«كورونا».. الوعي أولاً

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

على الرغم من كافة الاحتياطات والتدابير الصحية وغيرها التي تفرضها الدول وتلجأ إليها لتقليص عدد المصابين بفيروس كورونا، إلا أن معدل الإصابات غير منضبط ويرتفع بين الوقت والآخر، إلى درجة أن الحصيلة الإجمالية لمن طالتهم عدوى الفيروس زادت على 26 مليون شخص في العالم.
لا يرتبط معدل الإصابات بحالة الدول ومدى تقدمها، وإلا كانت دول العالم الثالث والرابع تعاني من انتشار العدوى، لكنها في لغة الأرقام الأقل تأثراً من الغرب الرأسمالي والدول المتحضرة وكذلك التي تسير في درب التحضر، ومربط الفرس في كل هذا الموضوع يتصل بوعي المجتمع لأهمية الإجراءات المتخذة لمنع انتشار «كوفيد - 19».
الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأقوى في العالم والأكثر تقدماً التي تتغزل بناتج قومي إجمالي يتجاوز 18 تريليون دولار في العام، سجلت وحدها ما يزيد على ستة ملايين إصابة بالفيروس، وهي الأكثر من بين جميع الدول بعدد الوفيات التي تجاوزت 186 ألف وفاة.
هذا العدد الكبير من الإصابات يعود لعدم الاستجابة السريعة من قبل الدولة للتعامل الجدي مع «كورونا»، وكذلك تململ نسبة عريضة من المجتمع من التدابير الاحترازية الصحية، من قبيل ترك مسافة آمنة بين الأشخاص وتطبيق سياسة التباعد الاجتماعي والحرص على ارتداء الكمامة في الأماكن العامة.
في بداية الأزمة لم يلتزم الكثيرون من الأميركيين بالمعايير الصحية، والنتيجة ارتفاع الإصابات وصعوبة تطويق انتشار المرض في بعض الولايات، وكذلك سجلت البرازيل والهند ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المصابين، بحيث أن عدد هؤلاء في هذه الدول الثلاث وصل إلى أكثر من 13 مليون شخص، أي نصف عدد مصابي «كورونا» حول العالم.
في دولة متقدمة مثل أميركا، قد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف الأثر الاقتصادي والأمني لكارثة «كورونا»، ومع ذلك ارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، وأغلقت شركات فروعها داخل الدولة وخارجها لمنع تدهورها الاقتصادي، وخرج جيش من الموظفين من سوق العمل للالتحاق بالعاطلين عن العمل.
بعض التقارير أشارت إلى أن «كوفيد - 19» أثقل الاقتصاد الأميركي ببطالة تجاوزت عشرة أضعاف الأزمة المالية العام 2008، وهذا يحصل مع دولة تمتلك كافة المقومات التي تدفعها للبقاء في صدارة الدول المتطورة في العالم.
ماذا يحدث مع البرازيل الآن والهند والدول الأخرى التي تعاني من ارتفاع في أعداد المصابين والمتوفَوْن؟
لا يزال الجدال بين الدول حول اتباع سياسات الإغلاق داخل الدولة وفي محيطها الإقليمي أمراً يثير الخوف والريبة عند الشركات الاقتصادية وكذلك بين أفراد المجتمع.
الجميع يحتاج إلى بيئة تتوفر فيها نسبة معقولة من الأمن الصحي والأمن الاقتصادي والاجتماعي.
الموضوع مركّب ومرتبط بتنظيم العلاقة التعاونية والتشاركية بين الدول وأيضاً بين الدولة والمجتمع.
بالنسبة للدول مطلوب منها التعاون وإيجاد الحلول الممكنة لمنع انتشار «كورونا»، وتخفيف الأثر الاقتصادي والأعباء المادية المترتبة على المجتمع جراء «كوفيد - 19».
كذلك العلاقة جدّ مهمة بين الدولة والمجتمع، ومتى فقد هذا الحبل فإن الطرفين سيقعان في كارثة كبيرة، لأن أثر الفيروس يتجاوز البعد الصحي، وهو يهدد أمن المجتمع والعلاقات الاجتماعية، ولتخفيف الضغط على السكان تنبغي على الأقل المشاركة في تحمل الفاتورة الاقتصادية.
هذا يحدث بحرص المجتمع على تطبيق كافة الإجراءات الصحية المطلوبة لتطويق الفيروس، لأن أمن الفرد جزء من أمن المجتمع، وهناك علاقة وطيدة بين النقص في عدد الإصابات وعودة الأنشطة التجارية والاقتصادية كما كانت قبل الجائحة.
في قطاع غزة هناك ارتفاع ملحوظ في أعداد المصابين، ومرد ذلك لتهاون البعض من السكان في تطبيق المعايير الصحية، ولذلك إذا ما كانت هناك خطط عاجلة للتعامل مع أزمة «كورونا»، فإن المواطن سيعاني من الأثر الصحي وكذلك الأثر الاقتصادي الذي يعاني منه في الأساس.
«كورونا» لم يعد عدواً خفياً فحسب، بل هو مصدر تهديد للمجتمعات والدول، وفي بيئة مثل قطاع غزة المكتظة بالسكان أفقياً وعامودياً، تنبغي مراعاة الإجراءات الاحترازية وتفضيل الجلوس في المنزل، وتجنب التزاور والاحتكاك مع الآخرين والأهم ارتداء الكمامة.
كما يحدث الآن من تغير في خارطة سوق العمل بالعالم بسبب «كورونا»، من غير المستبعد أن يتعرض الأمن والسلم الدوليان لنكسات بفضل الجائحة أيضاً، لأنه دون التعاون والتنسيق الدولي والعمل الحقيقي لخفض أعداد المصابين، فإننا مقبلون على مصائب أخرى.
الدولة بحاجة للعمل في بيئة مرنة ومفتوحة دون قيود «كورونا» لتجاوز محنتها، وكذلك حتى يضمن المجتمع سلامته وأمنه فهو الآخر يبحث عن مصدر لتحسين وضعه المعيشي، وكل هذا مرتبط بالعلاقة بين الدولة والمجتمع، فإذا صلحت هذه العلاقة فقد تجاوزنا الخطر، وإذا كانت متضررة وتفتقد إلى الثقة فسلّم على «كورونا».
مفتاح النجاح يكمن في المواطن وقوة وعيه إزاء التحديات التي تفرضها الجائحة على نفسه وفي بيئته الصغيرة الأسرة، والبيئة الأكبر منها – الحارة - والأكبر والأكثر توسعاً – المجتمع - وصولاً إلى الدولة.
صحة الدولة من صحة المواطن، إذا هبط الأخير هبط كل شيء معه حتى الدولة.