ليس بحكم العمر الزمني الذي يفرض علينا التقاعد، ولكن بحكم قرار صدر بوضعي في مصاف المتقاعدين قسراً، اختلط الأمر لدي بين العمر الزمني ومعناه والواقع الذي وضعك في فئة العمر الزمني دون أن تكون فيه، وطبعاً تصبح تبحث عن عناوين تصلح لمن هم متقاعدون والتي غالباً في فلسطين يكون موقعها الطبيعي المقهى الشعبي لقضاء ساعات في النهار تملأ الوقت، ومع الثورة التكنولوجية لم تعد تحمل تحت «إبطك» الصحيفة اليومية، فقد تتابعها ذاتها عبر الإنترنت رغم انك قد تغضب اذا لم ينشر خبر أو مقال أو تقرير ترسله للنشر.
وعليك ان تتابع قضايا هي ليست لك كفئة عمرية، ومن المبكر أن تضع نفسك ضمنها فتحاول أن تهرب من أن تظل حول دائرة حلقات نقاش معظم الذين حولها من فئة الذين تقدموا بالسن يكررون ذات الفكرة، والائتلافات التي تطلق من المجتمع المدني يجب ان يكون جلها من الفئة العمرية فوق الـ 65 عاما، فتذهب صوب الرفض بعد فترة استعادة التوازن والتغيير الطارئ على حياتك، خصوصاً أنك محصن بنشاطات مجتمعية متنوعة، وكانت سبباً لتكون في هذا الوضع الذي انت فيه وتستطيع أن تبدع من خلالها مع فئات مختلفة ضمنها الشباب وقضايا بحثية تتعلق بالاستهلاك وقطاع الإسكان وحقوق الناس ودعم المنتجات الفلسطينية.
من عجائب تلك المرحلة أنك ترى أناساً قاربوا الثمانين ومازالوا (ما شاء الله) يعاندون العمر الزمني ويتعاملون كأنهم في الأربعينات، وقد ترى أناساً في أواخر الأربعينات يعيشون كأنهم قاربوا الثمانين من حيث الاستسلام ورفض ممارسة أي نشاط أو حركة أو سير على الأقدام، ويتأففون ويضعفون أمام المواقف والأوضاع، ولعل (كوفيد_19) نموذج يؤكد أن العمر ليس الحكم. فقد خاف الشباب بصورة تفوق خوف الكبار بالسن اضعافاً مضاعفة، ويخلق هذا (الخوف المبالغ به وغير المنطقي) شعوراً أن العمر ليس كل شيء، وطبعاً يغلفونه بالخوف على الآخر وليس على انفسهم!!!!.
وهنا يكون لك الخيار أين تكون، وهذا تحدٍ مهم يجب أن تجابهه وتتخذ القرار السريع بخصوصه، وليس بالضرورة أن تعتقد أن القرب من فئة الشباب يجعلك شاباً، فقد يعيدك شاب في حوار معه الى العام 1965 وكأنه يعرف تفاصيلها، ويظل عالقاً هناك لا يعود الى اللحظة الحالية، وقد تكون مع «مشيب» ويأخذك معه الى أفق 2030 والرؤية التنموية المستدامة.
ورغم أن من هم بالفئة العمرية من 60 عاماً فما فوق لا يشكلون أكثر من 12% في فلسطين، ولكن اثرهم اقوى على المجتمع من فئة الشباب الذين يشكلون قاعدة الهرم العريضة في المجتمع الفلسطيني حسب ارقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ولا يسعون ليكونوا هم أصحاب الأثر لأن المستقبل لديهم مثلاً، فتراهم ينتظرون (دخاناً أبيض) هنا وهناك وليسوا مؤثرين لإطلاق الدخان الأبيض في القضايا المفصلية الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
وعندما ذهبت بلدية رام الله الى إطلاق منتدى الخبرات كمؤسسة تضم إبداعات الفئة العمرية في خط التقاعد، وتم مؤخراً «بحبحتها» لتضم من هم ليسوا متقاعدين لتبادل الخبرات والمهارات، الا أن بداية الحديث عنه عند إقرار فكرته انه (مأوى للمسنين) وسيتم تسليمه إلى إطار من أطرهم، وفجأة دبت الحياة في هذا المنتدى بصورة غير مسبوقة طغت على الكثير من مرافق بلدية رام الله، فبات مركزاً ثقافياً رياضياً فنياً علمياً حوارياً، واصدقكم القول، المرة الأولى الذي ذهبت فيها هناك في البدايات كان صوت داخلي يقول لي: عد من حيث أتيت، لا تضع نفسك في دائرة الشيخوخة، وما هي الا تجربة واذا بك تجد أهمية هذا المرفق الذي يتعامل مع العمر الزمني بشكل مختلف، ويدفع الجميع ليعبر عن نفسه بصورة تضعه في خانة انه فاعل وليس خاملاً يجلس في البيت أو يأتي الى مأوى يُمضي فيه وقتاً.
تخيل أن يكون في مدينتك أو قريتك برعاية بلديتك أو مجلسك القروي منتدى للخبرات يكون بهذا التنوع، يشكل بديلاً عن التفكير طوال النهار لتلك الفئة العمرية ماذا تفعل طوال ساعات النهار، وهم من كانوا ينصون على الشباب: إياكم وإهدار الوقت وقتله، تخيل أنك تستطيع عبر المنتدى أن تكون مؤثراً في الرؤية الاقتصادية، ويخرجون عليك ليقولوا: نريد أن نكون شركاء في مبادرتكم لدعم المنتجات الفلسطينية، وشركاء في التسويق الزراعي للمحاصيل الفلسطينية في الساحات العامة، وعندما يقدمون اقتراحاً لقضايا السير والمرور وخدمات البلدية والصحة والتنمية الاجتماعية.
أجزم أن رام الله تخرجك من حالة الحيرة بخصوص الزمن والفئة العمرية التي لم تبلغها ولكنك أُقحمت بها قسراً الى حزم أمرك، «ابتسم أنت في رام الله» هيا تعال وشارك وقل رأيك، ولم يعد الزمن مقلقاً، ولستَ بحاجة الى أن تدافع عن نفسك من تهمة أنك بت متقاعداً أو كبرت، فهاهم الكبار يمارسون الرياضة والفن والكتابة والقراءة والبحث والتحليل في مكان يجمعهم (منتدى الخبرات)، ولله الحمد أنه لم يتحول الى مأوى للمسنين لساعات النهار يحملون صحيفتهم اليومية ويمضون وقتاً ليس نوعياً ولا مهماً، بل بات منتدى للخبرات بحق.