ماذا بعد جولات الحوار الأخيرة؟ وإلى أين؟

حجم الخط

بقلم ناصر صالح

 

 

 

 في 19/5/2020 اتخذت القيادة الفلسطينية قرارها «بالتحلل» من الالتزام بالإتفاقيات مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي «بما في ذلك الجانب الأمني».

جاء ذلك في إطار الرد المباشر على ولادة حكومة الثنائي نتنياهو- غانتس في إسرائيل في 17/5/2020، وإعلانها تبني خطة ضم ما يعادل ثلث الضفة الفلسطينية عملاً بما جاء في صفقة ترامب- نتنياهو، والتي شكل لأجلها لجان مشتركة أميركية – إسرائيلية لرسم خطوط الضم، والفصل بين مناطق «السيادة الإسرائيلية» وبين «مناطق الكيان الفلسطيني» الذي من المفترض، الاتفاق عليها في مفاوضات ثنائية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، برعاية أميركية.

في السياق الذي ولد فيه، شكل قرار «التحلل» خطوة ذات أهمية وطنية، نفتح الأفق نحو مرحلة سياسية في المجابهة الميدانية وفي المحافل الدولية، وتقود، عبر الخطوات التراكمية، إلى تجاوز اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس، والتحرر من قيودهما. غير أن هذا لا يلغي ضرورة التأكيد أن قرار «التحلل» حمل ثغرات مهمة لا يمكن تجاهلها:

أ) فهو، على سبيل المثال، جاء في سياق تكتيكي، محدود، لا يرتقي إلى مستوى المجابهة الاستراتيجية الوطنية الشاملة، وأبقى الباب موارباً، ولم يغلقه تماماً أمام العودة للعمل بالاتفاقيات والتزاماتها في لحظة سياسية ما، خاصة وأن السلطة الفلسطينية خاضت أكثر من تجربة فاشلة للتحلل من بروتوكول باريس، كتجربة أموال المقاصة، واستيراد العجول. وقد اضطرت في الحالتين التراجع عن خطواتها، بما ترتب على ذلك من سلبيات.

ب) وهو، في الوقت نفسه، لم يرتقِ إلى مستوى التحديات والتطورات السياسية، والعمل بقرارات المجلس الوطني- 2018 التي أعلنت عن انتهاء العمل بالمرحلة الانتقالية، بكل ما يتوجب عليها من التزامات، سياسية وأمنية، واقتصادية وغيرها، بما في ذلك تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس، ووقف بناء المستوطنات، ووقف التنسيق الأمني، والتحرر من بروتوكول باريس عبر الخروج من الغلاف الجمركي الذي جعل من الاقتصاد الفلسطيني جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الإسرائيلي، وتابعاً له.

ومع أن السلطة الفلسطينية أقدمت على خطوات عملية في وقف التنسيق الأمني، إلا أنها بقيت في إطار المراوحة في المكان، ولم تتقدم إلى الأمام، في خطوات جديدة، ترفع من سقف المواجهة والرد العملي والميداني على خطة الضم وتطبيقاتها.

في2/7/2020 شهدت القضية الفلسطينية حدثاً يمكن اعتباره مدخلاً لمرحلة جديدة في المواجهة الوطنية، وعلى طريق المصالحة وإنهاء الانقسام، دون أن يرتقي هذا التقدير إلى مستوى اليقين التام، أو أن تغادر سماءه موجات من الضباب.

فقد عقدت فتح وحماس، مؤتمراً صحفياً، مَثَّل فيه فتح جبريل الرجوب أمين سر لجنتها المركزية، ومَثَّل حماس نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري، أعلنا فيه دخول العلاقات بينهما إلى مرحلة جديدة في مواجهة سياسات صفقة القرن، والضم، واتخاذ الخطوات اللازمة للتقارب وإنهاء الانقسام.

وفي مطلع أيلول (سبتمبر) شهدت القضية الفلسطينية تطوراً ستكون له انعكاسات سلبية، حيث انتقلت العملية السياسية نحو محورها الاقليمي عبر خطوات التطبيع والشراكة بين دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي. تلا ذلك توقعات بالتحاق عدد من الدول العربية الأخرى بهذه الموجة الاقليمية.

 إنعقد في رام الله – بيروت اجتماع للأمناء العامين برئاسة الرئيس محمود عباس، صدرت عنه مخرجات مهمة في بيان ختامي (3/9) تلاه مباحثات ثنائية بين فتح وحماس، في اسطنبول، توصل فيها الطرفان إلى التفاهمات التالية:

1- الشراكة الوطنية الشاملة وانتخابات بالتمثيل النسبي الكامل تجري بالترابط والتتالي: الانتخابات التشريعية الرئاسية والمجلس الوطني.

2- يتم استكمال جميع المراحل خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر، تعتبر الجولة الأولى من انتخابات المجلس التشريعي هي ذاتها المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطني بصفة أعضاء التشريعي أعضاء تلقائيين في المجلس الوطني لمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

3-  يتم استكمال مراحل الانتخابات الرئاسية في ذات المدة، وطبقا للقانون، ويتم استكمال انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن، وبالتوافق حيثما تتعذر الانتخابات.

4-  الحوار الوطني الشامل: يتم تفعيل الحوار مباشرة مع الفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج، ويتم في هذا الإطار التوافق على استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام والشراكة الوطنية الكاملة.

5-  يتم عقد لقاء للأمناء العامين تحت رعاية الرئيس عباس في فترة أسبوع، ويعلن في هذا اللقاء ما تم الاتفاق عليه لبناء الشراكة الوطنية في كافة المسارات.

6-  يتم استكمال الحوار الثنائي بين فتح وحماس حول التفاصيل الضرورية لإنجاح المسار بعد إصدار المرسوم الرئاسي.

7-  المقاومة الشعبية والقيادة الوطنية الموحدة: تم الاتفاق على استكمال الهياكل بحيث تكون حاضرة وفاعلة في الضفة والشتات، وتضم كافة الهيئات ذات الصلة بهذا الاختصاص على أن يلتزم الجميع ببرنامج متفق عليه في إطار القيادة الوطنية الموحدة، ومرجعيتها الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.

8-  الرئيس عباس وبمبادرة منه بصفته، وموقعه، والتزاما لإنجاح المسارات الوطنية كافة، يتخذ ما يلزم من إجراءات تساهم في إنجاح الشراكة الوطنية.

أحيلت هذه التفاهمات إلى المراجع العليا في كل من الحركتين للمصادقة عليها، كما تولى وفد من اللجنة المركزية لفتح (جبريل الرجوب + روحي فتوح) عرض النتائج على الفصائل الفلسطينية في اجتماعات عقدت في رام الله، وفي دمشق، بُحثت فيها نتائج مباحثات اسطنبول، ومصير مخرجات اجتماع الأمناء العامين، والدعوة إلى حوار وطني شامل، يعقد في القاهرة للاتفاق على القضايا المدرجة على أجندة العمل الوطني.

السؤال: إلى ما انتهت إليه كل هذه التطورات، وماهي النتائج المتوقعة؟ النتائج التي توصل إليها اجتماع الأمناء العامين، فتحت الباب لأفق سياسي جديد، شروط توفر الإرادة السياسية، واقتران القول بالعمل، ما من شأنه أن يحدث نقلة في الحالة الوطنية الفلسطينية، لا تقف عند حدود كونها رداً على خطوات التطبيع والشراكة بين بعض العواصم العربية وإسرائيل، بل تفيض نحو نهوض وطني يستعيد أجواء الانتفاضات الفلسطينية، ويؤسس لانتفاضة أجمعت التقديرات على أنها آتية لا محالة. من هذه المخرجات وأهمها:

1- تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، في خطوة سياسية من شأنها أن تعيد استنهاض كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان، وأن تعيد استنهاض عناصر القوة في الحالة الجماهيرية الفلسطينية، في جناحي الوطن (48+67) وفي مناطق اللجوء والشتات، وأن تبعث إلى الحالة العربية بشقيها الرسمي والشعبي بالرسائل الضرورية، تؤكد استحالة تجاوز القضية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته السياسية القانونية والأخلاقية، وأن تعيد للقضية الفلسطينية طابعها الحقيقي باعتبارها قضية تحرر وطني لشعب تحت احتلال استعماري استيطاني.

2- تشكيل هيئة وطنية لإنجاز استراتيجية وطنية للمجابهة الشاملة، خلال خمسة أسابيع، تقدم لدورة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة الأمناء العامين. في خطوة فسرت على أنها تطوير لقرار القيادة الفلسطينية في 19/5/2020 بالتحلل من الاتفاقات والتفاهمات مع إسرائيل والولايات المتحدة، الذي توقف تطبيقه عند حدود وقف التنسيق الأمني. كما من مهام الوثيقة الوطنية وضع خطة لإنهاء الانقسام لاستعادة الوحدة الداخلية، وإعادة بناء الائتلاف الوطني على قاعدة الشراكة الوطنية في إطار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

3- اعتماد وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى 26/6/2006)، مرجعية سياسية لما تم التوافق عليه بما يعني العمل على تجاوز اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، والتزام البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي) أساساً سياسياً لاستعادة الوحدة الوطنية.

أما قضية الانتخابات فقد أتى البيان الختامي على ذكرها مرة واحدة في سياق تأكيده على مبدأ تداول السلطات بأسلوب ديمقراطي، بينما تمت الإشارة والتأكيد على مسألة المشاركة في 3 مواقع رئيسية في البيان. ومما لا شك فيه أن مخرجات اجتماع الأمناء العامين، أعطت فرصة وأملاً جديدين لإخراج الحالة الوطنية من أزمتها، واستعادتها لنسقها الوحدوي في المجابهة الوطنية، على المسارين المحلي (الاحتلال) والاقليمي(التطبيع) وبات الرهان في توفر الإرادة السياسية، خاصة لدى طرفي الإنقسام، فتح وحماس، في تطبيق ما تم التوصل إليه، خاصة وأن مجمل العملية، من الدعوة للاجتماع، إلى وضع آلية انعقاده، إلى صياغة بيانه الختامي، كانت حصيلة مشاورات ومباحثات فتح وحماس بشكل خاص، مما يلقي على عاتقهما المسؤولية الكبرى بالالتزام بالتنفيذ، كما يلقي على باقي الأطراف ممارسة الضغط السياسي والجماهيري لوضع ما تم التوافق عليه موضع التطبيق، بما يعيد ثقة الحالة الجماهيرية هذه المرة، وبشكل خاص، بجدية الفصائل الفلسطينية في إخراج القضية والحالة الوطنية من وضعها المأزوم.

(2)

 التطورات اللاحقة جاءت مخالفة للتوقعات ولما تم التوافق عليه؛ فقد صدر في (13/9/2020) وبشكل مفاجيء البيان رقم (1) باسم القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، دون أن تطلع عليه الفصائل الفلسطينية، وقبل أن تتشكل القيادة الموحدة نفسها. كذلك لم تتشكل الهيئة الوطنية المعنية بإنجاز الاستراتيجية الوطنية، رغم السقف الزمني المقرر لتشكيلها وإنجازها لمهامها، ما أوضح أن هذه المسألة أحيلت إلى التأجيل بتفاهم من الطرفين (فتح وحماس) وأن الوصول إلى استراتيجية وطنية لإنهاء الإنقسام ومواجهة صفقة القرن والضم والإحتلال والإستيطان، وكذلك عقد دورة خاصة المجلس المركزي بحضور الأمناء العامين، مازالت كلها مستبعدة.

في السياق نفسه، استمرت العلاقات الثنائية الميدانية بين رام الله وغزة على ماهي عليه. ولم تتقدم خطوة واحدة نحو انفراج ميداني، كوقف الملاحقات، وإطلاق سراح الموقوفين السياسيين، أو إلغاء الإجراءات العقابية للسلطة الفلسطينية بحق القطاع المحاصر.

حل محل هذا كله، لقاء ثنائي عقده الطرفان في اسطنبول (23-24/9/2020)، حضره عن فتح جبريل الرجوب وروحي فتوح من اللجنة المركزية لحركة فتح، وعن حماس، صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، وحسام بدران عضو المكتب السياسي. شارك في أحد الإجتماعات رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية، وصدر في ختام المباحثات بيان مقتضب تحدث عن توصل الطرفين إلى «رؤية» سيتم عرضها على مرجعية كل منهما وعلى الفصائل الفلسطينية. قام بعدها وفد فتح بزيارة لافتة للنظر إلى العاصمة القطرية الدوحة، التقى خلالها الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، وعزت الرشق العضو في المكتب السياسي. ثم زيارة إلى القاهرة ثم عمان  لعرض النتائج على الجانبين المصري والأردني

(3)

 قبل التوقف أمام نتائج مباحثات اسطنبول، لا بد من السؤال: لماذا اسطنبول، ثم الدوحة، ثم القاهرة، ثم عمان. ثم أخيراً الفصائل الفلسطينية، في رام الله، وبعدها في دمشق؟

مما لا شك فيه أن الخطوة الإماراتية، وبعدها البحرانية، (ولاحقاً، لكن وفي سياق آخر الخطوة السودانية) نحو التطبيع والشراكة  مع إسرائيل أحدثت اختلالاً في العلاقات الإقليمية بشكل عام، والعلاقات العربية – الفلسطينية بشكل خاص. فقد كانت القاهرة، المعنية بالملف الفلسطيني بتكليف من جامعة الدول العربية أول المرحبين بخطوات التطبيع، ما ترك أثراً لدى قيادة السلطة الفلسطينية، مع اعتبار خاص لخصوصية علاقة فتح بالإمارات التي تشكل حاضنة لمحمد دحلان، والتيار الذي يمثل. وبالتالي فقد حصل تباعد (ولو في جانبه النفسي) بين رام الله والقاهرة. هذا من جهة.

من جهة أخرى، لا يمكن القول إن الأجواء بين القاهرة وحماس، صافية إلى الحد المقبول للتعاون بين الإثنين، خاصة في ظل انفتاح حماس على الدوحة وعلى أنقرة، وعلى طهران وتوتر مع الرياض، في توازنات إقليمية، لا تنظر إليها القاهرة بعين الإرتياح.

ومع ذلك حاولت فتح أن تبرر خطوتها نحو تركيا أنها رغبة منها في حوار ثنائي مع حماس، دون طرف ثالث من خارج الحالة الفلسطينية، في استكمال لخطوات اللقاءات الثنائية المباشرة من غير وسيط عربي. تضيف فتح أن اللقاء حصل في القنصلية الفلسطينية، أي «على أرض فلسطينية» ودون وسيط تركي.

 أما لقاء الدوحة، فكان تقديراً من وفد فتح لواقع الحال في حركة حماس، التي تقف أمام استحقاق مؤتمرها العام مطلع العام القادم، وبذلك تود فتح أن تكون على خط الإتصال مع حماس بكل اتجاهاتها.

أما اللقاء في عمان، فهو ضرورة لا يمكن للسلطة أن تتجاوزها. قعمان هي بوابة الضفة الفلسطينية إلى الخارج، وهي «الشريك» الرئيس للسلطة الفلسطينية من بوابات قضية اللاجئين ومصير القدس والأقصى وباقي المقدسات في القدس، فضلاً عن «الشراكة» الموضوعية في الموقف من صفقة ترامب - نتنياهو، التي أحدثت قلقاً عميقاً لدى عمان، دفعت بالمراجع السياسية للكشف علناً عن تحفظاتها عليها، خاصة خطط الضم وتطبيقاتها وتداعياتها على موقع الأردن في التسوية، دون أن نتجاهل ما لخطوات الشراكة الإماراتية - البحرانية مع إسرائيل، من تداعيات على الدور الإقليمي للأردن في إطار العلاقات العربية – الإسرائيلية والصراع في الشرق الأوسط

(4)

 ماذا أسفرت عنه حوارات اسطنبول، وتداعياتها على القضية والحالة الوطنية الفلسطينية؟

كما بات معلوماً فقد انعقدت حوارات اسطنبول وفق مبدأ «أن الإنتخابات هي المدخل لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية». وهو المبدأ الذي تكرر الحديث عنه في جولات الحوار الوطني الشامل في القاهرة، خاصة عام 2017، وفي بيانات فصائل العمل الوطني، وعلى قاعدة أن الإنتخابات استحقاق ديمقراطي من شأنه أن يعيد توحيد المؤسسة الوطنية وفقاً لميزان القوى، كما ترسمه الإنحيازات الشعبية عبر صندوق الإقتراع.

 إستناداً لذلك توافق الطرفان على النقاط التالية:

 تجري الإنتخابات لنظام التمثيل النسبي الكامل، للمجلسين التشريعي والوطني.

 تجري إنتخابات المجلس التشريعي والرئاسي والمجلس الوطني بالتتالي والترابط خلال ستة أشهر وحسب القانون.

 إنتخابات المجلس التشريعي هي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني.

 عقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في حوار وطني لإبلاغهم بالنتائج.

 إصدار المرسوم الرئاسي بالدعوة للانتخابات يتلوه إجتماع الأمناء العامين.

 التأكيد على المقاومة الشعبية وفق ما تم الإتفاق عليه في اجتماع الأمناء العامين، ووفقاً للبيان رقم (1) للقيادة الوطنية الموحدة.

 الأساس السياسي للإتفاق هو وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) في 26/6/2006.

دون إسقاط الملاحظة الرئيسية أن الطرفين تجاوزا  ما تم الإتفاق عليه في اجتماع الأمناء العامين، وذهبا منفردين إلى اعتبار أن الإنتخابات هي المدخل للمرحلة السياسية الجديدة، ما يقود إلى تأجيل العمل بقرارات الأمناء العامين. ومع ذلك فإن ما توصلا إليه في اسطنبول كاتفاق وكنص يستحق الإهتمام ويشكل خطوة إلى الأمام في قضية إعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية:

 فالإتفاق على نظام التمثيل النسبي الكامل، خطوة إلى الأمام، خلالها تجاوزت حماس ما كانت تدعو له في الحوارات السابقة، في تمسكها بالنظام المختلط في إنتخابات المجلس التشريعي (75% نظام تمثيل نسبي + 25% فردي). وبذلك تكون الحالة الوطنية قد توحدت حول نظام إنتخابي موحد، لجميع المؤسسات التشريعية ومن بعدها المحلية والبلدية، والنقابية وغيرها.

 التأكيد على الإنتخابات «حسب القانون»، يحمل في ثناياه التأكيد على أن تكون نسبة الحسم 1.5% وفقاً لقانون الإنتخابات للعام 2007. وهي النسبة التي توافقت عليها الإجتماعات التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت وعمان.

 التأكيد على الترابط والتتالي للإنتخابات الشاملة وخلال ستة أشهر، ما يعني بالضرورة أن يصدر مرسوم واحد، يجمع بين إنتخابات المجلس التشريعي، والرئاسي، ثم يتلو ذلك البحث في كيفية استكمال إنتخاب المجلس الوطني.

 النص على أن المجلس التشريعي هو المرحلة الأولى للمجلس الوطني يعيد التأكيد على أن أعضاء المجلس التشريعي هم أعضاء طبيعيون في المجلس الوطني.

 اعتماد وثيقة الوفاق الوطني أساساً سياسياً للإتفاق، يقود إلى تجاوز إتفاق أوسلو وبروتوكول باريس وقيودهما، وإلى تطوير العمل بالقرار 19/5/2020.

(5)

ما سبق لا يلغي ضرورة تسجيل الملاحظات التالية:

1- أنه في الوقت الذي كان فيه وفد فتح مازال يجول على العواصم العربية وقبل أن تجتمع اللجنة المركزية لفتح، والمكتب السياسي لحماس، لإجازة الإتفاق [كما نصت عليه مخرجات اسطنبول]، صدرت من رام الله دعوة عاجلة لعقد الإجتماع الثاني للأمناء العامين (3/10/2020)، ما أحدث بلبلة إلى أن تمّ أخيراً نفي الدعوة، ما أشار إلى إرتباك لدى أحد طرفي الإتفاق. وأعاد للأذهان الإرتباك الذي رافق صدور البيان رقم (1) للقيادة الوطنية الموحدة.

2- أنه صدرت عن الطرفين تصريحات غير رسمية تشكك في أهمية حوار اسطنبول وجدواه، ومدى نجاحه. ما أشرّ إلى وجود تباينات داخل كل من قيادتي الطرفين.

3- أن اللجنة المركزية لحركة فتح أصدرت في ختام اجتماعها (1/10/2020) بياناً أعلنت فيه موافقتها الواضحة والصريحة، على مخرجات استانبول وكلفت لجنة ثلاثية (جبريل الرجوب، روحي فتوح، عزام الأحمد) مواصلة الإتصال مع الفصائل لعرض ما تمّ التوصل إليه، تحضيراً للخطوات اللاحقة.

4- أن المكتب السياسي لحماس اكتفى بأن «بارك» الإتفاق [ما يعتبر أدنى من «الموافقة»]، داعياً إلى البت به في حوار للفصائل الفلسطينية، علماً أن الاتفاق نفسه ينص على عقد اجتماع الفصائل بعد صدور مرسوم الانتخابات ما أشر، منذ البداية أن اتفاق اسطنبول معرض لتفسيرات متباينة قد تؤدي إلى تجميد العمل به، وربما إلى نسفه.

وبناء عليه، أجرت حماس إتصالات هاتفية مع الفصائل الفلسطينية شرحت فيها موقفها، بينما تولى وفد فتح الثنائي (الرجوب + فتوح) عرض الإتفاق على الفصائل الفلسطينية في رام الله، ومن ثم في دمشق؛ ما شكل فرصة اعتبرت مقدمة وتحضيراً لحوار وطني شامل باتت الحالة الوطنية بحاجة ماسة إليه لبحث العديد من القضايا الجوهرية التي لم يعد بالإمكان تأجيل البت بها.

(6)

 في دمشق عقد وفد فتح لقاءات ثنائية مع أطراف م.ت.ف (الديمقراطية، الشعبية، والصاعقة، القيادة العامة) ثم لاحقاً مع الأمين العام لحركة الجهاد زياد نخالة. ماعدا الجبهة الديمقراطية التي أكدت مشاركتها في انتخابات المجلسين التشريعي والوطني في إعادة بناء مؤسسات م.ت.ف، فإن الأطراف الأخرى أوضحت أنها مازالت تدرس نتائج أعمال اسطنبول، وأنها لم تتخذ بشأنها قراراً نهائياً، وإن كانت قد أجمعت في الوقت نفسه، على موافقتها على المشاركة في المجلس الوطني، وعدم المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي، حتى لو تم اعتباره خطوة أولى في عملية إنتخاب الوطني. وفي هذا الإطار دعا البعض (الشعبية على سبيل المثال) إلى الفصل بين التشريعي والوطني، أي إلغاء عضوية التشريعي في الوطني، نظراً لكون التشريعي، كما تقول الجبهة الشعبية، «واحداً من إفرازات أوسلو»، وقرارها مقاطعة كل ما هو من إفرازات أوسلو.

وبغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها جولة وفد فتح في دمشق، إلا أنها شكلت خطوة ضرورية ومهمة، فقد كانت فرصة للنقاش والحوار وتوضيح المواقف، وإحداث بعض التقارب، وبناء بعض الإيجابيات. فالحوار، هو على الدوام، الوسيلة الفضلى لتبادل وجهات النظر، وتوضيحها والبحث عن نقاط التقاطع، وتظهير نقاط الاختلاف، وتوضيحها في سياقها الوطني السليم.

 ما قدمه وفد فتح كان واضحاً إذ أكد في سياق شرحه ما يلي:

1- إن حركتي فتح وحماس ليستا في معرض تحركات تكتيكية بل هما تنطلقان من رؤية سياسية استراتيجية لتطور الأوضاع الفلسطينية والاقليمية والدولية، وبالتالي لا مفر أمام الحركتين، وعموم الحالة الوطنية، إلا إنهاء الانقسام، وإستعادة الوحدة الداخلية، وترتيب البيت الفلسطيني ولو تطلب ذلك تنازلات من الطرفين.

2- إن الدعوة للانتخابات الشاملة، وفق ما تم التوافق عليه دعوة جادة، لأنها تلبي أكثر من هدف، ومنها تلبية الدعوات الأوروبية والصديقة، لاستعادة شرعية المؤسسات الوطنية عبر الانتخابات، خاصة المجلس التشريعي، ومن بينها أيضاً أن الانتخابات حق دستوري يتوجب على الجميع تلبيته، وكذلك المدخل لإعادة بناء المؤسسات، وفق القوانين المرعية، بما في ذلك إعادة ترميم النظام السياسي الفلسطيني، وبحيث تكون م.ت.ف هي الإطار الوطني التوحيدي، لكافة القوى دون استثناء، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. لذلك لا فيتو على أحد في المشاركة في الانتخابات، عدا ما ينص عليه القانون (في إشارة واضحة إلى محمد دحلان).

3- إن القيادة الفلسطينية (الرئيس عباس) اتخذت قراراً استراتيجياً لا عودة عنه. وبالتالي لا تراجع عما قررناه أياً كانت نتائج الانتخابات الأميركية، لأنها تدرك أن إسرائيل لن تتراجع عن مشاريعها الاستعمارية في الضم وغيره.

4- الدعوة للانتخابات هذه المرة لن تكون تحت سقف أوسلو. فقد اتخذ المجلس الوطني سلسلة قرارات تقود إلى التحرر والتحلل من أوسلو، وكذلك القرار 19/5 التحلل من الاتفاقات. كما إن وثيقة الوفاق الوطني هي الأساس السياسي للانتخابات وعندما يتشكل المجلس التشريعي، سيكون بالضرورة سيد نفسه، وله صلاحيات اتخاذ من يراه مناسباً بشأن الموقف من اتفاق أوسلو.

5- الانتخابات لن تقوم على المغالبة بين فتح وحماس، ولا بين الحركتين وباقي الفصائل، بل على المشاركة، والخيارات مفتوحة لتشكيل اللوائح الانتخابية، حتى وصولاً إلى لائحة وطنية واحدة للجميع.

6- ثمة ضغوط إقليمية لعدم انتخاب مجلس تشريعي جديد، والاكتفاء بالمجلس الوطني. حتى لا تدخل حماس تحت سقف الشرعية الفلسطينية على مستوى السلطة. نحن في فتح بحاجة لتجديد الشرعية، وحماس أيضاً تحتاج إلى غطاء الشرعية في ظل التطورات الاقليمية وبما يرسم مخرجاً لأزماتها في إدارة شؤون القطاع.

7- أخيراً وليس آخرا،ً لا انتخابات بدون القدس. وسنخوض معاً معركة القدس من بوابة الانتخابات، وهناك أكثر من حل للالتفاف على محاولات الاحتلال منع أبناء القدس من الاقتراع داخل القدس، وهو ما يتم بحثه حالياً مع بعض دول الاتحاد الأوروبي.

وتم التوافق على نقل كل القضايا التي أثيرت في اللقاءات الثنائية، ثم في اجتماع عام للفصائل الخمسة ووفد فتح، إلى طاولة الحوار الوطني، التي كان يفترض أن تعقد في القاهرة خلال أيام لا تتجاوز الأسبوعين كحد أقصى يصدر قبلها مرسوم الانتخابات. وقد اعتبرت محطة الحوار الشامل فرصة غنية، باتت تتطلبها الحالة الوطنية لإجلاء الغموض حول القضايا العالقة، ورسم تفاهمات وتوافقات تتطلبها المرحلة الجديدة

(7)

 لكن ما تلا زيارة دمشق من تطورات كان لافتاً للنظر، زار موسكو وفد من قيادة حركة حماس التقى المسؤولين في وزارة الخارجية، أكد بعدها الوفد أن العاصمة الروسية على استعداد لاستقبال اجتماع الأمناء العامين، بعدها أدلى سفير فلسطين في موسكو بتصريح أوضح فيه أن موسكو تشترط لاستقبال الأمناء العامين أن يتفقوا مسبقاً، وأن الدعوة رهن بانزياح جائحة كورونا، وأن لا اشارات لدعوة قريبة قبل نهاية العام الحالي. وقد فهم من التصريح أن القاهرة، وفقاً لفتح، ستبقى هي محطة التفاهم والتوافق قبل الذهاب إلى موسكو.

مضى وقت كافِ على لقاءات دمشق، وعودة وفد فتح إلى رام الله، دون الاقدام على خطوات عملية. وترافق ذلك مع سلسلة تقارير تتحدث عن عدم تفاهم الطرفين، فتح وحماس، على مكان عقد الحوار الوطني الشامل واجتماع الأمناء العامين، فضلاً عن صدور إشارات إلى قضايا أخرى مازالت معلقة، واسهمت في تبديد جزءاً مهماً من موجة التفاؤل التي رافقت اللقاءات في دمشق ورام الله، لا سيما أنها ترافقت أيضاً مع إشارات لحالات متقدمة في الصف القيادي لفتح وأوضحت أن موجى عارمة من التشكيك بنتائج اسطنبول عبر عنها أعضاء في المجلس الثوري والمجلس الاستشاري (13/11/2020). وإلى هذا نضيف: رسائلصوتية لمسؤولين كبار في حماس، تشرح ما جرى في اسطنبول، وتدافع عنه باعتباره خطوات مهمة، وتدعو لموقف ايجابي منه، وكأن الحركة تعيش حالة جدل وخلاف بين اطرافها، في تقييم ما أسفر عنه اجتماع استانبول.

 تحدثت وسائل الاعلام عن زيارة مفاجئة إلى رام الله لمديري جهازي المخابرات العامة في مصر والأردن، التقيا فيها الرئيس محمود عباس، دون توضيح لما دار خلف الجدران. ما أعاد للأذهان أقوال جبريل الرجوب في دمشق أن رام الله تتعرض لضغوط لعدم تنظيم انتخاب مجلس تشريعي جديد تشارك فيه حركة حماس، وأن أطرافاً اقليمية تصمت بالتمهل لما بعد الانتخابات الأميركية.

زار رام الله (10/10/2020) رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رون لاودر، والتقى الرئيس محمود عباس في اجتماع دام بينهما أربع ساعات، عرض فيه رجل الأعمال المخضرم على الرئيس محمود عباس استئناف المفاوضات الثنائية. علماً أن الرئيس عباس كان في كلمته أمام الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا الأمين العام للمنظمة الدولية التحضير لعقد مؤتمر دولي للقضية الفلسطينية مطلع العام القادم، كما أوضح مندوب فلسطين في الأمم المتحدة أن اللجان الست التابعة لمجلس الأمن شرعت في دراسة الطلب الفلسطيني.(لاحقاً عقد مجلس الأمن جولة مفتوحة تداول فيها أعضاؤه بحضور فلسطين وإسرائيل بالدعوة لمؤتمر دولي مع مطلع العام الجديد).

 أجرت حركة حماس اتصالات بعدد من الأطراف الفلسطينية أعلنت فيها تراجعها عن آلية الإنتخابات، كما تمّ التوافق عليها في استانبول، وأن موقفها الجديد يدعو لإنتخابات «بالتزامن» تجمع بين المجلسين التشريعي والوطني في عملية اقتراع واحدة.

بدوره، وفي حديث تلفزيوني، شكا جبريل الرجوب من محاولات البعض وضع العصي في الدواليب، وتعطيل ما تمّ الإتفاق عليه في تركيا، ونسف الإتفاق حول الإنتخابات، مشدداً على تمسك فتح بموقفها كما ورد في بيان لجنتها المركزية، مشدداً على أن اتفاق أوسلو لن يكون الأساس السياسي للإنتخابات، وأن وثيقة الوفاق الوطني هي الأساس البديل.

 أسهمت هذه التطورات والتصريحات وغيرها في رسم علامات استفهام في الأجواء الفلسطينية، بغض النظر عن صحة ما جرى تسريبه، وعن حقيقة ما دار خلف الجدران، وعن طبيعة التصريحات وما تحمله من رسائل، الأمر الذي يدعو للتساؤل الجاد: هل وصلت نتائج اجتماع الأمناء العامين، وبعدها نتائج لقاء اسطنبول إلى الطريق المسدود، أم أنها مجرد عوائق، كانت متوقعة. وهل هناك سبيل آخر لإخراج الحالة الفلسطينية من أزماتها سوى الحوار والتقارب ورسم الخطوات المشتركة، مساحة التلاقي، وبالمقابل ما هو حجم خلافاتها، وماهي المخارج الممكنة والمتاحة؟

(8)

 قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من العودة للتأكيد على أن القضية الفلسطينية، بتعقيداتها وتشعباتها وتعدد ملفاتها، ما زالت هي القضية المحورية في الإقليم وأن أية تطورات تشهدها هذه القضية لا بد أن يكون لها صداها في المحافل الإقليمية والدولية، وردود الفعل المختلفة، التي تأخذ أشكالاً متعددة في التعبير عن ذلك، بما فيه محاولات التدخل المباشر في رسم المسار الفلسطيني أو تعديله، بما يخدم مصالح هذا الطرف أو ذاك، خاصة في ظل أوضاع فلسطينية منقسمة على ذاتها، أفسحت في المجال لأطراف عدة للتدخل في الشأن الفلسطيني من موقعها الإقليمي، وحفاظاً على مصالحها، وبحيث لا تخرج القضية الفلسطينية عن المسار الذي ترى أنه الأكثر ملاءمة لمصالحها الإقليمية، بغض النظر عن مدى الضرر الذي  يمكن أن يلحقه هذا التدخل بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني وبحقوقه المشروعة.

فضلاً عن ذلك، لا بد من التأكيد أن ما جرى في بيروت ورام الله واسطنبول، هي محاولة فلسطينية جديدة لرأب الصدع والتشققات والإنقسامات في الحالة الوطنية، جاءت في سياق رد الفعل على تطورات إقليمية عمقت من مأزق القضية الوطنية ومأزق الطرفين الرئيسيين فيها، فتح وحماس، من موقعهما في إدارة سلطتين، تتنافسان في المصالح، وتلتقيان، بالمقابل، عند مطلب «إمتلاك الشرعية» في المعادلات السياسية العربية والإقليمية وحتى الدولية.

 لذلك لا يمكن قراءة ما حدث، وما يمكن الإستخلاص منه، وما يمكن أن نرسمه لاستكمال مساره إلا في هذا السياق. مع التأكيد في الوقت نفسه أن هذا المسار، الذي انطلق في 2/7/2020 بين فتح وحماس، وقبله في 19/5/2020 على مستوى القيادة الفلسطينية، أياً كانت ثغراته، وعلامات ضعفه، وأياً كانت النواقص التي يشكو منها، فإنه في الوقت نفسه، يشكل خطوة إلى الأمام لأنه، وبناء على معطيات الواقع السياسي الفلسطيني، في بناه التنظيمية والسياسية وعلاقاته الإقليمية والدولية، يشكل المسار الممكن الذي لم تتوفر له بدائل أفضل، وبالتالي هو المسار الذي يتوجب البحث في كيفية إخراجه من تعقيداته، ومنحه قوة دفع إلى الأمام، تمكنه من الإنطلاق بسهولة أكثر نحو الأهداف الوطنية المرسومة.

في هذا السياق، يمكن لنا أن نسجل العديد من نقاط التوافق التي تمّ التوصل إليها، إن في اجتماع الأمناء العامين، أو في لقاء اسطنبول، ومنها:

أولاً- بما يتعلق باجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020

 إنعقاد صيغة الأمناء العامين، برئاسة الرئيس عباس، كمرجعية سياسية عليا، معنية بالقرار السياسي. وهي الصيغة التي تشكل الوجه الآخر للإطار القيادي الموحد، والواجب التمسك بها، والعمل على تطويرها، من خلال تطوير صيغ التحضير لإجتماعاتها والتوافق المسبق على مخرجاتها.

 التوافق على تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، وضرورة العمل على تعريفها برنامجياً وتنظيمياً، ووضع آليات عمليها، بامتداداتها  في المناطق المحتلة وفي مناطق اللجوء والشتات، لاستنهاض الحالة الشعبية في المواجهة الميدانية للمشروع الأميركي – الإسرائيلي،  وفي مواجهة خطوات الإنحدار نحو التطبيع والشراكة مع دولة الإحتلال. وكذلك تشكيل الهيئة الوطنية لإنجاز الإستراتيجية الوطنية لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية، والمجابهة  الشاملة للإحتلال والتحالف الأميركي الإسرائيلي وصفقة ترامب – نتنياهو، ومخطط الضم، ودحر الإحتلال.

 الأساس السياسي للتوافق الوطني هو وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى)، ما يتطلب تطوير العمل بقرار 19/5 ووضع قرارات المجلس الوطني الأخير موضع التنفيذ، بما يقود إلى تجاوز إتفاق أوسلو والتحرر من قيوده، وإعادة صياغة المهام النضالية الجديدة للسلطة الفلسطينية والحفاظ عليها، في هذا السياق، مكسباً وطنياً معنياً بتوفير عناصر الصمود والثبات للفلسطينيين في المناطق المحتلة، مع إعفائها من المهام المزدوجة مع م.ت.ف، خاصة في القضايا السياسية والمالية وسواها.

 إعادة بناء مؤسسات م.ت.ف، على أسس الإئتلاف والشراكة الوطنية، بالتوافق الوطني، بما يعزز الموقع السياسي والتمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الإطار الجامع للقوى والفصائل الفلسطينية كافة، وممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وإعادة تسليح لجنتها التنفيذية بالدوائر التي تضمن تفعيل دورها السياسي (الدائرة السياسية) وتضمن كذلك توطيد علاقاتها مع الحالة الشعبية (دوائر اللاجئين والمغتربين) وتشكيل مجلس إدارة مستقل للصندوق القومي، يكون رئيسه، المنتخب مباشرة من المجلس الوطني عضواً في اللجنة التنفيذية.

ثانياً: بما يتعلق بتفاهمات فتح – حماس في اسطنبول

 نحن أمام اتفاق ثنائي أطلقتا عليه تسمية «خارطة طريق»  لتنفيذ مخرجات 3/9 (اجتماع الأمناء العامين). لكن في واقع الأمر لقد تجاوزت هذه «الخارطة»، وأهملت عدداً من مخرجات 3/9. ومع ذلك ولكون «الخطة» هي ثمرة تفاهم بين الطرفين الأقوى، ولكل منهما سلطة خاصة به على الأرض، فلا يمكننا تجاهلها، أو إدارة الظهر لها، لأنها «الخطة» الوحيدة المطروحة على جدول الأعمال. علماً أن صياغتها تمت بما يستجيب للأولويات كما ترسمها المتطلبات السياسية لكل من السلطتين (السلطة الفلسطينية في رام الله، وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة)، والمتمثلة في الفوز بتجديد شرعية كل منهما، في المعادلات السياسية.

ما يمكن أن تحققه الفصائل والقوى التي لم تشارك في «الخارطة»، والمطالبة بالتفاعل معها، هو أن تتدخل وتضغط لإعادة صياغة بعض بنودها، وتعديل آليات تطبيقها، بما يرتقى إلى مستوى التحديات الوطنية. من بين هذه الخطوات التي من الممكن العمل عليها:

 اختصار الفترة الزمنية المقترحة لتنظيم الإنتخابات، خاصة تلك التي تفصل بين انتخاب التشريعي واستكمال «الوطني».

 الجمع بين أكثر من مسار، في الوقت الواحد، كالجمع بين التحضير للإنتخابات، والشروع في تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، وتسليحها بالبرنامج الموحد، وآليات العمل الضرورية. وكذلك تشكيل الهيئة الوطنية لإنجاز الإستراتيجية الوطنية، وكل ذلك عملاً بقرارات 3/9/2020.

 الربط بين إصدار مرسوم الإنتخابات الشاملة، وبين الدعوة للحوار الوطني الشامل، لوضع الأسس المتينة لمباديء الشراكة الوطنية في المؤسسة وفي الميدان. بما في ذلك الدفع بآليات تطوير قرار 19/5 وقرارات المجلس الوطني، لتجاوز اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس والتحرر من قيودهما، وبلورة الصيغة الوطنية للسلطة الفلسطينية، وخطط إصلاح أوضاع م.ت.ف.

 .. وأخيراً، وليس آخراً: ماذا بعد، والحالة الفلسطينية إلى أين، وما هو مصير قرارات 19/5، ومخرجات اجتماع الأمناء العامين وتفاهمات اسطنبول وهل سيكون مصيرها، مصير التوافقات السابقة أم أنها ستتجاوز هذه المرة، وفي ظل إرادة سياسية وطنية جامعة، العقبات نحو مرحلة جديدة؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل لا بد أن نلاحظ أن العالم كله يقف الآن على ساق واحدة، بانتظار الانتخابات الأميركية في 3/11/2020 وما سوف تحمله من تداعيات كبرى، أياً كانت نتائجها.

ومن الطبيعي الإقرار أن الحالة الفلسطينية، بكل مكوناتها هي في مقدمة الأطراف المترقبة لنتائج الانتخابات في واشنطن، لما ستعكسه من على السياسة الأميركية في المنطقة، إما تواصلاً مع ما سبق، في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أو تغييرات مازالت حدودها غامضة، في حال حل محله جو بايدن.

بناء عليه، من الحكمة السياسية أن نؤجل البحث في الإجابة على تساؤلنا أعلاه، دون أن نتجاهل ما يصدر عن بعض ممثلي فتح وحماس من تصريحات لا ترقى إلى كونها رسمية لكنها، في الوقت نفسه، تحمل إشارات سياسية تبعث على شيء من القلق السياسي.