حتى لو افترضنا جدلا أن الانتخابات المتزامنة لرئاسة السلطة والمجلس التشريعي، مع أو دون المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد تقرر إجراؤها بعد ثلاثة أشهر من الآن، وأن حركة حماس فازت بأغلبية المقاعد النيابية، كما حدث في الانتخابات السابقة التي جرت العام 2006، فإننا سنكون أمام صورة مشابهة تماما لما حدث بعد الانتخابات السابقة، أي أن حماس ستجد نفسها مجددا أمام استحقاق المسؤولية الوطنية، فيما يخص كيفية إدارة شؤون المواطنين داخليا، وكيفية التعامل مع النظامين الإقليمي والدولي، كما يفترض بالدول والكيانات السياسية أن تفعل.
لا نريد أن نغرق كثيرا في التوقع الافتراضي، ونقول إنه حتى لو حصلت معجزة وفازت حركة حماس بما هو أكثر مما حدث في العام 2006، أي أنها لو فازت إضافة لأغلبية المقاعد النيابية بمنصب الرئيس أيضا، وبالتالي لم تجد نفسها أمام ازدواجية السلطة، أو داخل مقعد رئاسي برأسين، كما حاولت أن تفعل العام 2006 وحتى بعد ذلك، أي أن هذا الافتراض يفترض أن تتجنب حماس محاولة تحجيم الرئيس الذي لا ينتمي لها، مع أن نظامنا الفلسطيني نظام رئاسي لأن الرئيس ينتخب مباشرة من الشعب، وهو - أي النظام السياسي الفلسطيني - على أبعد تقدير نظام مختلط، تتداخل فيه صلاحيات الرئيس والحكومة، وكلنا يذكر بأن منصب رئيس الحكومة استحدث لاحقا (العام 2003)، أي بعد تأسيس السلطة بنحو تسع سنوات. وبالتالي يقطع الطريق على الذهاب مجدداً للحرب الداخلية، والانقلاب، بحجة «تمكين» الحكومة من السيطرة وممارسة صلاحياتها، وفرض «الشراكة السياسية» أو فرض البديل بالقوة.
إن حماس القائدة حينها للسلطة برئيسها وحكومتها، ستواجه الاستحقاق الخارجي، وستجد نفسها أمام أحد خيارين: إما أن تظل تضع نفسها ضمن محور إقليمي / دولي، يحقق أهداف الإخوان المسلمين، أي تتصرف كمجموعة سياسية / عقائدية مهمتها الكفاح من اجل برنامج الإخوان الإقليمي والدولي، أو أن تنأى بنفسها عن سياسة المحاور، وان توازن في العلاقة الخارجية بما يحقق أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني الذي تقوده، وفي كل الأحوال ستواجه استحقاق علاقات الجوار مع كل من مصر، الأردن، وإسرائيل، ثم مع المحيطين العربي والإسلامي، ثم مع الكتل الدولية.
يعني بالبلدي - اللي عليك عليك - وبات بعد تجربه نحو عشر سنوات مريرة، على حماس أن تدرك بأن خطاب المعارضة وحتى سلوكها الذي يستهدف التخفيف من غلو من هم في موقع الحكم والمسؤولية، وبهدف الوصول إلى السلطة شيء مختلف عن خطاب وسلوك من يجلس في موقع المسؤولية والحكم.
المهم أن انضواء حماس تحت عباءة السلطة وفي إطار م.ت.ف، وممارسة المعارضة من الداخل، هو أجدى بكثير من محاولة حماس الفاشلة والتي ألحقت الضرر بالكل الوطني، بمن فيهم حماس نفسها، والمتمثلة بنفي الآخر والحلول مكانه في كل شيء، أي الذهاب إلى طرح البديل والانقلاب على القائم.
والآن، الآن قبل غدا، يشكل الانضواء تحت عباءة السلطة، والاحتكام للإرادة الشعبية عبر صناديق الانتخابات ملاذا لحركة حماس، حتى لا يتعامل معها الآخرون، بمن فيهم مصر، كحركة منفردة، خارج إطار أو حدود الكل الفلسطيني، الرسمي والشعبي، أي يصبح حالها مثل حال فتح، الشعبية، الجهاد ... إلى آخر منظومة الفصائل.
ولأننا ذهبنا في افتراضنا إلى حدود بعيدة غير واقعية، فإن كلا من فتح وحماس تعرفان جيدا ما ستسفر عنه الانتخابات القادمة لو جرت في صيف هذا العام، وإذا كانت فتح تتوقع الفوز بأغلبية المقاعد النيابية، خاصة في حال اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل، فان حماس تتوقع أن تستفيد من عدم إجماع فتح على مرشح رئاسي، في حال رفض الرئيس محمود عباس الترشح مجددا، وربما كانت فتح تحتفظ بحل لهذه المشكلة، من مثيل أن يترشح الرئيس مرة أخرى لولاية أربع سنوات فقط، مع نائب للرئيس يترشح معه (كما هي حال الانتخابات الأميركية حتى يضمن الموقع الأول لفتح)، أو دعم مرشح مستقل يتمتع بقبول فتحاوي / وطني، مثل منيب المصري مع أن الرجل في عمر الرئيس عباس، وبذلك فان هذا يرضي فتح، لأنه يعيد لها إرثها المتمثل في قيادة الفلسطينيين منذ خمسة عقود بالشراكة غير المقررة للقوى الأخرى، فهل تقبل حماس بأن تكون الفصيل الثاني في الحكومة والتشريعي وحتى في المنظمة، كما كان حال الجبهة الشعبية - مثلا - قبل عقود مضت، والتي كانت موجودة بشكل قلق في م.ت.ف، أم أنها ستستمر في عنادها، بمواصلة التعامل مع فتح رأسا برأس، هذا سؤال ستجيب عنه وساطة حسن خريشة النائب الثاني للمجلس التشريعي المنتهية ولايته والمقرب من حماس (كان فاز بالمقعد التشريعي بتحالفه كمستقل مع حماس)، وإن كان سيحصل على ورقة خطية من حماس بالموافقة على إجراء الانتخابات أم لا، ذلك أن إجراءات إجراء الانتخابات تتطلب «تمكين حكومة التوافق» من السيطرة الداخلية / الأمنية على قطاع غزة، وليس على المعابر فقط، حتى تضمن انتخابات حرة ونزيهة، دون تدخل أو إكراه أو فرض نتائجها بقوة السلاح.
أما لماذا يطالب الرئيس بموافقة خطية ومحددة من حماس على إجراء الانتخابات، فلأنه يعلم تماما أن حماس جعلت من المطالبة بإجراء الانتخابات خلال الأشهر الأخيرة مادة دعائية ظانّة أن «فتح» لا تريد الانتخابات لعدم إجماعها على مرشح رئاسي، وأنها - أي حماس - حين تعلم بنجاح فتح في حل هذه المسألة ستتراجع، كما سبق أن فعلت في محطات كثيرة، مع ذلك نقول إن الفرصة سانحة لإيجاد حل للمأزق الداخلي المتمثل باستمرار الانقسام، خاصة وان الوضع الإسرائيلي سيتم ترتيبه داخليا بعد أسابيع، مع تشكيل حكومة جديدة، ولأن حماس الآن «مثل الصوص المحبوس»، وفتح التي تطالب منذ سنوات بالاحتكام للانتخابات، لا يمكنها أن ترفض إجراءها، أيا يكن السبب، والرئيس أبو مازن يريد تجميع أوراقه الداخلية لمواصلة هجومه السياسي على إسرائيل لإعلان الدولة الفلسطينية على الأرض في عهده وحياته، لذا فإنه يمكن القول بثقة إن الانتخابات هي الترياق لحالة الانقسام والشقاق الداخلي، ولابد من التشبث بها وعدم تفويت الفرصة ولا بأي حال من الأحوال.