المجتمع الفلسطيني قريب من «نقطة الغليان»: حذارِ من التصعيد

حجم الخط

بقلم: ينيف كوفوفيتش


حذّر كبار في جهاز الأمن، مؤخراً، المستوى السياسي من أن الازمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية تتفاقم، وأن من شأنها أن تؤدي الى اندلاع أعمال عنف. وهم يعتقدون أنه يجب إيجاد حل لاستئناف التنسيق الأمني بين الطرفين يساعد الفلسطينيين على مواجهة الصعوبات التي وجدوا انفسهم فيها بسبب وباء كورونا، وهي صعوبات اعتبرتها هذه الجهات «الاكثر خطورة في العقد الأخير».
إن تطور الاقتصاد الفلسطيني في الضفة في السنوات الأخيرة ضمن لإسرائيل درجة كبيرة من الهدوء. الارتفاع في مستوى معيشة الفلسطينيين دفعهم الى الامتناع عن التصعيد في أعقاب عدد من المواضيع الحساسة، بدءاً من التظاهرات قرب الجدار في القطاع، مرورا بنقل السفارة الأميركية الى القدس، وانتهاء بصفقة القرن وتوقيع الاتفاقات مع الامارات والبحرين. أساس الاحتجاج الذي وصل الى الشارع الفلسطيني في السنوات الاخيرة كان بسبب مواضيع مدنية مثل الرواتب والتقاعد وغلاء المعيشة. ولكن الازمة الاقتصادية التي رافقت تفشي فيروس كورونا غيرت الصورة.
في جهاز الأمن يقولون، إن سيناريو انهيار السلطة – وتظاهرات عنيفة في أعقاب ذلك – أصبح أكثر واقعية، رغم أنه من غير المتوقع حدوثه قريبا. وفي نقاشات مغلقة قال رجال جهاز الأمن للمستوى السياسي، إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قرر الامتناع عن القيام بمواجهة مع إسرائيل، لذلك هو الزعيم الفلسطيني «المثالي». بناء على ذلك قالوا، إنه يجب السعي الى التوصل معه الى تفاهمات.
في جهاز الأمن يعتقدون أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية معنيتان بإعادة التنسيق الأمني بين الطرفين، الذي تم وقفه عند الاعلان عن «صفقة القرن» في كانون الثاني الماضي. وفي اطار تفاهمات كهذه يمكن أن نتوقع أن تتم تسوية عدد من المواضيع التي أثقلت بصورة كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني: تصاريح العمل، التجارة بين الطرفين، وتحويل أموال ضرائب للفلسطينيين من إسرائيل، التي ترفض السلطة تسلمها منذ إجازة قانون خصم الأموال لعائلات السجناء.

عودة الفقر والاحتجاجات
قبل تفشي «كورونا» توقع الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني أن يكون الناتج المحلي الاجمالي الخام للسلطة الفلسطينية في العام 2020 هو 16.1 مليار دولار، لكنه انخفاض بـ 13.5 في المئة عن العام السابق. وعندما سيتم احصاء عدد العمال الذين اضطروا الى وقف عملهم بسبب الازمة عند احصاء نسبة البطالة، فسيظهر أن نسبة البطالة هناك هو اكثر من 35%. بالاجمال، حوالي نصف مليون فلسطيني (في الضفة وفي القطاع) فقدوا عملهم، أو غرقوا في الديون بسبب ازمة «كورونا».
أجرة العمال في السوق في مناطق السلطة تبلغ اليوم حوالي 120 شيكلا في اليوم بالمتوسط. والفروع الرئيسية في السوق الخاصة هي السياحة والمطاعم والفنادق، التي تعرضت لضربة شديدة بشكل خاص – وفي وقت ابكر في هذا العام ابلغوا عن فقدان حوالي ربع مداخيلهم. منذ ذلك الحين وهذا المنحى مستمر، وامتد الى فروع اخرى مثل الزراعة والصناعة، التي حسب التقدير تعرضت الى خسارة في المداخيل بلغت مئات ملايين الدولارات. الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني قدر أن حوالي ثلث المصالح التجارية الخاصة في الضفة تم اغلاقها أو أنها على شفا الاغلاق بسبب الضائقة الاقتصادية، وأكثر من 40% من الشيكات في الضفة ترجع بسبب عدم وجود رصيد.
عدد من الفلسطينيين توجد لهم فرصة ربحية أكثر: العمل في المستوطنات أو في إسرائيل. في السابق كان حوالي 140 ألف فلسطيني يذهبون كل يوم للعمل هناك مع تصاريح عمل، وانضم اليهم بضع عشرات من الآلاف من الماكثين بصورة غير قانونية – لأن إسرائيل لم تصعب عليهم امر الدخول بصورة كبيرة. متوسط الأجر الذي حصلوا عليه كان اعلى بضعفين من الأجر في مناطق السلطة – تقريبا 254 شيكلا في اليوم. ولكن منذ اندلاع الوباء فإن عدد تصاريح العمل في إسرائيل تقلص، وتتشدد قوات الأمن اكثر في تطبيق القانون على طول الجدار. مصادر كبيرة في جهاز الامن قالت، إن هذه التغييرات تقرب المجتمع الفلسطيني من نقطة الغليان. وقالوا، إنه سجلت هناك زيادة للعنف داخل العائلة وفي استخدام السلاح في النزاعات وفي تسرب الاولاد من جهاز التعليم.
هناك أمر يقلق هذه المصادر الكبيرة في جهاز الأمن بدرجة لا تقل عن ذلك وهو تهاون الاجهزة الامنية الفلسطينية بهذه الظواهر. «من ينجح في الحفاظ بأسنانه على قناة مفتوحة هو نداف ارغمان، رئيس (الشاباك) والمسؤول عن منطقة القدس ويهودا والسامرة في (الشاباك)»، قال للصحيفة مصدر أمني مطلع على التفاصيل. «تم تقديم وثيقة تحتوي على كل سلسلة الردود المحتملة للسلطة الفلسطينية على الضم. الموقف في جميع السيناريوهات هو أن هذا حدث لا يمكن تخفيفه، وستكون له أهمية حاسمة على الوضع في السلطة الفلسطينية وعلينا، من خلال افتراض أن الوضع الاقتصادي سيكون الصاعق». واضاف المصدر، إن «موقف جهاز الامن كان قاطعا: يجب مقابل كل العمليات في المنطقة جلب أفق للفلسطينيين؛ شيء معين يمكنهم التمسك به».
واضاف المصدر ذاته، إنه «لا يوجد، اليوم، من يضرب على الطاولة». ووجه اصبع الاتهام لرئيس الاركان: «هذا الموضوع غير موجود لدى كوخافي على رأس سلم الاولويات. هو لم يمر في مسار قيادته بأي مرحلة في الساحة الفلسطينية. يرى كوخافي في الشمال التهديد الرئيسي، والى هناك يوجه معظم الاهتمام».

الجندي في «بيت إيل»
إحباط الفلسطينيين من اتصالاتهم مع إسرائيل تم التعبير عنه في الحادث الذي وقع بعد وقت قصير من قيام البيت الابيض بعرض مبادئ صفقة القرن. في لقاء مع مصادر امنية إسرائيلية طلب ممثلون فلسطينيون رؤية الخرائط المرفقة بخطة ترامب. «لم يشاهد أحد خرائط، ولم يعرف أحد تفاصيل الاتفاق»، قال المصدر الامني. وحسب اقوال عدد من المشاركين في اللقاء فإن الوزير المسؤول عن الاتصال مع إسرائيل في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، سأل الإسرائيليين في المكان «ما اسم الجندي في بيت ايل؟»، احتار الإسرائيليون وسألوا عن قصد الوزير. «كي نعرف لمن نسلّم السلاح».
شرح المصدر الأمني اقوال الشيخ: «القصة هنا هي أنه هل ستكون انتفاضة وأن الفلسطينيين سيخرجون ضد إسرائيل حاملين بنادقهم، في هذا الوضع من الواضح للجميع أنهم سيدفعون ثمنا باهظا، وأبو مازن غير معني بذلك»، قال. «ولكن الفلسطينيين يطرحون في كل مرة احتمالية أن يقرروا أن يلقوا عن كاهلهم المسؤولية عن ادارة السلطة. وقد عرضوا علينا سيناريو بأن أبو مازن يمكن أن يصل الى وضع يرسل فيه جيبات أجهزة الامن ويجمع كل السلاح ويحضره الى الإدارة في (بيت ايل) ويسلّم المفاتيح ويقول: خذوا، هذه مشكلتكم».
في المقال الذي نشره في ايار الماضي منسق اعمال الحكومة في «المناطق» السابق، الجنرال احتياط يوآف (بولي) مردخاي، والعميد احتياط ميخائيل ملشتاين، اقترحا سلسلة خطوات لتقليص احتمالية التصعيد. من بين الخطوات المقترحة: «ضمان دعم مالي ثابت للسلطة الفلسطينية، بالاساس من اجل دفع رواتب الموظفين وتقديم مساعدة للعائلات المحتاجة، وزيادة عدد تصاريح التجار الفلسطينيين وتقديم تسهيلات لهم، وتشجيع أو تسهيل النشاط التجاري للتجار الإسرائيليين العرب مع اسواق يهودا والسامرة، وفحص تأجيل الخطوات العقابية في هذا الشأن – المحق والمشروع، والمتعلق بخصم اموال المخربين وتسويته في قانون، واعادة واسعة وسريعة بقدر الامكان للعمال الفلسطينيين من يهودا والسامرة للعمل في إسرائيل». هذان الشخصان اللذان يحصلان على الدعم من كبار في جهاز الأمن أضافا إن «تطبيق هذه التوصيات يمكن أن يمنح إسرائيل استقراراً مؤقتاً في منطقة يهودا والسامرة، بالاساس امام الجمهور الفلسطيني. ولكن مع مرور الوقت فإن فعالية وسائل الضبط ستقل ومن شأنها أن تفقد بشكل كبير تأثيرها دون سياقات سياسية أوسع».

عن «هآرتس»