الرابحون والخاسرون في ولاية ترامب الأولى

حجم الخط

بقلم: ديفيد إغناتيوس

كان الهدف من مشهد هذا الأسبوع لقادة إسرائيل والبحرين والإمارات، الذين اجتمعوا في البيت الأبيض، هو نقل رسالة مطمئنة بأن الولايات المتحدة لا تزال فاعلاً قوياً من أجل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ولسوء الحظ كانت صورة متفائلة على نحو مُضلّل.

فقد فشلت الولايات المتحدة في هذه المنطقة المضطربة، حيث تحتفظ بقوات عسكرية في سورية والعراق وأفغانستان لتراقب «الإرهابيين»، لكن الوجود الأميركي يتضاءل، ويتعلق مستقبل الشرق الأوسط بانحدار القوة الأميركية والديناميات الداخلية الجديدة، الإيجابية والسلبية، التي تملأ الفراغ.

ومع اقتراب الرئيس ترامب من إنهاء فترته الرئاسية لم يُحقق هدفه المتمثل في سحب القوات الأميركية بالكامل من «الحروب التي لا تنتهي»، لكنه اقترب. فبحلول يوم الانتخابات سيكون للولايات المتحدة 4500 جندي في أفغانستان، وحوالي 3 آلاف جندي في العراق، وأقل من ألف جندي في سورية. وربما يرغب ترامب في أن تصبح هذه الأرقام صفراً، لكن حدوث ذلك سيزيد المواقف هناك سوءاً بالفعل.

ويُعتبر سِجل أداء الفائزين والخاسرين في الشرق الأوسط الجديد واضحاً، فربما تكون إسرائيل هي الفائز الأكبر؛ إذ تخلصت من عزلتها السابقة باتفاقيات التطبيع هذا الأسبوع. كما يُعَدُّ الإماراتيون من الرابحين الرئيسيين، إذ يتوجهون نحو رؤيتهم لمنطقةٍ شبيهة بأوروبا ذات حدود مفتوحة للتجارة والاستثمار.

ويلخص مسؤول إماراتي المنطق البراغماتي بهذه الطريقة: «ما نحاول قوله هو: كفى هراءً بالحديث عن الأيديولوجية، نحتاج للتركيز على المستقبل والعلوم والتكنولوجيا، وكوننا شريكاً تجارياً للجميع».

والفائز الثالث هو تركيا، المستفيد الخطير المفاجئ من تراجع القوة الأميركية، إذ ينظر بعض القادة العرب، الآن، إلى تركيا بوصفها تهديداً للاستقرار الإقليمي أكثر من إيران، حيث إنّ وضع الأتراك والقوات الموالية لهم مستقرٌ في سورية وليبيا والعراق، بينما نجد القادة العرب، الذين تذمروا ذات يوم من هيمنة إيران على العواصم العربية، يتحسّرون، الآن، على التأثير التركي في حلب والموصل وطرابلس والدوحة ومقديشو.

وأشار البيت الأبيض بالتأكيد إلى أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان من بين أشد منتقدي «اتفاقيات إبراهيم». وكان ترامب، الذي يحترم أردوغان كثيراً، أحد عوامل تمكين تركيا في المنطقة، لكن هذا التمكين مهدد، الآن، ليس فقط لاحتمالية هزيمة ترامب في تشرين الثاني، بل يبدو أنّ ترامب ووزير خارجيته، مايك بومبيو، يشعرون باستياءٍ متزايد من مساعي أردوغان العنيد للهيمنة الإقليمية ومغازلته روسيا.

والخاسر الأكبر في الشرق الأوسط الجديد هو المملكة العربية السعودية، الذي يمثل تراجعها الوجه الآخر لقوة تركيا الصاعدة، إذ لدى المملكة، اليوم، تأثيرٌ أقل في المنطقة من أي وقت مضى خلال العقود السابقة، وفي عهد ولي العهد محمد بن سلمان لا يتمتع السعوديون بشعبيةٍ في واشنطن، ويُعانون أيضاً من انتكاسات في اليمن ولبنان وسورية وباكستان ودول أخرى، حيث مثّلت أموالهم وأيديولوجيتهم ذات يوم مزيجاً قوياً.

ولا تزال مناطق الحرب في المنطقة هشة، وعالقة في الصراع بين رغبة ترامب في سحب القوات وبين تصميم البنتاغون على البقاء حتى تصبح الظروف أكثر استقراراً.

وفي أفغانستان، ربما يكون الفائزون حركة طالبان «المنتشية بالنصر» - كما يصفها أحد المسؤولون - بوعودها للحدّ من العنف وقمع تنظيم القاعدة بعد، حتى وهي تبدأ مفاوضات السلام مع حكومة كابول. بينما تعهد ترامب بسحب كل القوات الأميركية بحلول أيار إذا سمحت الظروف، لكن القادة الأميركيين يُشكّكون في نجاحه.

وحقق ترامب بعض النجاح المطلوب في العراق، إذ يُثبت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي - رئيس المخابرات السابق والمجهول سياسياً - أنه أحد أفضل القادة العراقيين منذ الغزو الأميركي، العام 2003. حيث يغامر الكاظمي بموافقته على استضافة قوة مخفضة من نحو ثلاثة آلاف جندي أميركي لتدريب جيشٍ عراقي يبدو قوياً بما يكفي لقمع تنظيم الدولة الإسلامية، ووقوفه (أحياناً) في مواجهة الميليشيات المدعومة من إيران.

في حين لا يزال الكابوس السوري قائماً، فقدت الولايات المتحدة معظم نفوذها بسبب حرص ترامب على دعوة أردوغان التوغل في الشمال السوري. وتسيطر تركيا الآن على مساحة كبيرة من الدولة، بينما تزداد حكومة بشار الأسد في فسادها وعدم تنظيمها، ولا يملك حلفاؤها الروس الموارد والصبر لتنظيف الفوضى.

ولم يوضع الفلسطينيون في الحسبان في واشنطن، هذا الأسبوع، فهم الخاسرون الدائمون في لعبة الشرق الأوسط. وربما تكون ورقتهم الباقية للمساومة هي العناد المحض، أي رفض خطة ترامب للسلام التي تُصادق على هزيمتهم. وستظل القضية الفلسطينية - شأنها شأن الحروب التي لا تنتهي في المنطقة - قائمةً لإثارة غضب المنتصر في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني.

عن «واشنطن بوست»