-خبر-كتب:هاني حبيب
18 تشرين الأول 2015
«الحماية الدولية» كانت مطلباً فلسطينياً دائماً عبر الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية، هذا المطلب كان يتجدد إثر كل عدوان أو حرب تشنه دولة العدوان الإسرائيلية على الفلسطينيين، لكنه أخذ بعداً أكثر جدية مع خطاب الرئيس أبو مازن قبل أسابيع قليلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تجدد أول من أمس عندما طالب مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور في كلمته الأمم المتحدة بنشر قوة حماية دولية في القدس الشرقية المحتلة، بهدف وقف «العنف» هناك، وكما كان متوقعاً فقد رفضت إسرائيل عبر كلمة مندوبها في الأمم المتحدة، بحث هذه المسألة من الأساس، علماً أن تحقيق هذا المطلب بحاجة إلى شرطين، موافقة الأطراف المعنية: إسرائيل ودولة فلسطين، وقرار من مجلس الأمن، ما يجعل هذا المطلب مجرد جزء من الحرب الدبلوماسية أكثر منه مطلباً يمكن تحقيقه في ظل ميزان القوى السياسية القائم.
وفي اطار الحرب الدبلوماسية هذه، يمكن ملاحظة ما تحدث به رئيس مجلس الأمن، المندوب الإسباني روبان اوبازون مارشيسي منتقداً «الاستخدام المفرط للقوة» رغم أنه لم يسم إسرائيل أي أن الدولة العبرية التقطت حديثه وعلقت عليه، خاصة أنه ربط بين «العنف» في القدس، والعقبات أمام حل الدولتين، لكن المندوب الروسي كان أكثر وضوحاً عندما حمّل إسرائيل مسؤولية ما يجري في القدس المحتلة، بينما أكد المندوب الفرنسي في مجلس الأمن على أن الاستيطان يهدد أي حل للقضية الفلسطينية، نشير إلى هذه التصريحات لنصل إلى الموقف الأميركي، الذي كان أيضاً أكثر وضوحاً بعد تراجعه عن تصريحات سبق وأن أدلى بها المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيري، عندما كتب قبل أيام، أن إسرائيل تغير الوضع القائم في الحرم القدسي، ملمحاً إلى أنها السبب وراء تصاعد موجة العنف والمواجهات الدائرة في القدس وسائر المدن والأراضي الفلسطينية، يقول كيري رداً على سؤال: وزير الخارجية يعتزم ترسيخ الوضع القائم في الحرم الشريف ـ مشيراً إلى هدف زيارة كيري المرتقبة إلى إسرائيل ودولة فلسطين ـ وأضاف كيري: في الحقيقة لم يتم الحفاظ على الوضع القائم، ما أدى إلى عنف متزايد!!
تعرضت تصريحات كيري إلى انتقاد واسع على المستوى السياسي في إسرائيل الذي أشار إلى أن واشنطن لم تلمح ولا مرة إلى هذا الأمر، إلاّ أن موقف الإدارة الأميركية هذا، والذي عبّر عنه كيري، يشير ـ حسب إسرائيل ـ إلى أن واشنطن تحمّل إسرائيل مسؤولية ما يجري في القدس والأراضي الفلسطينية، وهي بذلك تتبنى «الادعاءات» الفلسطينية، وهذا يشير إلى أن واشنطن، باتت تتخذ سياسات «مغايرة» لما عهدته إسرائيل!!
ثم جاء التراجع والتصحيح، من قبل كيري نفسه، عندما صرح بأن كلاً من إسرائيل والأردن، ملتزمتان بالحفاظ على الوضع الراهن وفقاً للاتفاقات، في الحرم القدسي الشريف، ما يفسر هذا التراجع، ليس رد الفعل الإسرائيلي المشار إليه، وحسب بعض المحللين الأميركيين في وسائل الإعلام الأميركية، فإن واشنطن كانت تراهن على أن الرئيس عباس، سيعرب عن إدانته لما يجري في المناطق الفلسطينية خاصة بالقدس، ويتبنى موقفاً لا يشجع استمرار الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية، وكانت تنتظر من خطابه، أن يتضمن مثل هذا الموقف، خاصة وأن مكالمة هاتفية من كيري إلى أبو مازن، طلبت فيها الخارجية الأميركية من الرئيس الفلسطيني اتخاذ هذا الموقف، ما جرى أن الرئيس ألقى خطاباً، قصيراً وموجزاً متمسكاً بالثوابت التي أعلن عنها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ناحية ثانية تأكيده على حق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال بما شرعته القوانين الدولية، باعتبار أن الشعب الفلسطيني يخضع لاحتلال غاشم، وربما انتظر كيري وكيربي أن يسمعا ما يرغبان من الرئيس، إلاّ أن رهانهما كان خاسراً، وهذا ما يفسر نكوص وتراجع الخارجية الأميركية عن بيانها الأول لصالح تبني وجهة النظر الإسرائيلية، وهو ما تأكد من الموقف الأميركي في مجلس الأمن أثناء الانعقاد الاستثنائي لبحث ما يجري في الأراضي الفلسطينية.
ورغم ما قيل عن قرب وصول كيري إلى إسرائيل ودولة فلسطين لإعادة «بناء الثقة» بين الجانبين في محاولة لوقف الحراك الشعبي الفلسطيني، فإن موعد وصوله لم يتحدد بعد، وعلى الأغلب، فإن ترتيبات عقد قمة فلسطينية ـ إسرائيلية بالعاصمة الأردنية برعايته، لم تتحدد بعد، وذلك على ضوء رغبة الجانب الإسرائيلي بلقاء منفرد، بين نتنياهو وكيري، والذي من المتوقع أن يعقد الأسبوع المقبل أثناء زيارة الأول للعاصمة الألمانية، حيث سيكون كيري هناك أيضاً، وذلك بعد الحديث عن قرب وصول خبير عسكري أميركي إلى إسرائيل لبحث ما يجري من أحداث في القدس وعموم الأراضي الفلسطينية.
ولم يصدر أي بيان أو قرار عن اجتماعات مجلس الأمن، باعتبار أن الاجتماعات لا تزال مفتوحة من خلال المندوبين الدائمين، وليس من المتوقع أن يصدر أي قرار عن مجلس الأمن لدى اجتماعه على مستوى وزراء الخارجية خلال الأسبوع الجاري، لكن من المنتظر أن يبحث هذا الاجتماع المشروع الفرنسي المتعلق بنشر مراقبين دوليين حول المسجد الأقصى، لدفع الجانب الإسرائيلي للحفاظ على الوضع المتفق عليه مع الجانب الأردني المكلف فلسطينياً بهذا الملف، لكن من غير المتوقع الموافقة على هذا المشروع من قبل الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يعطل صدور أي قرار، وفي الغالب، فإن مجلس الأمن قد يصدر بياناً رئاسياً، بتصريح من رئيسه، المندوب الإسباني، أو بيان عن المجلس نفسه، وهو ما لا يرقى إلى مستوى الحدث في القدس المحتلة، ما يضع على عاتق الدبلوماسية الفلسطينية حراكاً أكثر نشاطاً وفعالية!!