«صفقة القرن» كبديل لفشل اختراق مع كوريا الشمالية

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

بقلم: هاني حبيب

على خلاف كل رؤساء أميركا السابقين، كانت أول زيارة خارجية للرئيس ترامب بعد وصوله للبيت الأبيض إلى العاصمة السعودية حيث التقى عددا كبيرا من الزعماء العرب والمسلمين وتم عقد عشرات الصفقات بمئات المليارات، ومشهد متكرر بالتوقيع على هذه الصفقات وتداول الأرقام المتكدسة والتي جنتها إدارته من وراء هذه الزيارة، الحديث عن استقرار الخليج العربي وضمان سلامة أنظمته السياسية كان يدور في كواليس الاجتماعات والقمم التي عقدها ترامب مع ملوك وأمراء هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية، حيث تتكفل الولايات المتحدة بحماية هذه الأنظمة وضمان استقرارها، سواء في مواجهة احتمالات الانتفاضات الداخلية خاصة بعد موجة الربيع العربي أو في مواجهة مع إيران حيث نجح ترامب في الترويج حول الحرب على الإرهاب والتهديد الإيراني لمنطقة الخليج العربي.  
إلا أنّه وبعد أسبوعين فقط من هذه الزيارة التي أصر ترامب على أن يطلق عليها «التاريخية» اندلعت أزمة تاريخية حقيقية عصفت بوحدة مجلس التعاون الخليجي، وذلك مع مطلع حزيران 2017، عندما شكّلت أربع دول عربية ما يُسمى اللجنة الرباعية والتي تضم ثلاث دول خليجية، السعودية والبحرين والإمارات إضافة إلى جمهورية مصر العربية، واتهمت دولة قطر بالتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول ودعمها للإرهاب وحركة الإخوان المسلمين، ما أدى إلى قطيعة معها وتفسّخ مجلس التعاون الخليجي، وهنا لابد من ملاحظة أن إدارة ترامب رغم سطوتها المطلقة في هذه المنطقة وتابعية حكامها لواشنطن التي توفّر لهم الحماية، فإنّ هذه الإدارة لم تتمكّن حتى الآن، من تحقيق مصالحة تعيد لمجلس التعاون الخليجي وحدته، وربما لا تريد ذلك حسبما ذهبت إليه بعض الآراء خاصة وأن هناك خلافات بين الرئيس ترامب ووزارتي الخارجية والدفاع المؤيدتين لموقف قطر وأهميتها بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية. ورغم استبدال وزيري الدفاع والخارجية إلا أن خطوة أميركية باتجاه تحقيق مصالحة خارجية لم تتم.  
والواقع أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى اختراق له أهمية في منطقة الخليج العربي، باعتبار هذه الساحة مضمونة الولاء تماما بما لا يحيل الجهد الأميركي بهذا الصدد له صفة التاريخية التي يحاول ترامب الوصول إليها لتعزيز موقعه وتأثيره في السياسة الدولية، ذلك أن الاختراق الحقيقي في هذا السياق التاريخي، يتوجّب أن يتوجّه نحو ساحة صلبة مناوئة للولايات المتحدة وفشلت الإدارات الأميركية السابقة في تطويعها واستمرار هذا التهديد للولايات المتحدة من قِبل هذه الجهة، هذا كان الاتجاه نحو محاولة اختراق تاريخي مع كوريا الشمالية، هنا يمكن ملاحظة أن التفكير الأميركي في مثل هذا الاختراق جاء بعد قناعة ترامب أن منطقة الخليج وزيارته لها وتحقيق المليارات من وراء هذه الزيارة لا تشكّل بالنسبة له اختراقا تاريخيا كما يريد.
سبقت الاجتماع الأول بين ترامب وكيم جونغ أون حملة إعلامية ضخمة قادتها وسائل الإعلام الأميركية المساندة لترامب باعتبار أن نجاح الرئيس الأميركي بنزع السلاح النووي الكوري الشمالي وتدمير منشآتها النووية وتوقيع اتفاق سلام مع أميركا يشكّل اختراقا تاريخيا حقيقيا لم يسبق لأي رئيس أميركي تحقيقه، ووصل الأمر بأن اعتبرت   أن مثل هذا الاختراق يشكّل ورقة اقتراع مضمونة وكافية لتمكين ترامب من الفوز بولاية ثانية حتى لو فشل في إدارة ملفات أخرى، لكن الأمور لم تجر وفقا لإرادة ترامب فبعد ثلاث قمم بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي عادت العلاقات بين البلدين إلى المربع الأوّل وكأنّ شيئا لم يكن؟ وعلى العكس من إرادة ترامب تبيّن أن زعيم كوريا الشمالية هو الذي حقق اختراقا تاريخيا ضد الولايات المتحدة بتمسّكه بالسياسة النووية من ناحية وظهور الزعيم الكوري الشمالي وكأنه يتلاعب بأحلام ترامب بل إن بولتون كشف في كتابه حول ترامب أن رئيس كوريا الشمالية كان يهزأ مرارا وتكرارا من ترامب رغم أن هذا الأخير لم يوفر أيّ فرصة دون أن يتغزّل بكيم جونغ أون وثنائه عليه في محاولة منه لكسب وده ولكن دون جدوى.  
لماذا كل هذا السرد التاريخي الموجز، إننا نعتقد أن وراء التركيز الأميركي حول صفقة القرن وتداعياتها المتمثلة بمهرجان التطبيع الذي عقد أخيرا في واشنطن شكّل أحد أسباب رغبة إدارة ترامب من تعويض فشلها لتحقيق إنجاز مع كوريا الشمالية من خلال اختراق كان أكثر سهولة على الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي وبطبيعة الحال هذا لا يفسر وحده هذا التركيز، لكن هذا الاختراق مع ذلك ليس كافيا لضمان فوزه بولاية ثانية بينما كان الاختراق مع كوريا الشمالية في حال تحققه الضمان الأهم لهذا الفوز.