تبدو الحياة الخاصة بالنسبة إلى المراهق أمرًا شخصيًا جدًا، فمثلاً تشعر المراهقةبالانزعاج حين تسألها والدتها مع من كانت تتحدث على الهاتف، أما المراهق فإنهيشتاط غيظًا وغضبًا عندما تدخل والدته إلى غرفته أثناء محادثته مع أصدقائه علىالفايسبوك.
لقد أصبح لدى هذين أسرارهما الصغيرة التي لا يرغبان في أن يُطلعا عليها أهلهما.
فلماذا الأسرار طالما أنها ليست خطرة؟
يميل المراهق عمومًا إلى التخلص من علاقته الانصهارية بأهله ويعمل على الانفصال عنهم ويرفض كل سلوك يذكّره بمرحلة الطفولة. فهو لم يعد الطفل الصغير الذي يريد الجلوس في حضن أمه لتغنّجه وترنّم له، بل أصبح بحسب رأيه شابًا على المحيطين به احترام شخصيته الجديدة وحياته الخاصة.
ويرى اختصاصيو علم نفس المراهق والطفل أن هذا السلوك الجديد عند المراهق أمر طبيعي، سببه التحولات الجسدية التي طرأت فجأة على حياته والتي تزعجه، خصوصًا أنها تحصل في شكل مستمر وسريع. فمن المعروف أن المراهقة مرحلة مشحونة بالتناقضات، ففي الطفولة كان المراهق يحلم بأن يكون شبيه والده، وعندما تحقّق هذا الحلم أصابه الخوف والتوتر من صورة الجسد الجديدة، فهذه المسألة ليست هامشية في حياته، بل هي من صلب اهتماماته وانشغالاته.
لذا يميل المراهق أحيانًا إلى الانطواء والعزلة فيمضي ساعات طويلة في غرفته رافضًا أن يزعجه أحد. وتثور ثائرته إذا ما دخلت عليه والدته من دون استئذان، خصوصًا أثناء ارتداء ملابسه، فيشعر كما لو أن أحدًا تعدّى على جسده.
هل هذا يفسّر رغبته في تمضية الوقت مع أصدقائه بدل أهله؟
يضع المراهق في هذه المرحلة حدودًا للآخرين، خصوصًا أهله، فهو يريد الانفصال عنهم، والانفتاح على العالم وحده، ويفضّل تمضية الوقت مع أصدقائه بدل الخروج مع أهله لزيارة أحد الأقارب، وإن كان لديهم مراهقون، فهو لا يريد أن تُفرض عليه صداقات، بل يريد المُضي إلى العالم الخارجي، عالم الراشدين بشكل مستقل، ويشعر بأن أهله يجرّونه إلى عالم الطفولة، خصوصًا في ما يتعلق ببناء علاقات الصداقة، واختيار الأشخاص المناسبين لمرافقة ابنهم أو ابنتهم. هو يريد الحرية والاستقلالية في اختياراته بكل أشكالها.
كيف على الأهل التعامل مع ابنهم المراهق أو ابنتهم المراهقة إذا كانوا قلقين مناختياراتهما؟
يشير الاختصاصيون إلى أن تربية المراهقين فن، وعلى الأهل أن يكونوا حاضرينلمساندة أبنائهم، ولكن في الوقت نفسه لا يجوز أن يكونوا محققي شرطة. فمثلاً عندما يبدأ المراهق بإخبار والده عن أمر حدث معه، عليه أن يشاركه الحديث ومحاورته بطريقة سلسة لا بطريقة تُشعره بأنه يحقق معه، فتحويل الحوار إلى أسئلة وأجوبة يعجّل في إنهائه. وإذا كان الموضوع يتعلق بالأمور العاطفية، على الوالد أن ينتظر أسئلة ابنه.
غالبًا ما ينشب شجار بين الأم وابنها أو ابنتها بسبب الفوضى التي تعم الغرفة، فإلىماذا تشير هذه الفوضى؟
تشير الفوضى التي تعم غرفة المراهق إلى الحالة النفسية التي يعيشها، وهذا طبيعي فهو في حاجة إلى وقت حتى يستطيع استيعاب الأمور الجديدة التي تحصل له. لذا ينصح بعدم محاولة الأم ترتيب غرفته لأن ذلك يُشعره بأنها تحاول اختراق حدود خصوصيته وتنظيم مشاعره فيما هو قادر على القيام بذلك.
وتعتبر غرفة نومه رمزًا لهذه الخصوصية، فهي تحتوي على كل ما يريد إخفاءه عن الآخرين وهي صندوق أسراره. لذا من الضروري أن يحترم الأهل خصوصية ابنهم المراهق، وألا يحاولوا الدخول إلى عالمه الخاص بالقوّة، فمثلاً عليهم الاستئذان قبل الدخول إلى غرفته، تمامًا كما يفعل الراشدون.
فالباب المغلق يشير إلى رغبته في الاختلاء بنفسه، لكن في الوقت نفسه إذا أُغلق الباب لفترة طويلة جدًا فهذا مؤشر الى مشكلة تواجه المراهق. وفي كلتا الحالين يجدر بالأهل طرق الباب وطلب الإذن بالدخول إليه.
هل هذا يعني أن رفض المراهق دخول الوالدين غرفته هو تعدٍ على خصوصيته؟
أكيد. فغرفة المراهق تمثل بالنسبة إليه مملكته الخاصة، وحديقة أسراره، وحياته الحميمية، ودخولها من دون استئذان، كمن يعتدي على سلامته، والأسوأ عندما لا يكون موجودًا فيها.
هناك سلوك يميّز المراهقين المعاصرين وهو جلوسهم إلى وسائل الاتصال الاجتماعيلساعات... هل يدخل ذلك ضمن خصوصيتهم؟
من المعلوم أن شلّة الأصدقاء تشكل مكانة مهمة في حياة المراهق. في الماضي كان التلامذة المراهقون يودّعون بعضهم أمام باب المدرسة ثم يتواصلون عبر الهاتف، أما اليوم فيلتقون على الفايسبوك. لا شيء تغيّر، بل أصبح الأمر أكثر سهولة في التحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والواتسب أب والإنستغرام والتويتر... وهذه الوسائل جزء من اكتسابه فن العلاقات الاجتماعية.
في هذا المجال أيضًا يجب تنبيهه ومناقشته، فالمراهق قد لا يدرك أن ما يكتبه أو ما يضع من صور اليوم سيقرأه ويراه غدًا أصدقاؤه القدامى، أو حتى المسؤولون في المدرسة، وربما قد يسبّب له مشكلة، خصوصًا إذا ما وجّه انتقادًا أو استهزأ بأحدهم.
قد يجهل الأهل جزءًا من التكنولوجيا الحديثة، ولكن يكفي أن يكون لديهم حس التمييز بين مراهق يجلس لساعة إلى الفايسبوك، ولا يستقيظ في الليل ليتواصل مع أصدقائه عبره، ومراهق ينعزل في غرفته ويجلس لساعات إلى الإنترنت... فإذا كان هذا حاله، على الأهل أن يتصرفوا ويفهموا السبب.
كيف يمكن الأهل ملاحظة ما يقلق ابنهم المراهق؟
تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على تصرّفات المراهق. فإذا قام بتدخين سيجارة لمرة واحدة أو قام بمجازفة فيها خطر على حياته لمرة واحدة، ليس على الأهل أن يقلقوا.
أما إذا قام بهذه الأمور في شكل متكرر فهذا مؤشر الى دخوله حالة من الاكتئاب. وفي هذه الحالة على الأهل استشارة اختصاصي نفسي. وفي المقابل إذا امتنع عن تناول الطعام وأهمل مظهره إلى درجة يرثى لها، فهذه الإشارات تعكس ألمًا عميقًا يشعر به المراهق ولا يجوز إهمالها.
من الملاحظ أن المراهقة أو المراهق لا يبوح لأهله بعلاقته العاطفية رغم أنها قد لاتتعدّى حدود الإعجاب، في حين يكون رد فعل الأهل إما القلق أو المواجهة وإما تبسيطالمسألة خصوصًا مع الابن. كيف على الأهل التصرف في هذه الحالة؟
من المعروف أن العلاقة العاطفية مع الجنس الآخر من الأمور التي تشغل بال المراهق. فمن الملاحظ في هذه الفترة اهتمام المراهقين إناثًا وذكورًا بمظهرهم الخارجي للفت الانتباه، وتغدو محاولة بناء علاقات عاطفية مع الجنس الآخر في طليعة الاهتمامات، فتزيد المظاهر الاجتماعية لهذه العلاقات كالحفلات والتحادث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإعطاء المواعيد وتمضية ساعات طويلة على الهاتف... وفي المقابل، يلاحظ خصوصًا في المجتمعات الشرقية محاولة الأهل تضييق الخناق على أبنائهم المراهقين، لا سيما الإناث منهم خوفًا عليهن من تخطي المحرمات «التابو».وقد يتهم الأهل أبناءهم بالوقاحة حين يعثرون على كتب أو مجلات تتناول مواضيع العلاقات العاطفية، أو يقلقون من الكتابات الرومانسية التي يضعها ابنهم أو ابنتهم على صفحته على الفايسبوك.
في حين يؤكد الاختصاصيون أن العلاقات العاطفية ليست أبدًا طريقاً إلى الرذيلة بقدر ما هي تعبير عن طاقة حيوية يجب أن تتكامل مع الأنا، من خلال العلاقة السليمة مع الآخر، ومن خلال السيطرة على الدوافع الغريزية والقدرة التكيّفية مع الظروف الخارجية.
ومهما يكن من أمر، يجدر بالأهل أن ينظروا إلى هذه المسألة نظرة علمية، لأن العلاقة العاطفية مهمة جدًا في حياة المراهق، وعليه أن يفهم جسده حتى يحافظ عليه ويدرأ عنه الأمراض والانحرافات.
كما من الضروري أن يدور بين الأهل والمراهق حوار حول الموضوع. كأن يشرح الأب لابنه، أو الأم لابنتها بعض الأمور الأساسية المتعلّقة بمسألة البلوغ وبالتحوّلات المرتقبة. فمن واجب الأم مثلاً أن تحضّر ابنتها قبل سن الثانية عشرة لاستقبال هذه المرحلة الجديدة وأن تخبرها شيئًا عن الدورة الشهرية وبقية التحوّلات التي ستشهدها لاحقًا.
كثيرًا ما يردّد الأهل المعاصرون مقولة أن علاقتهم بأبنائهم المراهقين أصبحت معقّدة،فالأمور قد تغيرت كثيرًا عما كانت عليه في الماضي. لماذا؟
إنه العصر الذي تغيّر، وكذلك نظرة علم النفس إلى المراهقة. فالمراهقة أصبحت تبدأ في سنصغيرة وتنتهي في سن متقدمة بعض الشيء. في الماضي كان ابن التاسعة عشرة يعتبر راشدًا، فيما أصبح اليوم يصنّف ضمن مرحلة المراهقة، التي لم تعد مرحلة عبور وحسب وتنتهي، وإنما مرحلة حياة، مرحلة تدوم طالما لا يزال الشاب أو الشابة تعتمد على أهلها، وفي الوقت نفسه ترغب في الحرية والمتعة وتحمّل المسؤولية كالراشدين.
إضافة إلى أن هناك تطورًا في الثقافة الاجتماعية، فالعائلة أصبحت صغيرة إذ ثمة كثير من الأزواج يكتفون بأربعة أبناء على أبعد تقدير، وفي الوقت نفسه يسقطون عليهم كل آمالهم وأحلامهم، ويضعون الكثير من التوقّعات التي قد لا تناسب إيقاع أبنائهم الفكري والذين قد يخيّبون آمالهم، مما قد يسبب توترًا في العلاقة بين الأبناء والآباء، ويجعلها أكثر تعقيدًا.
يقلق الأهل من ميل المراهق إلى الاحتفاظ بأسرار، فهل قلقهم مبرر؟
ليست للمراهق أسرار أكثر مما كان لدى الأهل عندما كانوا مراهقين، ولكنهم نسوا أن جرعة من الأسرار ضرورية لنمو المراهق. فالمراهقة هي مرحلة عبور بين الطفولة وسن الرشد.
ولكي تمر هذه المرحلة، على الابن المراهق أن ينفصل عن والديه نفسيًا وجسديًا، وعليه أن يتخذ القرارات وحده تبعًا لرغبته وتجربته وممنوعاته التي صنعها بنفسه. وعلى الأهل تشجيعه على ذلك.
والقول له مثلاً: «أنا موافق على أن تكون مستقلاً، وأعرف أن هذا لا يعني أنك لم تعد تحبني أو تكرهني». المهم هو مرافقة المراهق بجعل هذه المرحلة أكثر سهولة، لأنها صعبة عليه المراهق أيضًا.