حين تسأل فِلَسْطِينِيًّا عن الرئيس الشهيد "ياسر عرفات" وهو اسمـه الحركي، الذي أطلقه على نفسـه؛ تيمناً بالصحابي عمار بن ياسر، ويكنى بـ "أبو عمار"، فإنه يروي عنه تفاصيل عرفها سواء كان عاصره في حياته أو سمع عنه من الجيل الذي عايشه، فالجميع يعبرون عن افتقادهم له، ويصفونه بالقائد الذي لم يأتِ بعده زعيم كما يكررون في مجالسهم الخاصة، فكيف يُنسى وهو رمز وإرث مقاوم يُقتدى بسيرته الأحرار والثوار المتمسكين بالحرية.
عند الكتابة عن "محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة"، وهو اسمه الحقيقي حسب قول أحد رفاقه في "حركة فتح"، قد تختلف الآراء بشأنه، لكنّنا لا نختلف معه على مواقفه التي كان يصرّ عليها، والداعية إلى أن يتمكّن الشعب الفلسطيني من نيْل حقوقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولن نختلف على رمزيته الوطنية ولا على شعاره أمام الاحتلال " ثورة حتى النصر"، ولا نختلف على صفاته مع أبناء شعبه أو الشخصية الخاصة التي كان يتعامل بها مع كل من حوله في السراء والضراء، وإذا ما كتبت فسأكتب عن مكانته في قلوب الشعب الفلسطيني.
يصادف يوم غد الأربعاء، 11 تشرين الثاني الذكرى السنوية السادسة عشرة لاستشهاد الرئيس المؤسس ياسر عرفات "أبو عمار"، الذي رحل في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، بعد أن رسخ نهجا ثوريا صلبا، وعقب حصار إسرائيلي ظالم لمقر الرئاسة، جاء رَدًّا على مواقفه الصلبة وتمسكه بالثوابت الوطنية.
في يوم رحيله خرجت الناس في الشوارع، تبكي عيونها حزنًا على قائد المسيرة ومفجر الثورة، الذي عرفتهُ في كل الساحات قائدًا شجاعًا ومحنكًا وزعيمًا، استطاع بما امتلك من "كاريزما" القيادة أن يتربع في قلب كل فلسطيني ويحظى بحب كل أطياف المجتمع.
يحتفظ الكثير من أبناء شعبنا بإرثه الوطني المقاوم للاحتلال، ويحتفظ الكثير منهم على الثقافة الوطنية التي أسسها في عقولهم، وبرمز "يداه" التي تدل على عدم الاستسلام والنصر، وأيضًا التوشح بالكوفية دليلًا على ثبات مكانة القضية الفلسطينية في الوجدان، فنجد الكثير من الشعب الفلسطيني وبلا استثناء يقول اليوم "الله يرحمك يا ياسر عرفات"، كنت قائدًا وَطَنِيًّا بامتياز، محاربًا للاحتلال الإسرائيلي"، كيف ولا وهو الذي حول المشردين في الشتات وجمع شملهم في وحدات وطنية لمجابهة الاحتلال في مكان تواجده أينما تسمح الفرصة لمقاومته.
فالشهيد " أبو عمار" يعتبر أحد الرموز الوطنية للشعب الفلسطيني، والتاريخ أنصفه على مرّ الأزمنة التي عايشها وأيضًا بعد رحيله، فقد اعترف أعدائه بعظمته وحنكته في السلم والحرب وفقًا لمصلحة شعبه وحرية وطنه وحاولوا التخلص منه، ويؤكد ذلك أوري افنيري رئيس كتلة "السلام الإسرائيلية" تحت عنوان "قتل عرفات"، أن أحد أبرز أهداف "آرييل شارون" وزير الحرب لدي الاحتلال آنذاك، هو قتل ياسر عرفات، وقد سبق أن حاول قتله 19 مرة في حرب "بيروت" وفشل في ذلك، وأيضًا ما يؤكده الرئيس الراحل بقوله "شارون حاول قتلي 19 مرة في بيروت، ولكن ها أنا هنا أجلس والمسدس إلى جانبي، متى لم أكن جاهزاً ؟ أنتم لا تعرفونني".
ويعتبر الشعب الفلسطيني الشهيد أبو عمار هو زعيمًا لهم، المتمسك بمشروع ثابت عنوانه" الثورة والانفجار" في وجه الاحتلال، وكان دائمًا يردد "هذا الشعب شعب الجبارين لا يعرف الركوع إلا لله تعالى"، دليلًا صموده وشعبه أمام الاحتلال الغاصب لأرضه.
يرحل الشهداء بأجسادهم، لكن لا تغيب ثوابتهم ونهجهم المقاوم، فالشهيد ترك شعلة المقاومة الفلسطينية التي تحافظ على موقفها بضرورة تحرير فلسطين المحتلة بكل وسيلة متاحة، فهو الأب الروحي والمؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة والمدافع عنها بكل ما يملك من قوة حنكة.
يرحل الشهداء ولا ترحل الوصية والعهد، دماء ترسخ العشق لهذه الأرض، وترسم ملامح الانتصار فالثائر يقاوم ويعرف جيدا أن حياته مرهونة فداءا لوطنه وقضيته، فالشهداء يصنعون حياة للأجيال القادمة، عنوانها "الحرية والكرامة"، فيشعل من دمه وقودًا للثورة كما فعل" أبو عمار".