عن فوز بايدن وهاريس

عبير بشير.jpg
حجم الخط

بقلم: عبير بشير

بضحكة من أعماق القلب، عبرت كامالا هاريس عن سعادتها باللحظة التي أصبحت فيها أول امرأة وأول أميركية من أصول ملونة تصل إلى منصب نائب الرئيس الأميركي مع فوز بايدن. وظهرت في فيديو، وهي تقول عبر الهاتف للرئيس المنتخب: «لقد فعلناها يا جو. ستصبح الرئيس المقبل للولايات المتحدة».
فبعد 50 عاماً من العمل في الشأن السياسي، وصل جو بايدن إلى الرئاسة، بعد أشرس حملة انتخابية في تاريخ الولايات المتحدة، فقد واجه هو وهاريس، رئيساً غير مسبوق وغير تقليدي لم يعترف بنتيجة الانتخابات حتى هذه اللحظة.
اتخذ بايدن للانتخابات شعار «معركة من أجل استعادة روح أميركا»، و»فرصة لوضع الانقسام والفوضى وراء ظهرنا». وكان خلف هذا الشعار حسابات بسيطة. فقد بنى بايدن حظوظه السياسية على الانقسام والاستقطاب الذي كان يثيره ترامب وأن الشعب الأميركي يريد قيادة أكثر هدوءا وثباتاً.
ورغم ضعف كاريزما جو بايدن نجح الديمقراطيون في جعل هذه الانتخابات استفتاء على ترامب لا خياراً بين مرشحين اثنين، في ظل قلق كثير من الأميركيين من غياب التركيز لدى إدارة ترامب وسياساتها العشوائية.
تمسك بايدن باستراتيجيته القائمة على الوسطية، ورفض دعم نظام صحي حكومي وتعليم مجاني ونظام ضرائب يستهدف الأثرياء ما مكنه من استهداف المعتدلين. وقد انعكست هذه الاستراتيجية في اختيار بايدن لكمالا هاريس نائبة له بدلاً من اختيار ممثلة لجناح اليسار في الحزب.
الجانب الوحيد الذي كان بايدن قريباً فيه من السناتور بيرني ساندرز والسناتور اليزابيث وارين هو موضوع البيئة والتغير المناخي.
ربما توصلت حساباته إلى أن فوائد مغازلة الناخبين الشباب تستحق إمكانية فقدان الناخبين من القطاع الصناعي المعتمد على الطاقة في الولايات المتأرجحة.
لقد قدم بايدن أداء أفضل مقارنة بهيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية في انتخابات 2016 في 373 مقاطعة من مقاطعات الضواحي، ما ساعده في استعادة السيطرة على ولايات ما يسمى «حزام الصدأ» الثلاث: بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن، وانتزاع أصوات الطبقة العاملة البيضاء فيها والتي ذهبت أصواتها في الانتخابات السابقة لترامب، ومكنه من الفوز بولايتي جورجيا وأريزونا.
في حين عانى ترامب من مشكلة مع سكان الضواحي، حيث انزعج هؤلاء من عدوانيته، ومن تأجيجيه للتوترات العرقية، واستخدامه لغة عنصرية في التغريدات المسيئة للملونين.
ونجح بايدن بفضل تعيينه لهاريس كنائبة للرئيس، بإخراج ما يكفي من الناخبين السود للتصويت في مدن أساسية مثل ديترويت وأطلنطا، وتجنيد الأصوات الإفرو - أميركية.
لكن على كل حال، بنتيجة انتخابات 2020 سيختفي الاعتقاد الخاطئ بأن انتخابات 2016 كانت غلطة تاريخية وانحرافاً عن الخط السائد في أميركا.
فقد حصل دونالد ترامب على أكثر من 70 مليون صوت محققاً ثاني أكبر حصيلة للأصوات الانتخابية في تاريخ الولايات المتحدة، وقد فاز في أربع وعشرين ولاية من بينها الولايتان المفضلتان لديه فلوريدا وتكساس.
ويرجع فوز ترامب بالرئاسة العام 2016 جزئياً إلى أنه كان مرشحاً مخالفاً للأعراف السائدة وغريباً عن المؤسسة السياسية، ومستعداً لقول ما لم يكن ممكناً قوله في السابق.
لكن خسارته للرئاسة قبل أيام ترجع جزئياً أيضاً إلى نفس الأسباب: أنه كان مرشحاً مخالفاً للأعراف السائدة وغريباً عن المؤسسة السياسية، ومستعداً لقول ما لم يكن ممكناً قوله في السابق، فقد قال العجب العجاب عن «كورونا» وطريقة التصدي له.
كما تمثلت إحدى مشكلات ترامب السياسية في أنه لم يستطع توسيع نطاق تأييده خارج قاعدته المركزية، حتى أنه لم يحاول أن يفعل ذلك.
ولم يحاول الرئيس الأكثر إثارة للانقسام على مدى 100 عام أن يجتذب أميركا الزرقاء، أي الولايات العشرين التي صوتت لهيلاري.
لكن من المهم أن ندرك، أن انتخابات 2020 تختلف عن انتخابات 2016. فهذه المرة كان ترامب الرئيس الحالي وليس المتمرد. فقد كان عليه أن يدافع عن نفسه في مواقف عدة، بما في ذلك سوء إدارته لتفشي وباء «كورونا» الذي أودى بحياة أكثر من 230 ألف أميركي.
فقبل وصول الفيروس للولايات المتحدة، أقلع الاقتصاد الأميركي وحققت البورصة أرقاماً قياسية، وكانت المؤشرات الحيوية لترامب قوية.
فقد نجا من المحاكمة تمهيداً لعزله. ووصلت نسب تأييده لأعلى مستوياتها وهو 49%.
وكان يمكنه أن يتفاخر باقتصاد قوي وهو عامل محوري لأي رئيس للفوز بولاية ثانية. فالانتخابات الرئاسية غالباً ما تثير تساؤلاً بسيطاً، هو هل البلاد الآن في وضع أفضل مما كانت عليه قبل أربع سنوات.
كان ترامب متأكداً من أنه في الطريق إلى إعادة انتخابه. ولكن يد القدر تدخلت، وتفشي وباء «كورونا»، وما تلا ذلك من أزمة اقتصادية كبيرة، وأصبح فوزه صعباً.
لكن من الخطأ القول إن فيروس كورونا حكم على رئاسة ترامب بالفشل. فالأزمات الوطنية غالباً ما تصنع الزعماء، وتجعل الرؤساء يخرجون من الأزمات الوطنية أصلب وأقوى.
ويمكن للأزمات في كثير من الأحيان أن تبرز القدرات الهائلة، وتكسب شعبية جارفة للرئيس، تتخطى حدود المكان والزمان، كان هذا صحيحاً بالنسبة لفرانكلين روزفلت الذي أدى إنقاذه لأميركا من الكساد العظيم إلى جعله رمزاً سياسياً كبيراً.
لذا فإنه لم يكن من المفترض أن يقضي فيروس كورونا على فرص ترامب للفوز، وإنما طريقة معالجته لأزمة الوباء، واستخفافه به.
كان الديمقراطيون واثقين من أن استخفاف الرئيس في معالجة الوباء الذي أودى بحياة ربع مليون أميركي، سيجلب لهم انتصاراً جارفاً، لكن النصر لم يكن جارفاً، بل كان كافياً، لاقتلاع ترامب.