الانتخابات الأميركية.. وتبقى مقولة تشومسكي حاضرة

حجم الخط

بقلم صادق الشافعي

 

ربما لم يشهد أهل أميركا حالة على هذه الدرجة من الحماوة في الانتخابات الرئاسية.

والحماوة تعني درجة استثنائية من الاهتمام والمتابعة والانغماس، وتترافق مع نفس الدرجة من المخاوف.
لا تقتصر هذه الحالة على الناخبين والمواطنين الأميركيين بل تتخطاهم لتصل إلى معظم، إن لم نتجرأ ونقل، كل دول العالم وشعوبها.
مركز هذه الحالة هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
أما عنوانها فهو استماتته لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية القريبة القادمة، والبقاء في سدة الرئاسة في البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة.
* المفكر المعروف تشومسكي عبر عن هذه الحالة والمخاوف منها حين كتب قبل شهور: «لا أفهم ترامب كفاشي، لكنني أراه مجرد معتل اجتماعي، مهرج لا يهتم سوى بنفسه. لكن المزاج والمخاوف التي تثيرها كلماته متشابهة مع أيام طفولتي (أيام خطابات هتلر). وفكرة أن مصير البلاد والعالم في أيدي مهرج ومعتلّ اجتماعي مثل دونالد ترامب شيء مروّع».
يصب في مجرى هذا الكلام لتشومسكي عن الرئيس ترامب ويتوافق معه، الكلام الذي قالته شقيقته عنه، وأيضاً الكلام الذي قالته عنه ابنة شقيقه ونشرته في كتاب.
أما عن المخاوف، فعناوين الخلافات الطاغية والتي يمكن أن تتصاعد وتتطور - أو تستغل - لتصل إلى مشاكل، هي ما تبعث على المخاوف العديدة، وهي التي تؤمن مسبباتها.
منها مثلاً، عدم الرضا عن طريقة الدولة والرئيس في معالجة فيروس كورونا، والتي وصلت إلى درجة الخلاف العلني بين الرئيس وبين حكام الولايات التي يحكمها الحزب الديمقراطي، وإلى تحريض الرئيس لسكان تلك الولايات على التمرد عليهم.
ومنها مثلاً، التراجع الملحوظ في الاقتصاد الأميركي، وهو المجال الذي ظل يعتبره الرئيس ترامب درّة إنجازاته ونجاحاته، خصوصاً وقد ترافق التراجع مع ارتفاع كبير في نسبة البطالة التي شكلت واحدة من أهم تعبيرات هذا التراجع.
ومنها مثلاً، انفجار مشكلة الاضطهاد والتمييز العنصري التي بدأت يوم قتل رجال الأمن المواطن من أصل إفريقي (جورج فلويد)، وما زالت مستمرة مترافقة مع سقوط قتلى جدد.
ويصب في مجرى المخاوف قول الرئيس ترامب نفسه في أحد خطاباته الأخيرة: «الطريقة الوحيدة التي نخسر فيها هذه الانتخابات هي إذا تم تزويرها».
هذا القول يمكن النظر إليه كواحد من أبرز ما يبعث على المخاوف إن لم يكن الأبرز حيال المعركة الانتخابية، لكنه ليس الوحيد.
إن سهام مثل هذا الاتهام تطال بداية وبالدرجة الأولى حزب المرشح الرئاسي المنافس من الحزب الديمقراطي، وحكام وحكومات الولايات التي يحكمها المنتمون إلى نفس الحزب.
كما يطال هيئة البريد المركزية والتشكيك في كفاءتها وقدرتها على ضمان نجاح ونزاهة عملية الاقتراع إذا ما فرضت ظروف فيروس كورونا إجراءها عبر البريد وهو احتمال مرجح بقوة.
المخاوف تتجمع في محصلتها لتصل في تطرفها لدى البعض إلى احتمال أن يرفض الرئيس ترامب مغادرة موقعه في البيت الأبيض بحجة التزوير إذا ما خسر الانتخابات.
يعزز ذلك بشكل خاص أن الرئيس ترامب ألمح في وقت مبكر إلى فكرة تأجيل الانتخابات، خصوصاً وقد ترافق ذلك مع استطلاعات للرأي تشير إلى تقدم المرشح الديمقراطي المنافس لانتخابات الرئاسة بنسبة مريحة.
لكنه قام بالتلميح المذكور مرة واحدة ولم يكررها، ولم يحولها إلى مطلب جدي بكل ما تستدعيه من جدل خلافي عميق لا يعلم إلا الله مداه ونتائجه.
بعض المخاوف المتطرفة لا يمكن أخذها بجدية، فهناك في الأصل والأساس في الولايات المتحدة الأميركية مؤسسات وأجهزة حكم مركزية وأعراف ديمقراطية عريقة وراسخة، لا يمكن أن تسمح بتحقق تلك المخاوف المتطرفة.
في مواجهة هذه المخاوف واحتمالات الخسارة، يعمل الرئيس ترامب بكل طاقاته وإمكاناته لتحقيق إنجازات، وخوض معارك على المستوى الدولي تصب وتجيّر لصالح حملته الانتخابية وحظوظ فوزه فيها بغض النظر عن نسبة النجاح التي يحققها.
وتحتل الحرب التجارية مع الصين، ثم معركة استمرار فرض العقوبات على إيران، الأولوية في معاركه، لكنه لا يحقق أي نجاح يذكر وذي قيمة في هذا المجال.
فقد فشل في محاولتين متقاربتين جداً زمنياً في تمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يسمح بتمديد تاريخ انتهاء فرض العقوبات ووقفها على إيران المحدد في 18 تشرين الأول القادم، ويسمح بمواصلة فرضها بعده. وقد بدت الولايات المتحدة في المحاولتين شبه وحيدة ومعزولة عن أقرب حلفائها الغربيين الذين وقفوا ضد المحاولتين.
لكنه في المقابل نجح في تحقيق بعض الإنجازات النسبية في المجال السياسي.
المعركة الانتخابية لا تزال في بداية مرحلتها الحامية، وسوف تزداد حماوة كلما اقتربت من يوم الاقتراع في 3 تشرين الثاني القادم. ولا شيء يستبعد أن الرئيس ترامب يحضر الكثير من المفاجآت في كل المجالات وعلى كل المستويات المحلية الداخلية والدولية.
وهكذا تبقى مقولة المفكر تشومسكي حاضرة.