احتمال انضمام قطر إلى "اتفاقات إبراهيم": تحدّيات في الطريق

حجم الخط

بقلم: كوبي ميخائيل ويوئيل غوزنسكي*



عملية التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين ليست منفصلة عن النزاع بينهما وبين قطر. بذور الأزمة بين قطر وبين «الرباعية العربية» – السعودية، ومصر، والبحرين، والإمارات - زُرعت منذ استيلاء حمد بن خليفة على السلطة من والده في سنة 1995، وإنشائه بعد عام قناة الجزيرة، الناطقة بلسان السياسة القطرية المستقلة. سعت قطر لإيجاد توازن بين الخوف من مواجهة مع إيران وبين الرغبة في الحد من الهيمنة السعودية على مجلس التعاون الخليجي. منذ ذلك الحين جرى الحديث عن محاولات سعودية للقيام بانقلاب في قطر. السعوديون يشجعون علناً معارضة الأمير الحالي الشيخ تميم. في حزيران الماضي اتهم وزير الخارجية القطري «دول الحصار» بمحاولة إحداث انقلاب في قطر. وذكّر بحملة الأخبار الملفقة على تويتر قبل شهر من ذلك، التي تحدثت عن محاولة انقلاب داخل العائلة المالكة القطرية. في اتفاقات إبراهيم، بالإضافة إلى رغبة الإمارات في تحسين صورتها في الكونغرس الأميركي والوصول إلى وسائل قتالية متقدمة، تسعى أبو ظبي لتجميع نقاط لمصلحتها لدى الإدارة الأميركية في النزاع بينها وبين قطر، لتعزيز مكانتها ونفوذها في الساحتين الإقليمية والدولية.
توطيد العلاقات بين الإمارات وإسرائيل يفتح باباً إضافياً للإمارات لزيادة تأثيرها في «المناطق» الفلسطينية على حساب قطر، حتى لو لم يحدث هذا في المدى القريب. يُذكر أن الإمارات لا تملك اليوم أدوات تأثير في الساحة الفلسطينية مقارنةً بقطر، لأنها تعتبر «حماس» عدواً، وحركة تابعة لـ «الإخوان المسلمين». بالإضافة إلى ذلك، توجد قطيعة بينها وبين السلطة الفلسطينية، بسبب دعم الإمارات لمحمد دحلان. على هذه الخلفية أيضاً شنّت وسائل الإعلام في قطر حملة منسقة ضد اتفاق التطبيع مع إسرائيل، ودانته بكلمات قاسية، كما هاجمت أيضاً الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، واتهمته بالتخلي عن الفلسطينيين. لكن قطر الرسمية احتفظت لنفسها بحرية المناورة، ولم تتّخذ موقفاً علنياً ضد عملية التطبيع بحد ذاتها، حتى إنها عبّرت مؤخراً عن تأييد علني لخطة السلام الأميركية، على الرغم من إعلانها أنها لن تطّبع علاقاتها مع إسرائيل إلى حين بلورة تسوية مع الفلسطينيين، وأنها تؤيد المبادرة العربية كأساس لحل النزاع.
بالنسبة إلى إسرائيل، قطر هي قناة لنقل الرسائل بين إسرائيل و»حماس»، ونقل مساعدة إنسانية ضرورية إلى قطاع غزة، وهذا ما يبعد أخطار نشوب جولة مواجهة أُخرى في هذه الساحة. بناء على ذلك، لإسرائيل مصلحة واضحة في أن تستمر المساعدة على الرغم من التوتر بينها وبين قطر وبين قطر وجاراتها في الخليج. من ناحية الولايات المتحدة، تسوية العلاقات بين دول الخليج تمنح الإدارة الأميركية ودونالد ترامب شخصياً إنجازاً، بمعنى تحقيق المصلحة الواضحة في تأسيس ائتلاف خليجي قوي ضد إيران بمشاركة إسرائيل.
يجب التشديد على أن التوصل إلى تسوية مزدوجة بين «الرباعية» وقطر وبين قطر وإسرائيل، ليست مهمة سهلة عموماً. يسود توتر، إن لم نقُل عداء، بين الدوحة وأبو ظبي والرياض منذ سنوات كثيرة. بناء على ذلك، إذا توصلت هذه الدول إلى تسوية، فمن الممكن أن تكون مؤقتة، وعلى الورق. عقبة أُخرى هي العداء الشخصي بين الزعماء، والحاجة إلى إقناع قطر بالنزول عن شجرة تأييد الفلسطينيين التي صعدت إليها من جديد مؤخراً. وليس أكيداً على الإطلاق أن تسوية التوترات بين قطر وبين جاراتها ستؤدي إلى تنازلها عن نفوذها الكبير الذي حصلت عليه، ليس فقط إزاء «حماس»، بل أيضاً إزاء السلطة الفلسطينية.
تدخُّل قطر في الساحة الفلسطينية هو أداة مهمة في صندوق الأدوات القطري من أجل ترسيخ مكانتها كلاعب إقليمي مؤثر وحيوي. قطر هي إمارة صغيرة وغنية تشعر بأنها مهددة من جاراتها في الخليج، في الأساس السعودية، وتعتبر مكانتها الإقليمية بوليصة تأمين لجوهر وجودها في المنطقة. ترسيخ هذه المكانة يسمح لها بأن تبدو حيوية ومهمة في نظر لاعبين إقليميين مهمّين مثل إسرائيل، والأهم من ذلك، يتيح لها المحافظة على تقارب ضروري مع الولايات المتحدة. إن جهودها لترسيخ مكانتها الإقليمية تؤدي إلى مفاقمة التوتر والمنافسة الاستراتيجية بينها وبين السعودية والإمارات. وفي الواقع، بالإضافة إلى علاقاتها مع الفلسطينيين، تحرص قطر على تطوير علاقتها مع تركيا، ومع إيران، والعمل في كل الملاعب والمعسكرات من أجل تنويع أدوات تأثيرها. في الوقت عينه تدرك قطر ضرورة علاقاتها مع الولايات المتحدة وأهمية تأييدها، في الأساس في مواجهة المقاطعة الإقليمية المفروضة عليها. مع أنها نجحت في مواجهة قيود المقاطعة من خلال مساعدة إيرانية وتركية، فإنه من المهم بالنسبة إليها إنهاء المقاطعة والعودة إلى حضن العائلة.
حتى لو اتضح أن الولايات المتحدة نجحت في إقناع أبو ظبي والرياض برفع الحظر عن قطر وضمان مشاركتها في إطار اتفاق إبراهيم، ولاحقاً تطبيع العلاقات مع إسرائيل، من المعقول الافتراض أن التوتر سيستمر بين قطر والإمارات، التي وقعت اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وهذا يمكن أن يضع إسرائيل في مواجهة تحدٍّ معقد في كل ما له علاقة بطبيعة سلوكها حيال كل واحدة من الإثنتين. وسيتجلى التعقيد بصورة واضحة في الأساس في كل ما له علاقة بالساحة الفلسطينية.
لإسرائيل مصلحة واضحة في تسوية العلاقات بين دول الخليج، في الأساس لأن ذلك سيدق إسفيناً بين قطر وتركيا؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي عملياً إلى تقويض محور «الإخوان المسلمين». أيضاً تُبعد التسوية تركيا عن ساحة الخليج، وتضر بمكانة أنقرة الإقليمية، وتقلص المساعدة الاقتصادية التي تتدفق من قطر إلى تركيا، وإلى حركات «الإخوان المسلمين». ما دام اختيار قطر هو التحالف مع تركيا، فإن المصلحة الإسرائيلية هي في تقليص دورها وتأثيرها في الساحة الفلسطينية، وتمثل تفضيلاً واضحاً لتعزيز نفوذ الإمارات. السؤال المفتوح هو، هل الإمارات لديها ليس فقط أدوات وتأثير وإنما أيضاً رغبة في استثمار موارد كبيرة في قطاع غزة.
من ناحية أُخرى، يمكن أن نفهم توجُّه قطر بطلب إلى الإدارة الأميركية لشراء طائرات أف-35، كما ذُكر مؤخراً، كجزء من المنافسة بينها وبين الإمارات، وأيضاً إشارة إلى الإدارة بشأن استعدادها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. الاستجابة الأميركية للطلب ستشكل تآكلاً إضافياً في التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وستسرّع سباق التسلح الإقليمي. يتعين على إسرائيل أن تنسق مواقفها مع الإدارة الأميركية في هذا السياق أيضاً، ولو أن معارضة بيع الطائرات إلى قطر ستضر بفرص التطبيع معها. من ناحية الإدارة الأميركية، سيتعين عليها أن تأخذ في حسابها أنه ما عدا الإضرار بالتفوق الإسرائيلي، فإن بيع الطائرات إلى قطر، ومحاولة تعميق تعاونها الأمني معها وتصنيفها كحليف أساسي غير عضو في الناتو، سيضر بعلاقاتها مع الإمارات، ومع السعودية.
بالنسبة إلى الساحة الفلسطينية، التأثير المستمر لقطر فيها معناه تعزيز المحور الراديكالي لـ»حماس» بقيادة إسماعيل هنية وصالح العاروري، بالإضافة إلى المحافظة على مكانة تركيا ونفوذها. تعزيز قوة هنية والعاروري وتطلُّعهما إلى تحقيق سيطرة «حماس» على الساحة الفلسطينية كلها، سيزيد من ضائقة يحيى السنوار في قطاع غزة، ويمكن أن يُترجم بتصعيد مقصود، ستقع في نهايته معركة عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، وربما سيؤدي ذلك إلى انهيار «حماس» ونشوء فراغ في الحكم بفرض سيطرة إسرائيلية في غياب احتمالات معقولة أُخرى.
بسب ضعف مكانة الإمارات في الساحة الفلسطينية، سواء بسبب عدم شعبيتها في قطاع غزة، أو بسبب مقت وخوف قيادة السلطة الفلسطينية و»فتح» في الضفة الغربية منها، وأيضاً بسبب تأييدها العلني لمحمد دحلان، ليس في إمكان أبو ظبي أن تحل محل الدوحة في المستقبل المنظور. في مثل هذا الواقع، تحتاج إسرائيل إلى خدمات الوساطة القطرية، وستواصل قطر استخدام ذلك لترسيخ مكانتها الإقليمية.
استمرار الاعتماد الإسرائيلي على قطر وتفضيلها كوسيط في الساحة الفلسطينية، إلى جانب استمرار العداء والمنافسة الاستراتيجية بين قطر والإمارات، أيضاً في ظروف رفع الحظر الخليجي عنها، سيضع إسرائيل في مواجهة صعبة إزاء الإمارات. ستجد إسرائيل نفسها داخل الصراع بين الدولتين رغماً عن إرادتها بسبب الظروف في الساحة الفلسطينية، وهو ما قد يؤذي العلاقات معهما.
السبيل الوحيد للخروج من الورطة هو خطوة إسرائيلية بغطاء إقليمي أميركي تؤدي إلى استئناف المفاوضات والعلاقات الثنائية مع السلطة الفلسطينية من جهة، ومن جهة ثانية إحراز تقدُّم بارز في تحقيق التسوية مع «حماس» في قطاع غزة بصورة تُمكّنها من الاستغناء عن مساعي الوساطة القطرية. بالإضافة إلى ذلك، الاستغناء عن مساعي الوساطة القطرية أو تقليصها بصورة كبيرة، سيُضعف المحور الراديكالي في «حماس»، وسيسمح بترسيخ جدول أعمال السنوار في قطاع غزة، ويُخرج تركيا من الساحة. ليس من المستبعد أن يؤدي تقليص نفوذ قطر في غزة أيضاً إلى إضعاف جبريل الرجوب ومعسكره، وأن يساهم في مرونة المعسكرات المتخاصمة في صفوف «فتح»، ويساعد في ترسيخ الاتفاقات التي تتعلق بتشكيل قيادة فلسطينية في اليوم التالي لعهد أبو مازن.

عن «مباط عال»

*باحثان في معهد دراسات الأمن القومي