اسرائيل تتاجر بالجثث والعليا تشرعن!!

حجم الخط

بقلم: حجاي العاد*

 

وفقاً لمقولة عنصريّة صهيونيّة دارجة، هناك عرب جيّدون وآخرون غير جيدين. كلكم يعلم طبعا أن العربي الجيد هو" الميت". لم يكن المغدور يعقوب أبو القيعان أحد سكان قرية أمّ الحيران في النقب، "عربيّا جيّدا"، بل كان عربيّا مفيدا و"مُتعدّد الاستعمال" كالكثيرين من العرب.

في البداية سارع كلّ من نتنياهو رئيس الحكومة، جلعاد أردان وزير الأمن (آنذاك) وروني الشيخ قائد قوات الشرطة العامّ (آنذاك)، للاعلان أن جريمة قتل يعقوب أبو القيعان حدثت على خلفية ارهابية. برّر الثلاثة من خلال هذا الافتراء ليس فقط المداهمة العنيفة لأمّ الحيران في كانون الثاني عام 2017 عن طريق شن حملة شبه عسكريّة شارك فيها مئات من عناصر الشرطة لهدمها وإقامة بلدة يهوديّة مكانها، بل برروا من خلال هذا الافتراء إطلاق النّار على يعقوب أبو القيعان وهو يقود سيّارته ببطء، والامتتناع عن اسعافه، والتسبب بموته لاحقا، وهدم منزله وقريته كلّها. بل انهم قاموا بالتحريض على أعضاء الكنيست العرب. كما واتُهم كل من جَرؤ على الاعتراض او حتى التساؤل حول هذا الافتراء والتدليس، بالارهاب. وبما أنّ يعقوب العربيّ الميت كان "عربيّا جيّدا" ومفيدا، فقد استخدمه نتنياهو، آردان والشيخ جيّداً.

نعم استخدموه ومن ثمة ألقوه جانباً، حتى جاء نتنياهو مؤخّراً وأخرج جثمان المرحوم يعقوب أبو القيعان ليستخدمه مرّة أخرى كتميمة سحرٍ نافعة لأهداف جديدة. اكتشف نتنياهو بعد مرور ثلاث سنوات ونصف على مقتله، أنّ هذا الجثمان قد يكون نافعا جدا خلال معركته القضائيّة. يحبّ نتنياهو التحريض ضدّ العرب، لكنّه وبنفس الوقت غير راضٍ عن تصرّفاته هذه. فها هو يلجأ في محنته هذه إلى حركة في غاية البهلوانيّة، فها هو ينتشل جثمان يعقوب أبو القيعان من قبره ليضرب بها روني الشيخ والنيابة العامّة.

من الذي يقود سياسة التجارة بالجثامين؟ إنّه السّيد معتدل، فارس النظام وسلطة القانون، أمير الوسطيّة، إنه بيني جانتس وزير الأمن.

ستقولون حتما أن نتنياهو وحده قادر على ارتكاب هذه الفعلة النكراء، وأعني هنا المتاجرة حتى بجثمان رجل ميت. ورغم أن أن للبهلوانيّة حدودا، لكن نتنياهو ومع الأسف يتخطاها بخفة. ستقولون الآن أن هذا "النتنياهو" غير معقول! ما كان ينبغي لسياسي يملك مَنطقا سويا، الإقدام على فعل ذلك! لكننا نقول مرة أخرى هذا نتنياهو، الذي سيقدم على فعل أي شيء للخروج من محنته.

والحقيقة أنّ نتنياهو ليس "فريد عصره" كما تظنّون. كما وأن تجارة الجثامين هذه لم تكن لَوْثة ألمّت برئيس حكومة أرعن. فهذه سياسة إسرائيليّة رسميّة، حيث تُنتشل جثامين العرب من قبورها، تُحتجز ويُحرم ذووها من دفنها. لكن السؤال الذي يجب طرحه، من يقف وراء هذه السياسة في الآونة الأخيرة بالذات؟ إنّه السّيد معتدل، فارس النظام وسلطة القانون، أمير الوسطيّة، إنه بيني جانتس وزير الأمن.

تفيد المعطيات المتوفّرة لدى بتسيلم أنّ إسرائيل تحتجز منذ أيلول 2015، ما لا يقلّ عن ستّين جثماناً لفلسطينيّين نفّذوا عمليّات، أو قُل كما يزعم الجيش الإسرائيلي همّوا بتنفيذها. كما وتصرّح إسرائيل أنّها "تحتفظ" بهذه الجثامين لتستخدمها كأوراق مفاوضات مستقبليّة. كما قلنا آنفا جثامين "للاستعمال المُتعدد"!

لم يأتِ جانتس بشيء من عنده. ببساطة لأن هذه الممارسات قديمة العهد، لكن طرأت عليها بعض التحوّلات الطفيفة. حيث شاء القدر أن يتخذ "الكابينت" (المجلس الوزاريّ المُصغّر) بداية عام 2017 وقبل حادثة أمّ الحيران المشؤومة أول قرار رسميّ بشأن ما يجوز احتجازه، التفاوض عليه أو حتى عدم تسليمه من جثامين. تناول القرار آنذاك وفي عام 2017، قضيىة ما يسمى بجثامين "المُخرّبين" المنتمين إلى صفوف حماس. ولكنّ هذا "الكابينت" قرّر مؤخّراً ومع بداية أيلول 2020 وعقب تقديم التماس طالب بإعادة جثمان أحمد عريقات الذي تحتجزإسرائيل جثمانه منذ 23 حزيران، توسيع فئة الجثامين التي تشملها هذه السّياسة اللّئيمة.

لم ينتمِ عريقات إلى صفوف مقاتلي حماس وعليه فهو ليس ورقة مفاوضات. يجب على دولة إسرائيل بدل المتاجرة بجثمانه، إعادته لأسرته كي تقوم بدورها بدفنه بمراسم تليق به.

تباهى جانتس بقيادة هذه الخطوة بل وأسرع الى الترحيب بقرار الكابينت قائلا: "أقترح على أعدائنا أن يفهموا وأن يستوعبوا الرسالة جيّداً". ولكن، ما هو فحوى الرسالة؟ أنّ إسرائيل لم تنجب سياسيّا واحدا يرفض المتاجرة بالجثامين؟ لا تحدث هذه الخِسّة المُرعبة بالظلمة، بل بالعلن فهي ترد في تصريحات علنيّة منصوصٌ عليها في قرارات حكوميّة وتخضع بشكل مباشر للمراجعة القضائيّة من قبَل المستشار القضائيّ للحكومة، النيابة العامّة وقضاة المحكمة العليا. هذا واقعنا السياسي، الدولة تأمر والعليا تنفذ!

لا تحبسوا أنفاسَكم، ليس بعد. فقد صادقت المحكمة على التماس تناول هذا الشأن قدمه "الكابينت" في كانون الثاني عام 2017. لكن ومع الأسف صادقت هيئة المحكمة، برئاسة القاضي دانتسيغر، على المتاجرة بجثامين الموتى. لكن، تطلب ذلك وبطبيعة الحال وجود قانون صريح يمنح الحكومة الصلاحيّة القانونية اللازمة للقيام بذلك - فلتكُن الخِسّة المُرعبة قانونيّة. وعليه وفي ظل غياب قانون كهذا، قام القضاة بمنح الدولة مُهلة نصف سنة كي تسنَّ القانون اللّازم. لكن الدولة بدورها عقدت جلسة إضافيّة بحضور هيئة قضاة موسّعة عرضت من خلالها أمامهم حججاً تثبت أنّها تملك هذه الصّلاحيّة دون اللجوء لسن قانون جديد. منحت الهيئة الموسّعة برئاسة القاضية حًيوت، الدّولة ما طلبته بالضبط.

اوضحت القاضية حَيوت في إحدى الفقرات التي يندى لها الجبين: "علينا أن نتذكّر أنّ احتجاز الجثامين ليس أمراً مؤقتاً"، لم تعتبر حَيوت أن ما ورد آنفا "يمسّ بصُلب حقّ إكرام الميت وبصلب حقّ كرامة عائلته".

لكل من جاء ذكرهم آنفا، وتحديدا لنتنياهو، جانتس وحَيوت نقول: لا ينبغي دفن العار، وإنّما ينبغي دفن الأموات.

*مدير عام "بتسيلم"