ألسنة اللهب تزداد اشتعالاً: الكارثة.. أو الانفصال

بن كسبيت
حجم الخط

بقلم: بن كسبيت 
 

10 تشرين الأول 2015

   
مثال ملموس للقيادة الواثقة لـ»سيد أمن» نجده مرة اخرى بين ليل الأربعاء وصباح الخميس. بعد تردد وتلوٍ اتخذ بنيامين نتنياهو، أخيرا، القرار الصحيح حين قرر منع ذهاب الوزراء وأعضاء الكنيست الإسرائيليين الى الحرم. قرر أن يكون حكيما، لا صادقا، في محاولة لصب المياه الباردة على اللهب. لقد استمع للاردنيين والسعوديين ومستشار الامن القومي ورجال «الشاباك» والشرطة وفهم. وفي الليل قيل إن القرار يتعلق باعضاء الكنيست والوزراء الاسرائيليين فقط.
لكن عند طلوع الشمس في الصباح كان ثمة يوم جديد وقيادة جديدة. بدأ وزراء «البيت اليهودي» يصرخون، وبدأ نشطاء اليمين و»السموترتشيين» بالتهديد، وقبل الظهيرة تراجع بيبي بخزي. وقال إنه كان يقصد اعضاء الكنيست العرب ايضا. خسارة أنه لا يمكن جمع مئات آلاف الحجارة التي سقطت في المدن في الصباح وكشفت عورة «سيد أمن» مثل الحبر الاسود على الورق الابيض.
ما الذي لم يفعله للحفاظ على الهدوء؟ إنه «معلم» و»مرشد» و»أول من يكتشف» والويل لمن يحاول تشويش صورة هذه القيادة وقول الحقيقة البسيطة، إنه خائف ولا يمكنه اتخاذ القرار. وعندما يتخذ القرار يتراجع ويحوله، وعندما يحوله يسرع باحثا عن شيء يختبئ وراءه. في عملية «الجرف الصامد» اختبأ وراء الجيش، حيث قام بالتسريب من جلسة «الكابنيت». لست أنا من يخاف الدخول الى غزة؛ بل بني غانتس. ولو كان الامر يرتبط بي لكنا أسقطنا منذ زمن حكم «حماس»، كما وعدت. ببساطة هم لا يعطونني ويُمسكونني. هذا التسريب تسبب بالضرر الامني، وطلبت الرقابة من المستشار القانوني للحكومة التحقيق في الموضوع، لكن يبدو أن المستشار منشغل جدا.
في هذا الاسبوع تم الامساك به مرة اخرى «متلبسا». أريد البناء في «المناطق»، قال لوزراء «الكابنيت»، لكن هذا غير ممكن بسبب الأميركيين. وأحضر الى «الكابنيت» المحامي الخاص به، الذي هو وزير الخارجية الفعلي اسحق مولخو، الذي أخاف الوزراء بسيناريوهات فظيعة حول الرد الأميركي المتوقع اذا أعلنت اسرائيل الآن عن أي بناء جديد. «جون كيري يترك لي رسائل في الهاتف»، قال مولخو. «الأميركيون لن يستخدموا الفيتو ضد اقتراح فرنسا اذا قمنا بالبناء الآن». ما الذي تعرفونه، مولخو يردد ما يقوله كيري، لكن الاخير يستمر بالتهديد. وقد تزامن مع سيناريو مولخو الفظيع في «الكابنيت» تسريب للقناة 2 يقول إن الأميركيين وضعوا مهلة أخيرة.
فجأة بيبي يعطي اعتبارا للأميركيين. لقد بصق على الرئيس سنوات، وضربه على رأسه، ذهب الى واشنطن وخلط الكونغرس، حاول اسقاطه في الانتخابات، لا يعود للاتصال به وفجأة «هناك مهلة أخيرة»، لكن توجد هنا مشكلة صغيرة اخرى. في هذه الحالة ايضا أشرقت الشمس في اليوم التالي وكان يوما جديدا ومعه متحدث وزارة الخارجية في واشنطن الذي قال بصوته إنه ليس هناك مهلة أخيرة. لا وجود لأمر كهذا. وتبين مجددا أن بيبي يبحث عن شيء أو أحد للاختباء وراءه. لـ»سيد أمن» لا يوجد أمن ليقرر بنفسه. فهو يحتاج الى شماعة والى من يخيفه أو يلزمه، وإلا فانه سيتورط مع أورين حزان.
شيء آخر قاله نتنياهو في «الكابنيت»: اذا قمنا بالبناء في القدس الآن فمن شأن هذا الحاق الضرر بالتعويضات الأميركية على الاتفاق النووي مع ايران. عدد من الوزراء لم يصدقوا ما سمعوا. لقد حذروا رئيس الحكومة على مدى اشهر في موضوع «التعويضات الأميركية». رؤساء الاذرع الامنية يتوسلون أمامه لوقف المعركة الصبيانية والغبية مع الرئيس وأن يفهم أن اللعبة قد انتهت، ويبدأ في الحديث عن التعويضات وتحسين قدرة اسرائيل، وإلا فان القطار سيفوته. لكن نتنياهو رفض ذلك. لا يمكن لشيء أن يلحق الضرر بالتعويضات الأميركية، قال، حتى لو حاربنا ضد الاتفاق النووي حتى اللحظة الاخيرة. ففي النهاية سنحصل على ما نستحقه. وها هو الآن يخاف على مصير التعويض المثيولوجي، ويحرص على احترام الأميركيين والسير على أطراف الاصابع. فجأة تعلم الأدب وحسن السلوك.
من الواضح أن هذه خدعة تهدف الى التشويش على الحقيقة. إنه ببساطة يخاف. يخاف من قول الحقيقة للجمهور، ويخاف من اتخاذ القرارات بنفسه والدفاع عنها، وهو لا يقدر على القول للجمهور إننا نجلس داخل برميل بدأ الاشتعال، لذلك لا يجب الفحص في وضع كهذا من الذي على حق، بل من هو الحكيم. وببساطة نصب الماء البارد. ليس لنا ميزة اختيار الماء البارد. فأي مياه باردة نجدها يجب علينا صبها على اللهب. ليهدأ أوري اريئيل قليلا، وليهتم في الوقت الحالي بأسعار البندورة والدجاج. وكل هذا لا يقوله بيبي. إنهم الأميركيون والأوروبيون والفلسطينيون. هم وليس هو.
«سنحارب الارهاب بتصميم كما حاربناه دائما»، أعلن والعلم من خلفه في مقابلات تلفزيونية متسرعة، وهكذا يبدو الامر في مكتبه.
متى حاربت «الارهاب» بتصميم يا بيبي؟ في غزة؟ في أحداث النفق، حيث زحفت بسرعة الى واشنطن لعناق ياسر عرفات؟ لقد تذكرت، هذا الاسبوع، هيلانا راف ابنة الـ 15.5 التي ذهبت في 24 أيار 1991 الى المدرسة في شارع جابوتنسكي في «بات يم» وقُتلت بسكين على يد «مخرب» من «الجهاد الاسلامي» يسمى فؤاد عبد الهادي العمرين. فهل يعرف أين هو فؤاد هذا؟ لقد تحرر من السجن في صفقة شاليت قبل اربع سنوات بالضبط. بيبي أطلق سراحه. لقد حارب «الارهاب» بأقوال حازمة وافعال ضعيفة، وها هو يفخر بذلك.
إن حرب السكاكين تلك التي كانت ذروتها قتل هيلانا راف أدت الى تغيير الحكم. ولأول مرة في تاريخ اسرائيل تسبب التدهور الامني بفائدة لليسار وضرر لليمين. بعد قتل هيلانا راف بشهر جرت الانتخابات وخسر اسحق شامير وفاز اسحق رابين. هذا بالضبط ما يخيف بيبي، مصيره الشخصي وليس مصيرنا.

ملاحظتان استفزازيتان
• من أين جاءت هذه الفوضى؟ نعم هناك القليل من العنف، لكن ما الجديد في هذا؟ لو جاء، هذا الاسبوع، كائن فضائي لكان اقتنع بعد سماع العويل أننا أمام مذبحة. لقد حدثت عملية اطلاق نار فظيعة وتم الكشف عنها بسرعة. وعملية طعن شديدة في شارع هغاي، وهناك موجة سكاكين. هل هذا يبرر الحملة الاعلامية والانفعالات في الشبكات الاجتماعية والفوضى السياسية والهستيريا القومية؟ ألم يقوموا بذبحنا على مر الاجيال؟.
في هذه المرة على الاقل نعرف، ونحن نستطيع الدفاع عن أنفسنا. في ميزان الذبح الحالي نحن متفوقون كثيرا. الفلسطينيون يدفنون الاموات أكثر منا، اطفال ونساء أكثر، واعتقد أنهم يولولون أقل. هذه الدولة ما زالت أكثر أمنا من جميع الدول المحيطة بها. أنا اشعر هنا بالأمن أكثر من أي يهودي في أي دولة في اوروبا وفي كل مكان وكل زمان. ومن اجل مواجهة اوضاع كهذه (كان لنا الكثير من الاوضاع الاصعب) يجب الحفاظ على الهدوء، وهذا ما ينقصنا.
• الكراهية. جزء اساسي من عويل الاسبوع كان حول مظاهر الكراهية لدى الفلسطينيين. وقد كانت الذروة في قصة اديل بينيت، أرملة اهارون بينيت، من شارع هغاي في البلدة القديمة، التي ركضت طول الطريق ولم يساعدها أحد. ما يفاجئني أننا نتفاجأ من كراهيتهم لنا. هل يوجد من يعتقد أن الفلسطينيين يجب أن يحبونا؟ إنهم يضبطون أنفسهم كل مرة فلا يعانقوننا ولا يقبلوننا ولا يقدمون الورود؟.
أحد الامور القليلة الدقيقة التي قالها ايهود باراك في سيرته السياسية كان أنه لو كان فلسطينيا كان سيتجند في احدى التنظيمات «الارهابية». بالنسبة له هذا «ارهاب»، ولكن بالنسبة لهم هذه منظمة للتحرير القومي. صحيح أنهم «برابرة» مستعدون لتفجير أنفسهم بين الاطفال، ولديهم مشكلة اخلاقية ويرون ذلك كل صباح في أنحاء الشرق الاوسط، لكن هذه هي الحال. لقد حاولنا، لكن لا يمكن تغييرهم. السويديون يصممون على البقاء في السويد، وكذلك العرب هنا.
لو حاول كل اسرائيلي وضع نفسه مكان الفلسطيني العادي لكان فهم لماذا يكرهوننا. نقطة اولى: إنهم ليسوا يهودا، ولا يؤمنون بالتوراة. ومن ناحيتهم فان الكوشان الذي لدينا لـ»أرض اسرائيل» غير صحيح، ولديهم كوشان خاص بهم موقع من نبيهم. للأسف الشديد هذا هو الوضع في كل العالم. لا يوجد الكثير من اليهود، لذلك لا يوجد من يقتنع بالوعد الإلهي لنا. وحتى لو وضعنا الفلسطيني العادي وأغلقنا عليه في دير مدة شهر مع تسيبي حوطوبلي فهو لن يغير رأيه. فخطاباتها المتأججة بأن «ارض اسرائيل» اعطيت لشعب اسرائيل، لن تثير انطباعه ولا انطباع العالم.
تعالوا نواصل: لو عشنا هنا مئات السنين لكانت الحاضرة اليهودية صغيرة. في أحد الايام قرر اليهود العودة. ومنذ ذلك الحين يستعيدون بشكل تدريجي اراضيهم. نعم لقد ربحوا ذلك بمصداقية. هم قالوا لا في كل مرة قلنا فيها نعم (قرار التقسيم مثلا)، وبالنسبة لهم فان وطن آبائهم أُخذ منهم بمنهاجية وعلى مر جيلين. بدؤوا عملية اوسلو في ظل وجود 40 ألف مستوطن، وبعد عشرين سنة هناك 400 ألف. الحكومات الاسرائيلية تتحدث عن السلام وتستمر في الاستيطان. على جميع التلال من حولهم تطل المستوطنات وتنبثق عنها البؤر والبؤر الاخرى، بعضها على اراض خاصة وبعضها يصادره الجيش وهي تتحول الى مستوطنة فيما بعد.
في القدس، الفلسطيني العادي يرى الحركة باتجاه الحرم ويسأل نفسه الاسئلة. في الماضي كانت مجموعة صغيرة تذهب وهي خائفة الى الحرم، وبعد ذلك ظهر غرشون سلمون الذي كان غريبا وغير عقلاني مع مجموعة من المجانين. بعد ذلك كبرت المجموعة واتسعت وزادت قوتها، وبدلا من بضع عشرات أصبحوا بضع مئات وبعد ذلك بضعة آلاف. وبدأ يظهر السياسيون، اوري اريئيل بتصريحاته العدائية والاحلام والاحاديث عن بناء الهيكل، أما الفلسطيني العادي الذي هو ايضا هستيري ويتعرض لغسل الدماغ من قبل نماذج مثل الشيخ رائد صلاح، فيقتنع بأنهم يريدون سرقة الحرم منه.
في شرقي القدس حيث يوجد سكان ولا توجد مواطنة أو خدمات أو بنية تحتية أو جواز سفر أو دولة وحكومة، يطل المستوطنون مثل الفطر بعد المطر السام في سلوان وفي كل بيت فارغ أو يتم تفريغه حيث الهدف الاساسي لليهود هو استمرار الاختلاط مع السكان الفلسطينيين والاستمرار في دق الاوتاد في قلب المناطق الفلسطينية والتواجد ورفع الاعلام والرقص. وبعد ذلك نسأل باستغراب «لماذا يكرهوننا».
حسب رأيي يمكنهم كراهيتنا أكثر. والى جانب اللامبالاة الفلسطينية في شارع هغاي كان الفلسطيني الذي أنقذ اليهود المتدينين من اللنش في الآونة الاخيرة بالقرب من الحرم الابراهيمي، اضافة الى عشرات الحوادث المشابهة، حيث يخطئ الاسرائيليون ويدخلون الى القرى والمدن الفلسطينية، وتقوم الاجهزة الامنية الفلسطينية أو المواطنون الفلسطينيون بانقاذهم.
هذا لا يعني أنني اؤمن بالتوصل الى السلام معهم غدا صباحا. ولكن في المقابل يبدو لي أن الطريق الحالية التي تزيد من الاحتكاك الدموي، والتي تستمر في الضم الزاحف في محاولة لبلع أكثر مما يتحمله الجسم، ستؤدي الى الكارثة. يجب الانفصال على الفلسطينيين. يجب علينا فصل هذه الاوزان عن جسدنا لأننا لن نطفو وهم معنا. في المرتين اللتين حلم فيهما اليهود المتطرفون باقامة امبراطورية، انتهى الامر بالخراب. يوجد هنا عالم في الخارج وهو لا يعترف بسيطرتنا على شعب آخر. هذه الحقيقة لن تتغير حتى لو انتقل بينيت ليسكن مع فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، وهمس في أذنه بلغة فرنسية قوية.
يتعلم نتنياهو الآن على جلده بالطريقة الصعبة أنه لا توجد اختصارات للطريق ولا توجد وجبات بالمجان. كان يمكنه الحصول على الشرعية الدولية لو كان اتخذ قرار تجميد البناء خارج الكتل الكبيرة مثلا، لكنه خاف. نعم لقد عدنا الى نقطة البداية. فخوفه ألقى بنا في اتجاه اليمين، والآن يلقي بنا باتجاه اليسار. وبين هذه الزعزعات لا يقول الحقيقة للجمهور، وفي النهاية سنتعلم جميعا على جلودنا حقيقة الواقع ونضطر للتوقف عن الكذب على أنفسنا ونبدأ في قول الحقيقة لأنفسنا. ربحنا كراهية الفلسطينيين بمصداقية. ليس عندهم أي سبب ليحبونا، ولأننا لن نحبهم قريبا، فان هناك خيارين: الاستمرار في الاختلاط والاحتكاك الى الأبد أو محاولة الانفصال.

عن «معاريف»