حدود المنافسة الأميركية- الصينية

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية هي القوة العظمى على الساحة الدولية، وهي الرقم واحد بلا منازع في القوتين الاقتصادية والعسكرية وكذلك في الثقل السياسي والتأثير الدولي، إلا أن هذه القوة قد تتراجع بعد عدة أعوام لصالح التنين الصيني الذي يمضي قدماً في آفاق التنمية منذ سنوات طويلة.
الكثير من التحليلات والتقارير الدولية تشي بأن بكين ماضية في الصعود إلى المرتبة الأولى من الناحية الاقتصادية على الأقل، ويفسر هذا الصعود بمعدلات التنمية التي تحققها منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي أنتجت طبقة عليا عريضة وكذلك طبقة متوسطة تنعم بدخل جيد.
المنتج الصيني متداول على نطاق واسع في العالم، وكل هذا جاء بفضل العولمة وانتقال رؤوس الأموال والصناعات المتطورة إلى الصين التي كانت توفر فيما مضى أيادي عاملة رخيصة، ومفتاح سر تألقها تنموياً يكمن في نقل المعرفة وتوطين الصناعات في عقر دارها.
منذ فترة تعتبر الولايات المتحدة الأميركية الصين مصدر تهديد استراتيجي وكذلك روسيا، لكن موضوع الصين يشكل حساسية كبرى بالنسبة لصانع القرار الأميركي، لأن اقتصادها –بكين- أقوى بكثير من روسيا وهو يقترب شيئاً فشيئاً من الاقتصاد الأميركي الذي يمتلك ناتجاً محلياً إجمالياً يصل إلى أكثر من 21 تريليون دولار حسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2019.
الصين تحل ثانية في مؤشرات صندوق النقد الدولي بناتج محلي إجمالي يزيد على 14 تريليون دولار، في حين ناتج روسيا المحلي يتجاوز 1.5 تريليون دولار وهو في طريقه إلى الصعود، إنما يلفت الانتباه الى أن الاقتصاد الصيني يتطور بشكل دراماتيكي، وكذلك بالنسبة للصناعات المتطورة.
مقابل كل منتج أميركي وأوروبي متطور يلحظ وجود وانتشار المنتج الصيني. نسمع عن شركة «هواوي» للإلكترونيات والهواتف النقالة وهي تنافس بقوة الغريمين «سامسونغ» الكوري الجنوبي و»آبل» الأميركي، وهناك صناعات عسكرية متنوعة وأخرى مدنية تتصل بصناعة طائرات الركاب والمركبات على غرار العملاقين الياباني والألماني.
لا يتعلق الموضوع بالاقتصاد وحده، وإنما بباقي الأدوات الأخرى السياسية والعسكرية أيضاً، حيث ترتبط بكين بعلاقات استراتيجية مع دول كثيرة نتيجةً لسياستها الناعمة التي توفر لها مظلة كبيرة لفتح أسواق لصادراتها، وهي تربط هذه القوة بتوسيع نفوذها في بحر الصين الجنوبي.
منذ سنوات وواشنطن تقيم الصين بالمنافس الاستراتيجي الذي ينبغي فرملة تقدمه إلى سلم النظام الدولي، ومؤخراً تحدث وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر بنفس الإطار حين اعتبر بكين ثم موسكو منافسين للولايات المتحدة وأنهما يوسعان قدراتهما الفضائية والسيبرانية ويحدثان قواتهما العسكرية.
هذه «الشيطنة» لبكين تخدم استراتيجية واشنطن المتحولة نحو آسيا منذ أيام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي أحدث انعطافة بشأن تركيز الاهتمام على آسيا والمحيط الهادئ، ذلك أن كل المخاوف الأميركية تتصل باستحواذ الصين التدريجي على سوق الإنتاج العالمي.
وإذا دخلت الصين بقوة إلى عالم تصدير الأسلحة والطائرات العسكرية والمدنية وكذلك المركبات والتكنولوجيا، فهذا سيؤثر جيداً على الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك الحصة الأكبر في سوق السلاح العالمي وأيضاً في سوق طائرات الركاب المدنية والتكنولوجيا.. إلخ.
لكل ذلك تحارب واشنطن الصين من أجل إبطاء نموها ومنعها من اللحاق بالاقتصاد الأميركي، خصوصاً وأن البنك وصندوق النقد الدوليين نشرا مؤخراً  تقريرا يتوقع تصدر الصين الاقتصاد العالمي في العام 2024، وحلول الولايات المتحدة في المرتبة الثانية وروسيا سادساً.
أيضاً جاء تحليل أعده البنتاغون يستند على دراسة محاكاة بشأن تقدير قوة الصين عام 2030، حيث لفت إلى أن الولايات المتحدة ستخسر الحرب مع بكين في حال وقعت في المحيط الهادئ، ويعزز هذه الفرضية تطوير قدرات الصين العسكرية من صواريخ باليستية تفوق سرعة الصوت بمراحل وغواصات هجومية وحاملات طائرات ومدمرات.   
ثمة مثل مرتبط بصحة الأبدان «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، ربما ينطبق على سياسة واشنطن بشأن استخدام كافة الأدوات لعرقلة نمو الصين، حيث تزيد الثانية حجم الإنفاق على الدفاع وتطوير الأسلحة، وتسعى اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعزيز قدراتها العسكرية وبالذات الصاروخية.
الولايات المتحدة تنفق الكثير من أجل صحتها وبقائها على المنصة الدولية، وتدرك أن انتقالها في السلم الدولي إلى الدولة الثانية يعني فقدانها الكثير من الامتيازات واحتمالية التدرج في هبوط السلالم الدولية، ولذلك يجوز القول إن المعركة وإن كانت باردة فهي مفتوحة على مصراعيها.
من الصعب الحديث عن مواجهة عسكرية بين البلدين وهذا مستبعد حدوثه، لكن قد تحدث معارك بالوكالة في المستقبل في الدول المتحالفة مع هاتين الدولتين، بينما الحرب الحقيقية تترجم على حركة البضائع وتنقلها بينهما، ورحيل الشركات الأميركية عن الصين وتوسيع المعركة إلى الفضاء التكنولوجي وفي القلب منه سوق الهواتف النقالة والتطبيقات الذكية مثل «تيك توك» الصيني الذي منعته مؤخراً الولايات المتحدة داخل أراضيها.
أي دولة في العالم تسعى إلى حماية مصالحها، وبالنسبة لواشنطن كل الدول المتقدمة تشكل مصدر تهديد لها في حجم سوق الإنتاج الدولي والتنافس على الأرباح، لكن هناك فرقا شاسعا بين الصين الثانية وثالث دولة على سلم الاقتصاد الدولي من حيث القدرات الاقتصادية والتنافسية، وإذا لم تفلح الولايات المتحدة في وضع العصا بعجلة التنمية والتطور الصيني، فلعلنا قريبون من مرحلة الإزاحة الأميركية.