فيروس كورونا... بين تخبط العالم وحتمية التعايش!!

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

مع تسجيل أرقام قياسية جديدة في أعداد الإصابات بفيروس كورونا خلال الأيام القليلة الماضية، يتضح التخبط والحيرة والغموض الذي يحياه العالم هذه الأيام، سواء أكان ذلك في الولايات المتحدة التي أصبحت تسجل أكثر من 70 ألف حالة في اليوم، وهو عدد في ازدياد أفقيا وعموديا، أو في أوروبا والهند والبرازيل وغالبية دول العالم، حيث تم تسجيل أكثر من 450 ألف إصابة في العالم في اليوم الواحد، وهذا العدد يزداد باطراد، ومن المتوقع أن يصل الى حوالي المليون إصابة في اليوم خلال فصل الشتاء القادم، أي خلال الأشهر القليلة القادمة، وما ينتج عن ذلك من عشرات الآلاف من الحالات التي تدخل المستشفيات ومن ثم غرف العناية المكثفة ومن ثم الربط بأجهزة التنفس الاصطناعي ومن ثم الوفاة، وربما انهيار القطاع الصحي في العديد من البلدان، ونحن في المنطقة وفي بلادنا لسنا بعيدين عن ذلك، حيث ما زلنا نسجل العديد من الوفيات ومئات الإصابات اليومية، والتي من الواضح أنها لا تفرق بين الكبير وبين الصغير.
وفي ظل هذا الواقع السوداوي، والتوقع بأوضاع أكثر حلكة خلال الأشهر القليلة القادمة، يتخبط العالم بين قرارات الإغلاق أو إجراءات القيود وبين احتمالات انهيار الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وبين إمكانية الوصول الى لقاح وبين عدم تقبل الناس لأخذ هذا اللقاح، وبالأخص ونحن نسمع هذه الأيام عن إيقاف شركات عالمية كبرى لأبحاث التوصل الى لقاح بسبب مرض أو وفاة متطوعين، وما زال العالم ونحن منهم، يتخبط بين مدى نجاعة إجراءات الوقاية ومدى التزام الناس بها، وبين واقع إصابة عدد كبير من الناس بالفيروس وبالتالي التوجه نحو ما بات يعرف بمناعة القطيع.
وفي ظل هذا التخبط والتقصي والمراجعة وتغيير السياسات وأصحاب القرار، وبناء على نتائج دراسات أو أبحاث جديدة، يتضح تدريجيا أن هذا الفيروس سوف يبقى بيننا ولفترة طويلة، وبأن الحديث عن لقاح سليم وفعال، هذا أن تم الوصول إليه، أو عن إجراءات أو قيود، لن تقضي على هذا الفيروس، وفي احسن الأحوال سوف تخفف منه ولفترة معينة، والذي من الواضح أنه سوف تكون هناك موجات أخرى، ثانية وثالثة ورابعة، وبأن الواقع سوف يفرض على العالم البحث عن أفضل الأوضاع والأحوال للتعايش معه وبأن ذلك سوف يكون الاستراتيجية الواقعية خلال المستقبل القريب والبعيد.
ومع توسع ظاهرة التفشي المجتمعي للفيروس في بلادنا وفي البلدان المحيطة بنا، أي انتقاله من تفشي البؤر الى تفشي المجتمع غير معروف البؤر، ومع العجز الكامل في منع مواصلة انتشاره، ومع تضاؤل الأمل والتفاؤل في إمكانية إنتاج لقاح سريعا، حيث ان افضل اللقاحات التي تعمل عليها شركات عملاقة، لم تنته بعد من المرحلة الثالثة للاختبارات بنجاح، وبالطبع هناك السلامة العامة وعملية الإنتاج والاهم تقبل الناس للقاح عند إنتاجه، ومع عدم وجود أدوية فعالة للتعامل مع تداعيات هذا الفيروس، فإن التخبط والعجز هو الواقع أمام هذا الفيروس، شئنا أم أبينا.
ومع القبول الشعبي والرسمي لواقع التعايش مع «كورونا»، سواء قريبا أو بعيدا، بدأ هذا الواقع ينطبق على بلادنا مع مئات الإصابات اليومية، ومع انتشار الفيروس في معظم المحافظات الفلسطينية وفي الداخل الفلسطيني، تبدو الأمور اعتيادية نوعا ما، وبعيدا عن الإغلاق الشامل، تسير الأمور التجارية والاقتصادية والاجتماعية بشكل شبه عادي. ومن الواضح أن واقع التعايش هذا سوف يستمر ويتم التعود عليه، سواء ازداد أو تناقص عدد الإصابات والوفيات، وما ينطبق على بلادنا، ينطبق على مناطق العالم المختلفة ومن ضمنها الولايات المتحدة وأوروبا، التي ورغم التصاعد المخيف في عدد الإصابات فيها، ما زالت الأمور فيها تسير بشكل شبه اعتيادي.
وفي ظل التعود على واقع التعايش مع «كورونا»، وبالتالي القبول التدريجي مع مرور الزمن به كأي فيروس آخر، والمطلوب هو تكاتف وتعاضد الناس في ظل التعايش، من أجل الخروج بأقل التكاليف والخسائر.
ومن الواضح وفي ظل هذا التخبط أن العالم وأمام هذا الواقع وإمكانية ظهور فيروسات أو أوبئة قد تكون اشد فتكا من الفيروس الحالي، تبرز الحاجة الملحة الى الاستثمار في القطاع الصحي وبشكل إستراتيجي، من حيث أولويته في الميزانية وتوفير كوادر بشرية وتوفير الأجهزة والمباني. والاهم الاستثمار بعيد المدى في وسائل التوعية الصحية والوصول الى الناس لإيصال المعلومة بدقة وأنظمة الرعاية الصحية الأولية القائمة وبشكل أساسي على مبدأ الوقاية وبالأخص من فيروسات مستقبلية قد تصيب البشرية بالعجز.