بقلم: أحمد زقوت

أبو العطا رحل جسدًا وبقي دربُهُ وَتوْقيتهُ يُربكُ الِاحتلال

أحمد زقوت
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

يرحل عن الحياة الدنيا أُناس كثيرة كل لحظة يلقون حتفهم؛ منهم من يبقى له أثر أو ذكرى أو موقف، يستشهد الناس به، وقليلٌ من الناس من يرحل ويُخلف إرثًا فكريًّا وحضاريًّا ينطق باسمهم ويقود الشعوب من بعدهم على ذات الدرب الذي بدءُوا فيه قبل رحيلهم، ويخُط طريق سير لا يختلف عليه عاقلان، الشهداء الراحلون بشهادة في سبيل الله والوطن، فكانوا في حياتهم خير القادة وخير القدوة لمن بقي خلفهم، فالشهداء لا يموتون لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، هم يموتون أجسادًا لأنَّ كلّ من عليها فان، لكنَّ أرواحهم خالدة في جنان الخلد والرضوان

هنا سأسقط الفكرة على شهيد تصدر اسمه في "إسرائيل"، وخاصة بين الأوساط القيادية في جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، ودائمًا كان يتم تحميله مسؤولية إطلاق الصواريخ تجاه المدن المحتلة، إنه "بهاء أبو العطا"، قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس في قطاع غزة، وأحد أبرز أعضاء مجلسها العسكري، والذي اغتالته "إسرائيل"، فجر الثلاثاء (12 نوفمبر 2019م)، في غارة استهدفت منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، مما أدى لاستشهاده وزوجته وإصابة أبنائه.

وَعَدَت "إسرائيل" أبو العطا بأنه من أكثر الشخصيات خطرًا عليها، إلى جانب الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، وتصفه أنه "صانع المشكلات الذي لا يخضع لأحد"، وبأنه "كثير الحركة ولا يمكن توقع ما يريد"، وبرز اسمه الذي أرعب الاحتلال وأربك حساباته وظل كابوسًا يطارد القادة العسكريين "الإسرائيليين" على مدار سنوات طوال حتى صنفته دولة الاحتلال بالمطلوب رقم واحد على مستوى الإقليم بأكمله، وليس على نطاق القطاع الساحلي.

فيما قالت صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن أبو العطا نجا في السابق من عدة محاولات اغتيال "إسرائيلية سابقة، من بينها حرب "عمود السحاب" في عام 2012، أما الصحفي "الإسرائيلي" جال بيرغر، مراسل هيئة البث "الإسرائيلية" للشؤون الفلسطينية، يقول "المسؤول العسكري للجهاد الإسلامي شمال قطاع غزة أبو العطا، هو المسؤول عن اختراق تفاهمات التهدئة على حدود قطاع غزة، خلال الشهور الأخيرة، بما فيها محاولة قنص عدد من الجنود.

 ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد "أبو سليم"، رفع الجيش "الإسرائيلي" حالة التأهب، وقام بتعزيز بطاريات القبة الحديدية في غلاف غزة وتل الربيع المحتلة أو ما تسمى لدي الاحتلال" تل أبيب"، تحسبا لوقوع عمليات انتقامية، حسب ما ذكرت القناة الـ 12 العبرية "هناك تخوفات بالجيش "الإسرائيلي"، من قيام عناصر من الجهاد الإسلامي، بتنفيذ عمليات أمنية، أو إطلاق صواريخ، في ذكرى اغتيال قائدهم.

تزامنًا مع تأهب الاحتلال، بث جهاز الإعلام الحربي التابع لسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، يوم الإثنين الماضي، مقطع فيديو للشهيد بهاء أبو العطا "أبو سليم"، ويظهر مقطع القائد أبو العطا وهو يقول "حافظوا على سلاحكم، هذا السلاح، هو الذي سينفعكم في المعركة وينفع الدين والإسلام، هذا السلاح دونه أرواحنا وأموالنا".

فلماذا يتخوّفُ الاحتلال من الانتقام؟ رغم أن الشهيد أبو العطا تحت الثرى، وروحه في السماء!، وما هي الرسالة التي أرادت أن توصلها حركة الجهاد الإسلامي للاحتلال بنشرها مقطع الفيديو؟، نَجيبٌ على الأخير باختصار المقاومة الفلسطينية كما عهدنا هي التي تُحدد اللحظة التي تثأر فيها لدماء الشهداء وآلية ووقت الرد المناسب على جرائمه، فهو خَبَر المقاومة جيدًا والتي تثبت دومًا أن حساباتها المتوازنة للأمور فهي ليست عشوائية أو عبثية، وتعتبر المقاومة أن المعركة مستمرة ما دام الاحتلال موجود على أرض فلسطين؛ فمعركتها طويلة وممتدة ولن تنتهي إلا بتحرير القدس.

أما مخاوفُ الاحتلال من الانتقام، يأتي بعد تأكيد سرايا القدس أن حسابها مع الاحتلال مفتوح، وأنها لن تسمح للعدو الصهيوني بالتغول على شعبنا الفلسطيني؛ فإذا أقدم على شنّ أيّ عدوان أو تصعيد، فمن حق المقاومة أنّ تدافع عن شعبها، فاغتيال شخصية عسكرية بارزة في سرايا القدس كـ "أبو سيلم"، يؤكد على نهجه الصحيح المتمثل بمقاومة المحتل، وعلى روحه حاضرة في وجدان طلاب مدرسة "البهاء" الذي يثبتون أنهم سيبقون على الوفاء والعهد له وسائرون على نهجه، خاصة موعد الساعة التاسعة التي كان يدك فيها مدن ومستوطنات غلاف غزة، والذي أحرج قصفه رئيس الوزراء "الإسرائيلي بنيامين نتنياهو" المنطقة التي زارها في سديروت وهروبه عن  المنصة التي وضعته في موقف صعب أمام خصومه، مما دفعه للانتقام منه.

الشهيد "أبو سليم" قدَّم ما عليه تجاهنا قبل الرحيل، وترك أثرًا طيبًا نفتخر ونعتز به، وترك باقةً من المبادئ والقيم كي تكوّنَ التراثَ الذي لا يبهتُ بريقُه، ولا ينضبُ إشعاعُه، فوقيت التاسعة جعل العدو الصهيوني في حالة خوف حين اقتراب عقارب الساعة من توقيت البهاء، سيدي الشهيد، نقدم لك التحية على الرعب الذي بثثته في نفوس العدو، فلا دام له استرخاء ولا نعم باستقرار فوق أرضنا فلسطين.