شجب لفظي وفعل عاجز

حجم الخط

بقلم عماد ابو رحمة

 

 شجب واستنكار لفظي.. يقابله رد فعل ضعيف وعاجز  وفقدان القدرة على المبادرة.
بهذه الكلمات يمكن توصيف "رد فعل" القيادة والاحزاب الفلسطينية على اتفاق التطبيع الاماراتي والبحريني. وهو على أي حال رد مشجع لدول اخرى للانضمام الى قاطرة التطبيع العلني مع الاحتلال الإسرائيلي.
- ما جرى تطور جديد وخطير، ومواجهته بالادوات التقليدية للقيادة الرسمية، اي التحرك في المحافل الدولية والعربية لاستصدار مواقف شجب وادانة، مع ترديد لازمة الاستعداد للعودة للمفاوضات في كل مناسبة،  ينم اما عن جهل او غياب الارادة السياسية للمواجهة، او كليهما معا، لان هذه الاساليب لم تعد تتناسب مع حجم المخاطر والتحديات، وهي لم تكن فعالة اساسا فيما مضى لانها اهملت ما هو جوهري، أي الرهان على الشعب الفلسطيني وقواه الكامنة. ونفس الشئ ينطبق على مواقف الاحزاب، وموقف حركة "حماس" التي لا زالت تتمركز حول مشروع سلطتها في غزة وتتوسل وساطة قطر، ابرز رموز التطبيع العلني، لتطوير التفاهمات العقيمة الى هدنة تمنحها التمويل والاعتراف.
- علينا ان نعترف بان القضية الفلسطينية لم تعد تشكل اولوية لدى النظام الرسمي العربي، او غالبية انظمته على الاقل، التي اصبح جزء مؤثر منها يعتبر ايرلن هي العدو/ التهديد الرئيسي، بل وتصف إسرائيل "حليفا" لها في مواجهة الخطر المزعوم. علينا ان نتخلى عن اية اوهام حول هذه الانظمة وان نبني سياساتنا ورهاناتنا على هذا الاساس. 
- نقطة البداية تبدا بترتيب الوضع الداخلي واستعادة الوحدة على اساس برنامج يتمسك بالثوابت الوطنية، وبناء استراتيجية شاملة توحد طاقات الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات ومشاريع التصفية والتطبيع. وهذا يتطلب اولا تطبيق قرارات المجلس الوطني بالغاء الاتفاقات الموقع مع الاحتلال وسحب الاعتراف به، وتغيير وظائف السلطة، ووقف كل اشكال التنسيق الامني والتطبيع، حتى نوفر مبرر اخلاقي وسياسي لمطالبة "الأشقاء" بوقف التطبيع. 
- يجب علينا ان نبني رهاننا اولا على الشعب الفلسطيني، الذي لم يخذل قضيته يوما. يكفي ان تتذكر القيادة والاحزاب انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧ ، وكيف احيت القضية ووضعتها في صدارة الأجندة الدولية والعربية، واعادت الاعتبار لقيادة المنظمة وفصائلها، بعد ان كانت في اكثر حالاتها ضعفا. 
- علينا ايضا ان نبني رهاننا على الجماهير العربية وقواها الوطنية والقومية الحية، لا على الانظمة المتهالكة فاقدة الشرعية والتابعة. فالتطبيع لم يتحول إلى تيار شعبي حتى في الدول التي وقعت اتفاق سلام مع العدو منذ سنوات طويلة، اي مصر والاردن، وردود الفعل الشعبية العربية على ما اعلن عنه من اتفاقات مع الامارات والبحرين هي اجمالا ردود رافضة وغاضبة.
- يجب ان لا ننسى للحظة ان القضية الفلسطينة تمتلك قوة أخلاقية جبارة، وهي تتملك قلوب الجماهير العربية المقهورة والمغلوب على امرها من قبل انظمة وممالك الاستبداد. فبعد نكبة عام ١٩٤٨ انتفضت الشعوب العربية على انظمتها المهزومة وأطلقت تيار قومي واسع كانت فلسطين بوصلته وقضيته الاولى. وبعد هزيمة العام ١٩٦٧ تسلمت الثورة الفلسطينية الراية بدعم منقطع النظير من الجماهير العربية وقواها الوطنية والشعبية، وظلت فلسطين هي قضية العرب الاولى رغم انف الانظمة المتخاذلة، التي ظلت تردد، مرغمة،  ان قضية فلسطين هي قضيتها الاولى  
- علينا ان نعترف باننا نتحمل جزء كبير من المسئولية، لاننا بخياراتنا السياسية البائسة وباعترافنا المجاني بالعدو الاسرائيلي، وبانقسامنا وصراعنا المقيت على السلطة، أوصلنا قضيتنا الى هذا المستوى من الضعف، وسمحنا لهذه الانظمة بان توجه طعنات متتالية لظهر شعبنا وقضينا الوطنية. 
- لذلك كله، فإن عبارات الشجب والاستنكار لا تمثل ردا فاعلا، بدون ان تقترن باستراتيجية نضالية شاملة، تقوم على الاشتباك الميداني مع العدو ومخططاته التوسعية، والاشتباك السياسي عربيا ودوليا لاستعادة التأييد والدعم لحق شعبنا في مقاومة الاحتلال، لا دعم العودة للمفاوضات العبثية، فهذا هو الطريق الاقصر لاستنهاض طاقات الشعوب العربية وقواها الحية لتكون هي الأداة الرئيسية للتغيير الديمقراطي ووقف مسار التطبيع والتبعية والارتهان لمخطط التصفية الامريكي/ الاسرائيلي.
هل القيادة والاحزاب مستعدة لتحمل مسؤوليتها الوطنية؟ ام أن الامر بات يتطلب أن يتسلم الشعب زمام قصيته بنفسه ويفرز برنامجه النضالي وقيادته الجديدة؟