انتهى عصر «م. ت. ف»

حجم الخط

بقلم: كارولينا غليك


قبل بضعة أشهر أعلنت كلية الإدارة السياسية، التي تحمل اسم جون كيندي في جامعة هارفرد، أنه في السنة الدراسية 2020/2021 سينضم أمين سر اللجنة التنفيذية لـ»م.ت.ف»، صائب عريقات، الى الكلية كزميل كبير للدبلوماسية. وفي هذا الأسبوع بعث مسؤول كبير في وزارة العدل الأميركية سابقا، المحامي نيل شير، رسالة لوزيري العدل والأمن الداخلي الأميركيين، طلب فيها منهما منع دخول عريقات الى الولايات المتحدة. وذلك بسبب أعماله الداعمة لـ»الإرهاب» على مدى السنين كمسؤول كبير في «م.ت.ف». هذه الأعمال - كما شرحها شير - تضمنت التحريض، التأهيل، والتشجيع على «الإرهاب». وحسب قوانين الهجرة الأميركية، وأوضح شير أنه من المحظور أن تطأ قدم عريقات الأراضي الأميركية.
سواء للتوقيت أم لجوهر رسالة شير ثمة معانٍ. فهذا الأسبوع قبل 20 سنة شرعت السلطة الفلسطينية بحرب «إرهاب» ضد إسرائيل. وسمّى عرفات هذه الحرب «الإرهابية» بـ»انتفاضة الأقصى». وأشار الاسم الى عموم العالم الإسلامي بأن الفلسطينيين هم القوة الطليعية للجهاد العالمي. أما المذبحة بحق المواطنين اليهود بالذات فقد أطلقت الرسالة بأنه من ناحية عرفات ورجاله، فإن «حرب الإرهاب» هي يوم «نهاية الساعة» كما يوصف في الحديث (والذي يقتبسه ميثاق «حماس»). فهو يقول، انه لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيختبئ اليهود خلف الحجر والشجر، فيقول الشجر والحجر: يا مسلم، ورائي يهوديّ تعال فاقتله.
رغم أعمال الذبح والقتل، وبرغم التحريض منفلت العقال لقتل اليهود، وبرغم التنكر لكل التزام بالسلام مع إسرائيل، لم يكن أي تنكر من السلطة. وبدلا من الاعتراف بالواقع، واصلت حكومة باراك التفاوض مع ممثلي عرفات. بعد ثلاثة اشهر من بدء السلطة في حربها الجهادية، نشر الرئيس كلينتون «رؤياه» للسلام، والذي تضمن لأول مرة الإعراب عن تأييد أميركي علني لإقامة دولة فلسطينية.
وحتى بعد تبدل الحكم في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، ومع الارتفاع الدائم في عدد الضحايا الإسرائيليين وبحجوم الفظاعة، استمر التأييد لـ»م.ت.ف» وسلطتها اتساعا. بعد هجمات 11 أيلول، أعلن الرئيس جورج بوش الابن عن حرب على «الإرهاب العالمي». كان هناك إسرائيليون كثيرون ممن أملوا في أن توقظ الهجمات الأميركيين على الجوهر «الإرهابي» للسلطة. ولكن بوش أوضح بأن «الإرهاب» الفلسطيني لا يمت بصلة للأمر. بعد شهرين من الهجمات، أعلن وزير الخارجية، كولين بأول، أن إدارة بوش تؤيد إقامة دولة فلسطينية.

إلقاء «مفتاح السلام» في البحر
عبر مذبحة الدولفيناريوم، كارين ايه، حملة السور الواقي، وغيرها، تواصل وتعاظم التأييد الأميركي والإسرائيلي للسلطة. في عامي 2007 – 2008 عملت وزيرة الخارجية، كونداليزا رايس، بنشاط للتوصل الى تسوية دائمة في ظل ممارسة الضغط الشديد للغاية على إسرائيل لتقديم التنازلات.
في العام 2008 قدم إيهود أولمرت لخليفة عرفات، محمود عباس، عرضا كان اكثر سخاء من عرض باراك في طابا. في عهد إدارة أوباما رفع الأميركيون الفلسطينيين وحربهم غير المتوقعة ضد إسرائيل على رأس فرحتهم في ظل تحرير وابل لا يتوقف من الضغط، ونزع الشرعية عن إسرائيل. أما الفلسطينيون من جهتهم فتمسكوا برفض السلام وبنشر الكراهية لإسرائيل على مدى السنين.
ما الذي وقف خلف هذا السلوك الهاذي للولايات المتحدة، ولإسرائيل؟ لماذا تواصل على مدى كل سنوات الدعم الاقتصادي، السياسي بل العسكري لواشنطن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى للسلطة «الإرهابية»، التي لم تتوقف أبدا عن التأييد العلني لإبادة إسرائيل؟ يوجد سبب واحد مشترك لواشنطن وللقدس – او على الأقل لليسار وللمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ويوجد سبب آخر يعود أساسا للمؤسسة الأمنية ولليسار في إسرائيل: فهم، مثل الأوروبيين، كانوا مقتنعين بأن المفتاح الحصري للسلام وللاستقرار في الشرق الأوسط كان السلام بين إسرائيل و»م.ت.ف». هذا الإيمان الأعمى قبع في جذر الرفض المتواصل للاعترافـ فـ»م.ت.ف» تبقى منظمة «إرهابية» «إجرامية» نجحت في أن تردم الهوة بين القومية العربية والإسلام الجهادي. عندما هدد عباس على مدى السنين بحل السلطة إذا لم يتلقَ المزيد من المال من إسرائيل، ومن الولايات المتحدة، ومن أوروبا كان يعرف أن التهديد سيحقق النتيجة المرغوب فيها. فقد كان هو الرجل، وحكمه كان الحكم الذي لا بديل له.
سبب آخر، إسرائيلي داخلي دفع المؤسسة الأمنية واليسار لرفض الاعتراف بحقيقة السلطة التي تصرخ في كل صوب، كان عدم قدرتهم على تخيل وضع تكون فيه المدن الفلسطينية في «يهودا» و»السامرة» تحت سيطرة جهة أخرى. وسواء انطلاقاً من الخوف من التغييرات الديمغرافية الفلسطينية أم انطلاقاً من الإيمان الأعمى بأنه لا يوجد أي بديل لـ»م.ت.ف» (في الوقت الذي يوجد فيه نظام «حماس» منذ 13 سنة في غزة)، أو انطلاقاً من الكراهية لليمين الإسرائيلي ورفض الاعتراف بخطئهم في عقد اتفاقات أوسلو – رفض اليساريون، مثلما فعلت قيادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية على أجيالها على مدى الـ 20 سنة الأخيرة مواجهة الحقيقة البسيطة: حتى حين يكون وضع لا يكون فيه حكم بديل مناسب لحكم «م.ت.ف»، فإن حكم «م.ت.ف» ليس مناسبا. فهو معاد، فاسد، مفسد، وخطير على الدولة. السلام بالتأكيد لن ينشأ عنه أبدا.

انطلق القطار، ولم يمر بالمحطة!
اتفاقات السلام التي وقعت في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، بين إسرائيل والإمارات والبحرين، ورفض الجامعة العربية الاستجابة لطلب السلطة شجبها، تكشف فراغ فكرة أن «م.ت.ف». هي المحطة التي يجب أن يمرّ بها السلام. فالسلطة و»م.ت.ف» ليستا المحطة التي يجب ان نمر فيها في الطريق الى السلام بين إسرائيل والدول العربية، بل انهما ليستا ذات صلة على الإطلاق، وإذا كان لا بد فهما مصدر إزعاج، ليس أكثر. في اللحظة التي قررت فيها الإمارات والبحرين بأن السلام مع إسرائيل يخدم مصالحهما، فقد توجهتا إلينا. ورفض الجامعة العربية شجب فعلهم يشير الى عمق واتساع التأييد للعلاقات مع إسرائيل في أوساط الزعماء العرب. وهذا يعيدنا الى رسالة المحامي شير لوزيري العدل والأمن الداخلي الأميركيين في شأن التأشيرة لعريقات. لا شك ان عريقات أيد ويؤيد «الإرهاب»، وشكل بوق دعاية للسلطة على مدى السنين، في ظل نشر فريات الدم ضد إسرائيل. الأبرز فيها كان ادعاؤه في نيسان 2020 – والذي أطلقه ثلاث مرات في البث في الـ»سي.ان.ان» – بأن إسرائيل ذبحت الفلسطينيين في مخيم اللاجئين في جنين بلا تمييز أثناء حملة السور الواقي. وبالنسبة لعريقات، قتل جنود الجيش الإسرائيلي بالدم البارد اكثر من 500 فلسطيني. في السنوات الأخيرة، ومع أنه اجتاز عملية زرع رئة في الولايات المتحدة في نهاية 2017، يدعي عريقات بأن ادارة ترامب لم تعد وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين.
على مدى كل سنواته كالمفاوض الرئيس لـ»م.ت.ف» مع إسرائيل وعضو في قيادة «م.ت.ف»، لم يكن عريقات مطالبا بأن يدفع أي ثمن على «أكاذيبه» وعلى تأييده النشط والعلني لقتل الإسرائيليين على أيدي «مخربين» فلسطينيين. ولكن الآن، حين يكون واضحا أن «م.ت.ف» وسلطته لم تعودا ذات صلة بالسلام، حان الوقت لتكفا عن تلقي الإعفاء من العقاب على دورهما المباشر وغير المباشر بـ»الإرهاب». لا يوجد أي سبب يجعل عريقات يحصل على التأشيرة. ولا يوجد أي سبب يجعل إسرائيل تواصل تمويل رواتب رجال السلطة او تجبي الضرائب لهم. وبالتأكيد لا يوجد سبب يجعل الحكومة تمنع الإسرائيليين من رفع الدعاوى على السلطة على أضرار «الإرهاب» في المحاكم. عصر «م.ت.ف» انتهى قبل أسبوع ونصف الأسبوع، حان الوقت للاعتراف بذلك والعمل بموجبه.

عن «إسرائيل اليوم»