«كورونا» في الشتاء العربي

حجم الخط

يقلم هاني عوكل

 

مثل «الكلب المسعور» يواصل فيروس «كورونا» الانتشار على نطاق واسع في العالم وحصد المزيد من الأرواح، وسط مخاوف من عدم قدرة الدول على مواجهته ومواجهة الآثار المترتبة عليه، ومع ارتفاع الصوت بشأن اتخاذ التدابير اللازمة لفرملة تقدمه خصوصاً في فصل الشتاء.
حتى هذه اللحظة تخطى عدد المصابين بالفيروس حاجز 41 مليون شخص حول العالم، وفي غضون شهر واحد فقط من منتصف أيلول الماضي إلى الشهر الجاري سجّلت إصابة 10 ملايين شخص، في حين تشير التقديرات إلى احتمالات تسجيل مليون إصابة كل ثلاثة أيام.
الإحصائيات الدولية تشير إلى تسجيل 10 ملايين مصاب منذ بداية «كوفيد - 19» في الصين أواخر العام 2019 وحتى منتصف شهر حزيران 2020، بينما قفز العدد إلى 20 مليون مصاب من التاريخ الأخير وحتى العاشر من آب الماضي. وفي غضون شهر من آب وحتى أيلول بلغ عدد المصابين حوالى 30 مليوناً.  
تفسير التسارع الملحوظ في عدد الإصابات مرتبط بعوامل كثيرة، أبرزها التأثيرات المناخية حيث دعت منظمة الصحة العالمية في مناسبات عدة إلى أخذ الحيطة والحذر بخصوص تفشي الجائحة في فصل الشتاء الذي ترتفع فيه معدلات الإصابة بعدوى الإنفلونزا الموسمية.
واحد من أهم الأسباب التي تبعث على القلق وتزيد من معدلات الإصابة بالفيروس، هو عدم التقيد بالإجراءات الصحية والوقائية وتحديداً الالتزام بارتداء الكمامة والبقاء على مسافة آمنة بين الشخص والآخر. هذا بطبيعة الحال إلى جانب التركيبة السكانية للدول والتفاوت العمري بين الأجناس.
لا تزال الولايات المتحدة الأميركية في طليعة الدول قياساً بعدد الإصابات، إذ سجلت ما يزيد على 8.2 مليون إصابة، بينما حلّت الهند الثانية في الترتيب من حيث عدد المصابين حوالى 7.6 مليون شخص، وأكثر من 5 ملايين مصاب في البرازيل و»الحبل على الجرار».
مع التصاعد الوبائي خصوصاً في أوروبا، يلحظ أن بعض الدول بدأت باتخاذ تدابير الإغلاق التي فرضتها من قبل إبان الموجة الأولى للجائحة، وثمة تفاوت في التدابير بين تلك الدول وكذلك اهتمام من حيث اعتماد إجراءات وممارسات جديدة لاحتواء نزيف الإصابات في القارة العجوز.
العالم العربي تأثر هو الآخر ببدايات الموجة الثانية للجائحة، حيث حلّ العراق في المرتبة 16 عالمياً من حيث عدد المصابين بالفيروس مسجلاً 438 ألف إصابة وهو الأعلى عربياً، وهناك دول كثيرة تُسجّل معدلات إصابة يومية عالية مثل الأردن وتونس وفلسطين والسعودية.
مع التركيز على الوطن العربي، ثمة فروقات كبيرة بين الحديث عن الولايات المتحدة وأوروبا والحديث عن الدول العربية في مسألة خطط احتواء «كورونا»، ذلك أن هذه الدول المتقدمة التي تأثرت بالتأكيد من فورات الإغلاق ومجموع التدابير لمنع انتشار الفيروس، تمتلك اقتصادات تمنعها من السقوط تماماً في الهاوية.
ليس المقصود بذلك الإجراءات الوقائية المتبعة لاحتواء الفيروس، لأن بعض الدول العربية تمتلك تجارب جيدة وواعدة في مكافحة الوباء، لكن الموضوع يتجاوز الإجراءات ومعايير السلامة الصحية إلى البنية الاقتصادية عموماً وفي القلب منها البنية التحتية الصحية.
غالبية الدول العربية انكمشت اقتصاداتها في خضم الجائحة وكذلك الحال بالنسبة للدول المتقدمة، لكن الفرق في الدعم الاقتصادي الذي توفره حكومات الدول الغربية للأسر المتأثرة بالفيروس، وثمة صناديق مستحدثة وتخصص لتخفيف التداعيات الاقتصادية على السكان.
والخشية أن يستوطن «كورونا» وينتشر بقوة في الدول العربية مع فصل الشتاء، لأنه حينذاك ستواجه الحكومات معوقات كثيرة من بينها اختبار أنظمتها الصحية وقدرتها على الصمود، والأهم المحرك الاقتصادي بما في ذلك الميزانية العامة وقدرتها على ضخ السيولة النقدية لتحريك عجلة الاقتصاد، والموازنة بين اتباع إجراءات صارمة للحفاظ على الصحة العامة وعدم فرض إغلاقات تؤثر على قطاع الأجور ومستقبل العمالة.
لقد حذرت منظمة الصحة العالمية من خطورة «كورونا» في فصل الشتاء، ما استدعى من بعض الدول الأوروبية تحويل مراكز ترفيهية وخدمية إلى صحية لاستيعاب أي زيادات في المصابين في أوقات الذروة والطوارئ، ولا بد للدول العربية أن تتحسب لأي كوارث تُخلّفها الجائحة.
ثم إن الحصول على اللقاح حسبما توفره الدول المتقدمة لن يكون متاحاً في القريب العاجل، وربما يحتاج الأمر إلى عام حتى يصل إلى المجتمعات العربية، وحينذاك ينبغي أن تكون هناك خطط للتعامل مع أزمة «كورونا» وتخفيف الفواتير الصحية والاقتصادية على الناس.
قد تأتي أيام صعبة لا تقل خطورة عن الموجة الأولى للجائحة، والأيام المقبلة تتطلب إجراءات مستعجلة للتخفيف على كاهل الناس اقتصادياً واجتماعياً وصحياً، ما يستدعي تقليل النفقات الحكومية في القضايا غير الضرورية، وفتح صندوق للطوارئ مخصص لخدمة القطاعين الصحي والاقتصادي.
أيضاً ثمة مسؤولية تقع على الناس في وعيهم إزاء خطورة «كورونا» وعدم التهاون مع آثاره، وهذا يستلزم التركيز على نمط الحياة الصحية والغذائية والرياضية، ويتزامن مع ذلك بطبيعة الحال الحرص على اتباع الإجراءات الوقائية التي تجنب التعرض للفيروس.
الشتاء على الأبواب واللقاح غير معلوم إن كان على الأبواب، والأمن الصحي هو في النهاية مسؤولية الجميع، وأي تهاون أو تقصير فيه سيؤدي إلى نتائج عكسية إن لم تكن صحية فلها توابع اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية، ووجب الاستعداد لهذه المرحلة.