تقسيم القدس.. وأيضاً تدميرها!

20151510233341
حجم الخط

بقلم: نير حسون

   شعور حالة الطوارئ والغضب الذي خيم فوق القدس أمس دفع رئيس البلدية والوزراء الى اعطاء اجابات. الاجابة الاولى كانت – اغلاق الاحياء العربية – وهي الاجابة الاسوأ. فليس من الصعب فقط الفصل بين شطري المدينة، وليس فقط لأن هذا اعتراف بعدم وحدة القدس، بل هذا اجراء سيكون مُدمر لشطري المدينة.
  حدثت في الاسابيع الاخيرة 12 عملية أو محاولة لعملية في القدس، معظمها كانت محاولات طعن انتهت بموت المخرب بعد أن يكون قد طعن مواطن أو شرطي. أمس كان اليوم الاكثر دموية – ثلاثة قتلى في عمليتين حدثتا في نفس الساعة. الجديد أمس كان استخدام مسدس في عملية ارمون هنتسيف. ويوجد احتمال أن يكون المخربون الثلاثة كانوا على صلة وتنسيق فيما بينهم. علاء أبو جمل، المخرب الذي قام بعملية الدهس في شارع ملوك اسرائيل هو جار لأحد المخربين في عملية ارمون هنتسيف، وهو ايضا إبن عم غسان وعُدي أبو جمل اللذان نفذا عملية الكنيس في هار نوف قبل سنة. لقد تم هدم منزل غسان في الاسبوع الماضي، لكن خلافا لما أراده مؤيدو هدم المنازل، فان ذلك لم يردع إبن عمهما من أن ينفذ عملية مشابهة. وسواء قصد ذلك أم لا، فانه حمل البلطة مثلهما، الامر الذي ما زال الجمهور الاسرائيلي يتذكره من مشاهد العملية في الكنيس.
     أمس استمر اتساع رقعة العمليات الى ما هو أبعد من البلدة القديمة. وكانت النتيجة تأثير دراماتيكي على روتين الحياة في القدس. فقد كانت الشوارع خالية والطائرات حلقت طول اليوم في السماء. جنود يركضون وهم يرفعون السلاح بسبب نبأ عن عملية اخرى، مارة يسألون فتى فلسطيني عن هويته وهو بدوره يتظاهر أنه يهودي، رجال شرطة يقومون بتفتيش فلسطيني بشكل عنيف وآخر يجبرونه على خلع ملابسه وحذائه. والشبكات الاجتماعية نقلت أنباء عن عمليات لم تحدث فعليا في القدس.
  مارك شتيرن، باحث في المعهد الاسرائيلي لابحاث اسرائيل، يبحث منذ فترة طويلة في موضوع العلاقة الاقتصادية بين شطري المدينة، وبالذات أنماط عمل الفلسطينيين غربي المدينة. وحسب تحليله فان نصف العمال يعملون في غربي المدينة أو في اماكن اخرى في اسرائيل. 35 ألف فلسطيني من شرقي المدينة يعملون في غربيها، أي أن 35 ألف عائلة ترتبط وتعتمد على العلاقة الاقتصادية بين شطري المدينة.
   إن تعلق واعتماد شرقي المدينة على غربيها أمر واضح، لكنه ليس أحادي الجانب. حسب شتيرن «نسبة العمال من شرقي المدينة في مجالات معينة يجعلهم بدون بديل، على الاقل ليس بشكل فوري». عمال القدس الشرقية يشكلون 75 بالمئة من عمال الفنادق في المدينة، 65 بالمئة من عمال البناء، 52 بالمئة في مجال المواصلات، 29 بالمئة في الصناعة و20 بالمئة في مجال الصحة والرفاه. وقد ارتفع في السنوات الاخيرة عدد العاملين في مجال المبيعات والخدمات. ومن هنا فان اغلاق شرقي المدينة سيتسبب بازمة اقتصادية فورية وصعبة في المدينة كلها.
 كل هذا بدون احتساب ابتعاد سكان القدس الشرقية عن المحلات في غرب المدينة. في صيف العام الماضي وفي اعقاب مقاطعة نصف رسمية لغرب المدينة، تحدثت المحلات في المجمع التجاري في المالحة عن تراجع بنسبة 15 بالمئة في المبيعات. شتيرن يقول ايضا إن معظم منفذي العمليات لم يكونوا يعملون في غرب المدينة، وعلاء أبو جمل الذي يعمل في غربي المدينة هو استثناء. في ساعات ما بعد الظهر تجمع في ميدان المدينة عشرات الشباب وهم يحملون الاعلام الاسرائيلية في مظاهرة تلقائية، وقد غنوا ورقصوا. وليس بعيدا من هناك تجول حريدي وهو يصرخ «الموت للعرب»، والقطار الخفيف كان فارغا في الاتجاهين.
  في شبكات اليمين المتطرف كتبت نصائح للتصرف: «عدم الوقوف بجانب عربي في أي حال من الاحوال. فمنذ اليوم كل عربي هو مخرب محتمل». لكن في داخل المقاهي والمطاعم والحوانيت في مركز المدينة استمر العمال العرب واليهود في العمل معا. يبدو أن العلاقة الاقتصادية والعلاقة الاجتماعية التي نشأت في القدس على مدى 48 سنة لن تنفصل في الزوبعة الحالية. من يريد سيجد في ذلك بقعة ضوء.

 عن «هآرتس»