كثيرة هي خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي عبر خلالها عن سخطه وانزعاجه الشديد من البرنامج النووي الإيراني، وفي أكثر من محفل حاول نتنياهو الضغط على الولايات المتحدة الأميركية من أجل توجيه ضربة عسكرية لطهران تُفشل وتُؤخر مشروعها النووي.
موقف نتنياهو هذا ظل على حاله منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حين نبّه وقتها إلى سعي إيران للحصول على القنبلة النووية، وحرص على أن ينقل موقفه إلى الجمهور الإسرائيلي وإلى الولايات المتحدة الأميركية ممثلةً في رؤسائها وشعبها.
من منصة الكونغرس وللمرة الثالثة التي يلقي فيها خطاباً أمام أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بدا نتنياهو في خطابه عن إيران وكأنه يتحكم بصناعة القرار الأميركي، أو على الأقل جزء وشريك في هذا القرار واللاعب الأكثر تأثيراً في السياسة الأميركية من بين جميع دول العالم.
أن يحضر الرجل إلى الكونغرس رغماً عن أنف الرئيس الأميركي باراك أوباما ومختلف أركان إدارته، فهذا يعني أن نتنياهو يرغب في استثمار منصة هذا المنبر المهم والحيوي، لخدمة أغراض شخصية هي انتخابية بالدرجة الأولى، كونه مرشحاًَ للانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في السابع عشر من الشهر الجاري.
ثم إن نتنياهو غير راضٍ تماماً ومنذ البداية عن الاجتماعات التي جرت بين مجموعة 5+1 وإيران، وانتقد الولايات المتحدة لقيادتها هذه الاجتماعات على أمل عقد اتفاق مع طهران يرضي جميع الأطراف، وكثيراً ما حذر نتنياهو من خطورة إيران على دول الشرق الأوسط تحديداً وكل العالم.
أضف إلى ذلك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أراد أن يتحدى علناً الرئيس باراك أوباما وإدارته، ربما سعياً لتقويض مكانة الحزب الديمقراطي وتقوية الجمهوريين الذين يدعمون إسرائيل بقوة، وعلى أمل أن تأتي الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل برئيس جديد من الحزب الجمهوري.
بالنظر إلى العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأميركية، يمكن القول إن الخلاف توسع بين الطرفين في العديد من القضايا، أولها في الموقف الأميركي من المفاوضات والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وإصرار تل أبيب على استكمال المخططات الاستيطانية، إلى جانب الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني.
وعن قصد عملت تل أبيب على إضعاف السياسة الأميركية وإفشالها خصوصاً في موضوع المفاوضات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ربما رداً على عدم استماع واستجابة الإدارة الأميركية لمخاوف إسرائيل من ضرورة توجيه ضربة عسكرية لمنشآت طهران النووية، وانطلاقاً من رغبة تل أبيب في الإمساك والاستفراد بمصير الملف الفلسطيني.
إن تل أبيب لا تريد فقط تقويض الجهود الأميركية بشأن الاجتماعات الحالية مع طهران، وإنما حاولت بقوة من أجل وضع إيران في «بوز المدفع» وإغراقها بالعقوبات الاقتصادية، أو في أصعب الحالات العلاج بالكي وعبر استخدام ضربات عسكرية محدودة خاطفة ومحددة.
لكل هذا حرص نتنياهو على إلقاء خطاب استعراضي أمام الكونغرس، وكأنه يخطب في معقل داره وأمام أزلامه من السياسيين، ولوحظ بالفعل أن الجمهوريين والديمقراطيين الذين امتنع حوالي 50 منهم عن الحضور، معجبون بهذا السياسي حتى النخاع.
طوال أربعين دقيقة من الحديث المتواصل في الكونغرس، لم تتوقف الهتافات والتصويت التي عمت أرجاء المكان، والقيام والقعود كانا سمة انجذاب الجمهوريين لخطاب نتنياهو، خصوصاً وأن أغلب هؤلاء مدعومون من اللوبي اليهودي المؤثر بقوة على صناعة القرار في مختلف المؤسسات الأميركية.
على أن خطاب نتنياهو لم يقدم أو يضف شيئاً جديداً بخصوص الملف النووي الإيراني، كما انتقده أوباما الذي فضّل مع نائبه جوزيف بايدن عدم متابعة خطابه على التلفزيون، مكتفين بقراءته، ما يبين مدى عمق الأزمة بينهم.
أوباما انتقد خطاب نتنياهو للسبب المذكور أعلاه، ولأنه يشعر بالإحراج الشديد من مجيء ضيف ثقيل على قلبه، وربما جاء الانتقاد محاولةً لرد الاعتبار لأوباما والتأكيد على أنه لم يفقد هيبته وأن الإدارة الأميركية ماضية في طريقها لتثبيت اتفاق مع إيران يرضي جميع الأطراف.
أضف إلى ذلك أن أوباما تدخل وانتقد نتنياهو لمنع التشويش والتأثير على الرأي العام الأميركي والدول الأوروبية ومساعي الإدارة الأميركية في إطار حل الملف النووي الإيراني سلمياً، ومع ذلك رفض نتنياهو هذا الانتقاد وقال إن الاتفاق النووي المزمع مع إيران مليء بالعيوب.
في كل الأحوال لن ينعكس هذا «الخُليف» الصغير بين الأحبة، ولن نتوقع أو نشهد أي تغير جذري أو استراتيجي في السياسة الأميركية، ولا تحولاً يستهدف إرباك العلاقات أو تخفيض المساعدات والمعونات الأميركية المقدمة سنوياً لإسرائيل والتي تتجاوز ثلاثة مليارات دولار.
نتنياهو فعل ذلك، لأنه يريد أن يوجه العالم نحو إيران وبرنامجها النووي، وبالتالي يكون هنا أغلق الباب تماماً على عملية السلام مع الفلسطينيين، وعاقبهم بوضعهم في غلاف يستحوذ عليه وسياسات استيطانية توسعية إحلالية وبموافقة وصمت الولايات المتحدة.
ومرةً أخرى يريد رئيس الحكومة أن يقدم نفسه للرأي العام الإسرائيلي على أنه الرجل الأقدر وصاحب الكاريزما القوية والمؤثرة في العالم، والقابض على صناعة القرار الإسرائيلي والعالِم بالأولويات والمخاطر التي تهدد الأمن الإسرائيلي.
قد يعود نتنياهو إلى الحكومة مجدداً من بعبع تضخيم المخاوف من إيران، فهو يدرك تمام اليقين، أن خطابه يلقى الأذن الصاغية من جمهور يتعطش لنظرية الهاجس الأمني، وحين يربط توسع إيران وقربها من تصنيع قنبلة نووية، وتهديد ذلك على وجود إسرائيل، فإن الجمهور الإسرائيلي بالتأكيد سيصطف خلفه.
وحين يتحول نتنياهو إلى النظر نحو إيران، فهو متأكد من وضعه مع السلطة الفلسطينية، وهو مرتاح من أن الأخيرة لن تعضه بأسنانها اللبنية، ولن تقدم على إجهاض نفسها أو التحول عن نظرية السلام خيار استراتيجي.
الأيام المقبلة حُبلى بمستجدات كثيرة، والسيناريو الأقرب للحدوث قد يبشر ببقاء نتنياهو في السلطة، وبقاء الموقف الأميركي على حاله، يتغزل بإسرائيل وأمنها ويمد لها كل العون حتى تبقى متفوقة على جميع من حولها من الدول العربية، بصرف النظر عن الخلاف بين أوباما ونتنياهو وهو لا يتعدى أن يكون خلافا بين رجلين لا بلدين.
وأما فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فلعله سيشهد مرحلة من الجمود السياسي وعدم اليقين، تكون فيها إسرائيل قد استنفدت قدرة السلطة الفلسطينية على الصمود اقتصادياً، وفي ذات الوقت التهام الجغرافيا وتقطيع المُقطع في كامل الضفة الغربية وفي القلب منها القدس المحتلة.
موقف نتنياهو هذا ظل على حاله منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حين نبّه وقتها إلى سعي إيران للحصول على القنبلة النووية، وحرص على أن ينقل موقفه إلى الجمهور الإسرائيلي وإلى الولايات المتحدة الأميركية ممثلةً في رؤسائها وشعبها.
من منصة الكونغرس وللمرة الثالثة التي يلقي فيها خطاباً أمام أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بدا نتنياهو في خطابه عن إيران وكأنه يتحكم بصناعة القرار الأميركي، أو على الأقل جزء وشريك في هذا القرار واللاعب الأكثر تأثيراً في السياسة الأميركية من بين جميع دول العالم.
أن يحضر الرجل إلى الكونغرس رغماً عن أنف الرئيس الأميركي باراك أوباما ومختلف أركان إدارته، فهذا يعني أن نتنياهو يرغب في استثمار منصة هذا المنبر المهم والحيوي، لخدمة أغراض شخصية هي انتخابية بالدرجة الأولى، كونه مرشحاًَ للانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في السابع عشر من الشهر الجاري.
ثم إن نتنياهو غير راضٍ تماماً ومنذ البداية عن الاجتماعات التي جرت بين مجموعة 5+1 وإيران، وانتقد الولايات المتحدة لقيادتها هذه الاجتماعات على أمل عقد اتفاق مع طهران يرضي جميع الأطراف، وكثيراً ما حذر نتنياهو من خطورة إيران على دول الشرق الأوسط تحديداً وكل العالم.
أضف إلى ذلك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أراد أن يتحدى علناً الرئيس باراك أوباما وإدارته، ربما سعياً لتقويض مكانة الحزب الديمقراطي وتقوية الجمهوريين الذين يدعمون إسرائيل بقوة، وعلى أمل أن تأتي الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل برئيس جديد من الحزب الجمهوري.
بالنظر إلى العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأميركية، يمكن القول إن الخلاف توسع بين الطرفين في العديد من القضايا، أولها في الموقف الأميركي من المفاوضات والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وإصرار تل أبيب على استكمال المخططات الاستيطانية، إلى جانب الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني.
وعن قصد عملت تل أبيب على إضعاف السياسة الأميركية وإفشالها خصوصاً في موضوع المفاوضات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ربما رداً على عدم استماع واستجابة الإدارة الأميركية لمخاوف إسرائيل من ضرورة توجيه ضربة عسكرية لمنشآت طهران النووية، وانطلاقاً من رغبة تل أبيب في الإمساك والاستفراد بمصير الملف الفلسطيني.
إن تل أبيب لا تريد فقط تقويض الجهود الأميركية بشأن الاجتماعات الحالية مع طهران، وإنما حاولت بقوة من أجل وضع إيران في «بوز المدفع» وإغراقها بالعقوبات الاقتصادية، أو في أصعب الحالات العلاج بالكي وعبر استخدام ضربات عسكرية محدودة خاطفة ومحددة.
لكل هذا حرص نتنياهو على إلقاء خطاب استعراضي أمام الكونغرس، وكأنه يخطب في معقل داره وأمام أزلامه من السياسيين، ولوحظ بالفعل أن الجمهوريين والديمقراطيين الذين امتنع حوالي 50 منهم عن الحضور، معجبون بهذا السياسي حتى النخاع.
طوال أربعين دقيقة من الحديث المتواصل في الكونغرس، لم تتوقف الهتافات والتصويت التي عمت أرجاء المكان، والقيام والقعود كانا سمة انجذاب الجمهوريين لخطاب نتنياهو، خصوصاً وأن أغلب هؤلاء مدعومون من اللوبي اليهودي المؤثر بقوة على صناعة القرار في مختلف المؤسسات الأميركية.
على أن خطاب نتنياهو لم يقدم أو يضف شيئاً جديداً بخصوص الملف النووي الإيراني، كما انتقده أوباما الذي فضّل مع نائبه جوزيف بايدن عدم متابعة خطابه على التلفزيون، مكتفين بقراءته، ما يبين مدى عمق الأزمة بينهم.
أوباما انتقد خطاب نتنياهو للسبب المذكور أعلاه، ولأنه يشعر بالإحراج الشديد من مجيء ضيف ثقيل على قلبه، وربما جاء الانتقاد محاولةً لرد الاعتبار لأوباما والتأكيد على أنه لم يفقد هيبته وأن الإدارة الأميركية ماضية في طريقها لتثبيت اتفاق مع إيران يرضي جميع الأطراف.
أضف إلى ذلك أن أوباما تدخل وانتقد نتنياهو لمنع التشويش والتأثير على الرأي العام الأميركي والدول الأوروبية ومساعي الإدارة الأميركية في إطار حل الملف النووي الإيراني سلمياً، ومع ذلك رفض نتنياهو هذا الانتقاد وقال إن الاتفاق النووي المزمع مع إيران مليء بالعيوب.
في كل الأحوال لن ينعكس هذا «الخُليف» الصغير بين الأحبة، ولن نتوقع أو نشهد أي تغير جذري أو استراتيجي في السياسة الأميركية، ولا تحولاً يستهدف إرباك العلاقات أو تخفيض المساعدات والمعونات الأميركية المقدمة سنوياً لإسرائيل والتي تتجاوز ثلاثة مليارات دولار.
نتنياهو فعل ذلك، لأنه يريد أن يوجه العالم نحو إيران وبرنامجها النووي، وبالتالي يكون هنا أغلق الباب تماماً على عملية السلام مع الفلسطينيين، وعاقبهم بوضعهم في غلاف يستحوذ عليه وسياسات استيطانية توسعية إحلالية وبموافقة وصمت الولايات المتحدة.
ومرةً أخرى يريد رئيس الحكومة أن يقدم نفسه للرأي العام الإسرائيلي على أنه الرجل الأقدر وصاحب الكاريزما القوية والمؤثرة في العالم، والقابض على صناعة القرار الإسرائيلي والعالِم بالأولويات والمخاطر التي تهدد الأمن الإسرائيلي.
قد يعود نتنياهو إلى الحكومة مجدداً من بعبع تضخيم المخاوف من إيران، فهو يدرك تمام اليقين، أن خطابه يلقى الأذن الصاغية من جمهور يتعطش لنظرية الهاجس الأمني، وحين يربط توسع إيران وقربها من تصنيع قنبلة نووية، وتهديد ذلك على وجود إسرائيل، فإن الجمهور الإسرائيلي بالتأكيد سيصطف خلفه.
وحين يتحول نتنياهو إلى النظر نحو إيران، فهو متأكد من وضعه مع السلطة الفلسطينية، وهو مرتاح من أن الأخيرة لن تعضه بأسنانها اللبنية، ولن تقدم على إجهاض نفسها أو التحول عن نظرية السلام خيار استراتيجي.
الأيام المقبلة حُبلى بمستجدات كثيرة، والسيناريو الأقرب للحدوث قد يبشر ببقاء نتنياهو في السلطة، وبقاء الموقف الأميركي على حاله، يتغزل بإسرائيل وأمنها ويمد لها كل العون حتى تبقى متفوقة على جميع من حولها من الدول العربية، بصرف النظر عن الخلاف بين أوباما ونتنياهو وهو لا يتعدى أن يكون خلافا بين رجلين لا بلدين.
وأما فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فلعله سيشهد مرحلة من الجمود السياسي وعدم اليقين، تكون فيها إسرائيل قد استنفدت قدرة السلطة الفلسطينية على الصمود اقتصادياً، وفي ذات الوقت التهام الجغرافيا وتقطيع المُقطع في كامل الضفة الغربية وفي القلب منها القدس المحتلة.