دلالات الاحتكاك الروسي- الأميركي في سورية

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

على الرغم من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سحب قواته من سورية في تشرين الأول 2019، ثم التراجع عن القرار في نفس الشهر والاكتفاء بسحب ألف جندي، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية دفعت حديثاً بعشرات العربات المدرعة وحوالى 100 جندي إلى مناطق شمال شرق سورية التي تخضع للنفوذ الأميركي.
هذه التعزيزات العسكرية جاءت على خلفية بعض الاحتكاكات التي وقعت بين الجانبين الروسي والأميركي في شمال سورية أواخر الشهر الماضي وفي تموز أيضاً، وهي احتكاكات كان يمكن أن تتطور إلى اشتباك عسكري محدود قد يخلق قتلى وجرحى وتدمير معدات حربية.
الاحتكاكات وقعت في مناطق النفوذ الأميركي التي تدعم سيطرة الأكراد في الشمال السوري، غير أن الجانب الروسي حسب ادعاءاته، أبلغ نظيره الأميركي بتحرك قطع من الشرطة العسكرية الروسية إلى تلك المناطق بعيداً عن الحدود التي تنتشر فيها قوات روسية وتركية بناء على اتفاق مع أنقرة.
معظم الاحتكاكات وقعت في منطقة ديريك التي تتبع محافظة الحسكة، ويبدو أن روسيا تسعى إلى فرض سيطرتها على مناطق شرقي الفرات، في محاولة لدفع الولايات المتحدة إلى سحب كامل قواتها من تلك المناطق الاستراتيجية التي تتوفر فيها موانئ النفط.
السلوك الروسي في شمال سورية يأتي تحت لافتة شرعية الوجود العسكري بقرار سيادي سوري، وثمة تسجيلات عن احتكاك أميركي- روسي جرى في محافظة الحسكة في شهر تموز الماضي، بدأ بمطاردة دورية أميركية مثلها روسية، تبعها حديث بين عسكريين أميركيين وروس.
الجندي الروسي قال لنظيره الأميركي في تلك الواقعة إن قوات الأولى موجودة في الأراضي السورية بطلب من الرئيس بشار الأسد، في حين أن لا أحد دعا القوات الأميركية إلى سورية، وهذا يترجم بشكل أو بآخر رغبة موسكو في رحيل القوات الأميركية خصوصاً عن المناطق الغنية بالنفط التي تدعي حمايتها لها.
من المهم الإشارة إلى تصريحات منسوبة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال فيها إن المواجهة العسكرية بين الحكومة السورية والمعارضة انتهت، ولم يتبق سوى منطقتين ساخنتين، الأولى هي إدلب والثانية شرق الفرات حيث يتمركز الوجود العسكري الأميركي هناك.
هذه التصريحات مبطنة وتستهدف تحديداً الوجود العسكري الأجنبي في سورية، وفي الأساس تستهدف واشنطن التي لم تقرر بعد أن كانت سترحل تماماً عن الشمال السوري، في الوقت الذي تستقدم فيه شركات نفطية لخدمة أهداف خاصة حسب كلام وزير الخارجية الروسي في مقابلة مع قناة «العربية» خلال الشهر الجاري.
قد تشهد الأيام المقبلة احتكاكات من هذا النوع بين الطرفين الأميركي والروسي، لكنها لن تتطور إلى اشتباكات واسعة، والسبب أن كل طرف يعي خطورة المواجهة المباشرة، لكن موسكو تدفع باتجاه سيطرة الحكومة السورية على مصادر الثروة في الشمال.
هذا الهدف ربما يترسخ يوماً بعد يوم في ضوء ضعف الأداء الاقتصادي السوري وعدم توفر السيولة النقدية في خزانة الدولة، وتحتاج دمشق أكثر من أي وقت مضى إلى حرية التصرف بثرواتها وممتلكاتها، وكذلك تطمح لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها واشنطن شرق الفرات.
بالتأكيد لن تدخل القوات الحكومية السورية إلى مناطق النفوذ الأميركية، لأن الرد مختلف تماماً عن دخول القوات الروسية التي تأخذ واشنطن حجمها ومكانتها بعين الاعتبار، لكن من غير المستبعد أن تتغير قواعد اللعبة في المرحلة المقبلة، لأن روسيا بدأت تُضيّق المناطق الساخنة أكثر فأكثر.
بمعنى أن موسكو لا تريد للنزاع السوري أن يبقى مفتوحاً على الغارب بدون أسس حل واضح، ولذلك تفسر تصريحات لافروف على أن روسيا تحاول التضييق في إدلب وشرقي الفرات لإخماد هاتين المنطقتين الساخنتين، وهي تتشارك مع تركيا في ملفات لحسم موضوع إدلب.
روسيا تريد أن تطوي مرحلة النزاع العسكري وهي تبحث الآن في ملفات سياسية واقتصادية تتصل بإعادة إعمار سورية وتعزيز فرص الاستثمار هناك، فهي التي صرفت ودفعت كثيراً لدعم الحكومة السورية، وتجد أن الوقت قد حان للاستفادة من هذا الدعم بقطف الثمار وجني الأرباح.
أما الحديث عن مواجهة أميركية- روسية في الملعب السوري فهو غير وارد، وكل ما يحصل مجرد نزاع على «كعكة» ومن يجتهد ويصبر أكثر يحصل على قطعة «محترمة»، وهذا أيضاً حال تركيا التي تطمح في أن يكون لها دور مهم بعد نهاية النزاع، وتحديداً دور في شمال سورية.