردوغان على الرئيس ترامب صفقة: مقابل تحرير القس، يسلم لتركيا الزعيم الديني التركي المنفي فتح الله غولان الذي يعيش منذ سنوات طويلة في بنسلفانيا. ويتهم اردوغان غولان ومؤيديه بالمسؤولة عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز  2016.

​لم يتأثر الامريكيون، وبدلا من تسليم غولان لتركيا، فرض ترامب معدلات جمارك عالية على الصادرات التركية للولايات المتحدة. بعد بضعة اشهر من تطبيق السياسة الجمركية الجديدة، حرر اردوغان برانسون دون مقابل، باستثناء الغاء الجمارك.

​ان حقيقة أن بومبيو اختار ذكر معاناة برانسون في تركيا، بدلا مثلا من معاناة رهائن امريكيين حررهم ترامب من كوريا الشمالية او ايران تشير الى استعداد الادارة لتشخيص تركيا – العضو في حلف الناتو – كدولة معادية.

​في الفترة الاخيرة أخذت هجمات الادارة على تركيا تتسع تقريبا بوتيرة الافعال المعادية التي ترتكبها تركيا ضد الولايات المتحدة وحلفائها.  وفي يوم الثلاثاء ايضا، مثلا، هاجمت الناطقة بلسان الخارجية الامريكية ميجان اورتغوس تركيا على استضافة رؤساء حماس بما في ذلك كبير المطلوبين للسلطات الامريكية.

​قادت تركيا التنديدات ضد اتحاد الامارات على اتفاق التطبيع مع اسرائيل. اما الامارات من جهتها فبعثت هذا الاسبوع بست طائرات قتالية من طراز اف 16 للمشاركة في التدريبات في اليونان.  

​ان  استعداد الادارة للاعتراف بعداء تركيا بل وتشديده، رغم الحلف الرسمي بين الدولتين في إطار الناتو هو تعبير عن اعادة تنظيم منظومة التحالفات الجارية في المنطقة اليوم.

​قبل عقد أدى الربيع العربي وتأييد إدارة اوباما للاخوان المسلمين وايران ضد السُنة واسرائيل الى هزة أرضية فكرية في اوساط العرب  السُنة. فالمصريون، السعوديون والاماراتيون خرجوا منه مع الفهم الثوري  بان اسرائيل هي الحليف والدرع الاقوى الذي لهم في وجه ايران والاخوان المسلمين. مقابلهم – بتأييد من ادارة اوباما – الاتراك، الاخوان المسلمون (في شكل حماس) قطر وايران خلقوا كتلة منافسة.

​مد يد استراتيجية

​المرة الاولى التي خرجت فيها الكتلتان الى نور العالم كانت في 2014 في اثناء الجرف الصامد. في حينه أيدت تركيا وقطر وادارة اوباما حماس وشروطها لوقف النار. اما الجمهوريون، الامارات، مصر والسعودية فايدوا اسرائيل. وبفضل الكتلة السُنية نجحت اسرائيل في صد ضغط ادارة اوباما للقبول بمطالب حماس.

​فور دخول ترامب الى البيت الابيض عمل على أن يسيطر، يقود ويوسع الحلف الاسرائيلي – السُني. والان، مع الاعلان عن تطبيع العلاقات بين اسرائيل والامارات، فان حجوم المشروع وتأثيره على الواقع الاستراتيجي في المنطقة وفي الساحة الدولية بشكل عام بدأت في الظهور امام الجميع.

​على مدى أربعين سنة من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي انقسم  العالم الى كتلتين. ومع اسقاط سور برلين في العام 1989، انهار هذا التقسيم. صحيح انه في بداية التسعينيات تمتعت الولايات المتحدة باحتكار في مكانتها كقوة عظمى.  ولكن حتى نهاية العقد بدأت الدول واللاعبون شبه الدول  بالخروج من الصدمة.  بدأت حركات اليسار المناهضة لامريكا  تثير  الاضطرابات في شوارع العالم الغربي  باسم  الكفاح ضد العولمة. وعززت هذه  الاضطرابات العداء التقليدي لدول غرب اوروبا للولايات المتحدة وساهمت في تطرف اليسار في اوروبا وفي  الولايات المتحدة.

​بدأت القاهرة حربها ضد الولايات المتحدة مع العمليات في السفارات في كينيا وتنزانيا في 1998. وبدأت الصين ترفع الرأس كقوة عظمى مستقبلية، وبدأت روسيا تعيد بناء مكانتها الدولية كدولة معادية للولايات  المتحدة القيادة الطغيانية لفلاديمير بوتين.  

​ان المقارنة التي بين السهولة التي بنى بها الرئيس بوش الاب التحالف برعاية الامم المتحدة لاخراج قوات صدام حسين من الكويت في العام 1991، وبين الصعوبة التي اصطدم بها ابنه حين حاول خلق تحالف  دولي لاسقاط نظام صدام حسين في العام 2003، هي دليل على تآكل مكانة الولايات المتحدة في التسعينيات. فتطلع بوش الابن لجعل العالم العربي عالما ليبراليا ديمقراطيا هز زعماء المنطقة وعظم قوة الاخوان  المسلمين. وعزز اساط صدام حسين ايران. وبينما عمل بوش انطلاق من سوء  فهم،  كانت سياسة اوباما في الشرق  الاوسط وليدة مذهبه المعادي للغرب، الذي عظم فقط الضرر الذي ألحقه سلفه.  

​في هذه الفوضى الاستراتيجية، كان الفعل العقلاني والاستقراري الاول هو مد اليد من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لقيادة السُنة – الجيش المصري، السعوديين وقادة الامارات –في عصف الربيع العربي. فالحلف بينهم وبين  اسرائيل اوقف ايضا زخم الاخوان المسلمين وايران، واعطى فرصة للجمهوريين لخلق بديل منطقة ومجدٍ ليس فقط للسياسة الراديكالية لاوباما بل بالعموم لفراغهم الفكري منذ سقوط السور.

​بريطانيا منقطعة

​الرجل الاكثر بؤسا في القدس هذا الاسبوع كان وزير الخارجية البريطاني دومينيك راف. أعمى عن  التطورات جاء الى هنا كي “يعمل على السلام بين اسرائيل والفلسطينيين”.

​بعد أن تركت بريطانيا الاتحاد الاوروبي، توقع الامريكيون ان تستأنف بريطانيا تحالفها مع واشنطن على حساب الارتباط بالسياسة الخارجية المناهضة لامريكا ولاسرائيل في الاتحاد. ولكن بوريس جونسون لم يلبي التوقعات. ولشدة خيبة الامريكيين،  تواصل حكومته العمل مع ايران ومع الفلسطينيين كآخر الموالين لبروكسل.  

​يعارض البريطانيون سياسة الضغط على ايران بل وامتنعوا عن تأييد الولايات المتحدة في مجلس الامن الاسبوع الماضي. وزارة الخارجية البريطانية، مثل الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ردت ببرود على بيان اتفاق تطبيع العلاقات بين اسرائيل والامارات في ظل التشديد على “الحاجة” لاستئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين.

​ان  الكتلة الاسرائيلية السُنية هي عامل استقرار في الشرق الاوسط وتؤثر  ايجابا ايضا على اوروبا وآسيا لانها كتلة أصيلة. فهي ليست نتيجة سياسة قوة امبريالية بل مصالح مشتركة ودائمة للمدى المنظور. ووجود هذه الكتلة هو الذي يسمح للامريكيين بالتصدي لتفكك تحالفهم مع تركيا. كما أنه يسمح للامريكيين بالعمل ضد ايران دون دعم من مجلس الامن. هذه الكتلة ستتسع اذا انتخب ترامب من جديد وستبقى حتى لو فاز بايدن.