الانقسام خيانة..صحيح ولكن من المنقسمين وراعيهم!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 ما يقارب الـ 14 عاما، والانقسام الفلسطيني حقيقة سياسية صارخة، لم تفد به ومعه كل المحاولات لوضع حد لتلك الكارثة، التي اعتبرت بمثابة "نكبة" توازي نكبة الاغتصاب والتهجير، لأنه فتح الباب واسعا لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني مقابل تنفيذ المشروع "التهويدي التوراتي"، ولم يعد الأمر كلاما أو تقديرا، بل أصبح واقعا عمليا يلمسه المواطن قبل المسؤول.

وليس سرا أن الانقسام، صناعة أمريكية – إسرائيلية خالصة، بتمويل ودعم قطري، بدأ التخطيط له ما قبل قرار شارون بالخروج من قطاع غزة نهاية 2005، دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، رغم الإشادة برئيسها ودوره السياسي، ما فتح الباب لحركة حماس أن تسرق المشهد وتعتبر ما حدث "نصرا لها وللمقاومة"، وهو ما كانت إسرائيل تريد تسويقه.

تلك كانت نقطة الانطلاق لتطبيق "خطة الفصل – التهويد"، التي ساهمت حماس في تمريرها بالادعاء أن ما حدث جاء تحت "ضرباتها"، علما بأنها لم تكن سوى جزء من "خطة شارون"، التي سبق ان أعلن بعض من بنودها منذ عام 1984 وأعادها في لقاء مع الرئيس محمود عباس عام 1995، في اللقاء الأول بينهما (سري) بالنقب.

وترافق ذلك، مع إعلان حماس موافقتها المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي دون شروط مسبقة، والتي صممتها أمريكا وإسرائيل، لإدخال حماس ضمن المؤسسة الرسمية، وكانت قطر هي الوسيط – الراعي لذلك، وحدث ما حدث من نتائج انتخابات يناير 2006، بالمفاجأة الكبرى، فوز حاسم لحماس، رغم انها تساوت في التصويت النسبي مع فتح.

ومنذ اللحظة الأولى، وخلال خطاب رئيس الحكومة الحمساوية إسماعيل هنية الأول لنيل الثقة في التشريعي بحضور الرئيس عباس، أعلنت "شقاقا سياسيا" صريحا عن البرنامج الرسمي للرئيس والسلطة، ولم يتدخل الرئيس لرفض ذلك "النهج" مستخدما حقه الدستوري وفق القانون الأساسي، والمفارقة الأكبر أن أمريكا وإسرائيل تجاهلت ما جاء بخطاب هنية دون أي اعتراض، بل فتحت الباب لحوارات معها.

لم يكن الانقلاب العسكري يونيو 2007 سوى الخطوة العلنية لفرض انقسام تم صياغته بعد اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات، ولم تتحرك فتح ولا المؤسسة الرسمية لمواجهة الانقلاب عمليا وقانونيا، بل ساعدت في تنفيذه بأمرها الموظفين كافة بالجلوس في البيوت، لتقدم خدمة مجانية لحماس باستبدالهم بموظفيها.

الانقسام لم يكن حدثا عابرا، بل معلوما تماما، وكل وطني فلسطيني يدرك انه ليس هدية لإسرائيل بل هو صناعتها، ولذا صحيح القول تمام أن الانقسام خيانة وكل من يؤيده خائن.

وهنا نفتح باب الأسئلة التي يفرضها قول قيادي فتحاوي مفترض أنه معني بملف "المصالحة" التائه، من هم الأطراف المنقسمة حاليا، ولماذا استمر كل تلك السنوات، ومن الجهات الراعية له بل والممولة رسميا كانت ولا زالت له، أليست قطر دون غيرها من الدول العربية راعيته وصاحبة التمويل المباشر له من خلال حماس.

وفي السياق، هل يمكن اعتبار تمويل قطر الأخير للسلطة الفلسطينية جزءا من ذلك الأمر لاستمرار الانقسام وإدامته، خاصة وهي المفاوض الرسمي مع دولة الكيان نيابة عن حماس.

وافتراضا أن "اللقاء الكونفرنسي" لم يصل الى ما أشار له من وحدة سياسية، هل سيبقى الوصف بأن المنقسمين خونة، وأن الممول له يمثل خطرا على القضية الوطنية يفوق أي خطر، باعتبار أن الانقسام هو الخطر الأكبر على فلسطين، ما لم ير البعض غير ذلك ويستبدل خطر التطبيع عنه، في خدمة سياسية للمشروع التهويدي بوعي أم بغباء سياسي.
لو حقا هناك إدراك عملي لأن الانقسام خيانة لكان السلوك السياسي فوري لحصاره، بعيدا عن متاهة تشكيل لجنة، رغم ان كل ما يمكن أن يقال قد قيل حقا، وهناك آليات لا يمكن لأي لجنة "وازنة" ام فاقدة للوزن صياغة ما يخرج عنها.

لو كان الهدف اللقاء وطنيا فعلا، وليس هدفا مدفوع الأجر، لجاء البيان تنفيذيا لبعض مما اتفق عليه، لكن الأمر كان غير ذلك تماما، وحساباته ليست ضمن الجدول الوطني الفلسطيني.

الكلام لم يعد بلا جمرك كما يقال، بل هو الجمرك الذي سيكون باهضا جدا في قادم الأيام..فتحسسوا رؤوسكم ما لم تضعوا حدا للخيانة التي تعيشون بها!

ملاحظة: هل حقا يمكن أن ندرك وجود تغيير جدي في آلية مواجهة المشروع المعادي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "غائبة" سوى تصريحات فردية لأعضائها ومقالات بحساب خاص لأمين سرها..هل حقا هي قيادة أم مقودة!

تنويه خاص: أهل قطاع غزة يبحثون ما يقيهم وباء فايروس كورونا، وليس لكلام في الهواء عن ضرب تل أبيب وما بعد بعدها...حياة الناس أولوية مش مسرحية يا هذا!