يعيشُ الشعبُ والقضيةُ الفلسطينيةُ اليومَ على مفترقِ طُرُقٍ خطيرٍ، خاصةً مسألة وكالةِ "الأُونروا"، فمنذُ إعلانِ إدارةِ "دُونالد ترامب" الرئيسِ السابقِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بقطعِ مُساعداتها عنها المُقدرة بقيمةِ 360مليون دولار في بدايةِ عامِ 2018م، شُرعت "الأُونروا" بتقليصِ العديدِ من الخدماتِ الغذائيةِ والخدماتيةِ الأساسيةِ تدريجيًا، وبدأت بالتهربِ من مسؤُولياتها حتى بلغت الذُروةُ خلالَ المرحلةِ الراهنةِ، خصوصًا في قطاعِ غزة.
مُؤخرًا وفي خطوةٍ خطيرةٍ، أعلن المُفوّضُ العامُ للوكالة، فيليب لازاريني بتاريخ 9/11 من العام الجاري، أنّ "الوكالة اضطُرت إلى تأجيلٍ جزئيٍ لرواتبِ 28 ألف موظفٍ وموظفةٍ، بمن فيهم العاملُونَ في الرعايةِ الصحيةِ والمعلمونِ، نتيجة عدم توفُّرِ الأموالِ الكافيةِ من الدولِ المانحةِ"، أصاب ذلك الإعلانُ الشريان الرئيسي "الرواتب" الذي يَمُدُّ المُوظفين بالحياةِ، وهو بمثابةِ "الخطِ الأحمرِ العريضِ"، والذي جعل اللاجئين يُطالبُون بدفعِ الرواتبِ كاملةً، وبمُضاعفةِ الخدماتِ بدَلًا من تقليصها، مُلوحين بالتصعيدِ من خلالِ الإضرابِ الشاملِ.
وبعد قيامِ كيانِ الاحتلالِ "الإسرائيليِّ" على الأراضي الفلسطينيةِ سنة 1948م، أسست الجمعيةُ العامةُ للأُمم المتحدةِ وكالةَ الغوثِ وتشغيلِ اللاجئين الفلسطينيينِ "الأُونروا"، في تاريخِ 8/12/1949م، بمُوجبِ القرارِ رقمِ 302، وتعهدت بتوفيرِ جميع ِاحتياجاتِ اللاجئ الفلسطيني الأساسيةِ وهي: (المأكلُ والمبلسُ والمسكنُ والتعليمِ)، حتى العودةِ إلى بلداتِهم الأصليةِ، وقامت على إثرها بتأسيسِ مخيماتِ اللُجوء في خمسِ مناطقِ (سُوريا، ولُبنان، والأرُدن، وقطاعِ غزة، والضفةِ المحتلةِ)، وعمِلت الجمعيةُ العامةُ، وبشكلٍ متكررٍ، على تجديدِ ولايةِ "الأُونروا"، وكان آخرُها تمديدَ عملِ الوكالةِ الدوليةِ لغايةِ 30/6/2023م، في ظلِ غيابِ حلٍ لمسألةِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ.
وفي ضوءِ هذا الواقعِ، وبعد حديثِ الـ "الأُونروا" مُؤخرًا فجأة عن نقصِ ميزانيةِ التمويلِ، تُطرحُ العديدُ من التساؤُلاتِ حول قراراتِ الوكالةِ هل أزمةٌ ماليةٌ في الحقيقةِ أم قراراتٍ سياسيةُ؟، وإلى أي مدى يُمكنُ أن تتماشى وتنحاز لصفقةِ ترامب" صفقةُ القرن"؟
إنَّ الهدفَ السياسيَ الذي تسعى لهُ دولةُ الاحتلالِ دومًا، هو تصفيةُ "الأُونروا" بمُساعدةِ الإدارةِ الأمريكيةِ والتي أكدت ذلك في بُنودِ "صفقةِ القرنِ"، ويرونَ في بقاءِ الوكالةِ زيادةَ أعدادِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ، وهُو ما طالب بهِ رئيسُ الوزراءِ "الإسرائيليُ" بنيامين نتنياهُو في وقتٍ سابقٍ، بإلغاءِ "الأُونروا" وتولي مهامها من قبلِ المفوضيةِ الساميةِ لشؤونِ اللاجئينِ التابعةِ للأُممِ المتحدةِ، قائلًا "الوكالةُ تكرسُ مشكلةَ اللاجئينَ الفلسطينيينَ، عن طريقِ تضخيمِ أعدادهمِ بشكلٍ صارخٍ،" في إشارةِ إلى أن "الأُونروا" تمنحُ صفةَ لاجئٍ لأحفادِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ المسجلينَ مُنذُ عام 1948م.
فالإعلانُ على أنَّ مشكلةَ "الأُونروا" هي مشكلةُ نقصِ الميزانياتِ الماليِةِ هي قضيةٌ مفتعلةٌ، لكن السبب الحقيقي وراء ذلك هي القراراتُ السياسيةُ التي تكمُنُ بامتناعِ الدولِ المانحةِ عن تسديدِ تعهداتها لإدارةِ الوكالةِ، نتيجة الخُضوعِ للإملاءاتِ والتحريضاتِ الأمريكيةِ الصهيونيةِ التي تتماشي مع البُعدِ السياسي لـ"صفقةِ القرنِ"، والتي تهدُفُ لإفلاسِ وتصفيةِ "الأُونروا"، كمقدمةٍ لشطبِ قضيةِ اللاجئين عن الخارطةِ السياسيةِ.
والهدفُ من ذلك إلغاءُ دورها وقطعُ الطريقِ على قرارِ الأُممِ المتحدةِ رقمِ 194 الذي يتحدثُ عن "حقِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ في العودةِ إلى وطنهم، والتعويضِ عن الأضرارِ التي لحقت بهم نتيجةُ هذا التهجيرِ"؛ من أجلِ ذلك فإنَّ التصريحاتِ الأخيرةَ لوكالةِ "الأُونروا" بنقصِ التمويلِ، وكل ما يدُوُر حُولنا، تأتي في سياقِ تنفيذِ "صفقةِ القرنِ"، وإنهاءُ حق العودةِ للاجئينَ بغطاءٍ إقليميٍ ودوليٍ.
وأخيرًا أذكُرُ، إن أكثرَ من نصفِ مليونٍ فلسطينيِ في غزة يعتمدُونَ على دعمِ "الأُونروا" ووكالاتِ إغاثةٍ إنسانيةٍ أُخرى، وتستوعبُ "الأُونروا" أكثرُ من 13 ألفَ موظفٍ فيه، وتُشرفُ الوكالةُ على أقل من 300 مدرسةِ بالقطاعِ، تستقبلُ سنويا أكثر من 270 ألفَ طالبٍ، فمن يتلقى مُساعداتٍ غذائيةَ من "الأُونروا"، سيجدُونَ أنفُسهُم عاجزينَ عن توفيرِ حاجياتهم الأساسيةِ الأمرِ الذي سينعكسُ سلبًا على العديدِ من الخدماتِ التي تُقدمُها الوكالةُ على مستوى البنيةِ التحتيةِ وتحسينِ المُخيماتِ وبرامجِ القرُوضِ، جميعُها مُهددةٌ بالتوقُف، وتدنى مُستوى الأوضاعِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ للاجئينَ.
لذلك علينا نحنُ الفلسطينيينُ العملُ من خلالِ استراتيجيةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ شاملةٍ، يكونُ عنُوانُها التصدي لكُل مُحاولاتِ تصفيةِ القضيةِ، والدفاعِ عن حُقوقِ الشَّعبِ الفلسطيني وفي مُقدمتُها حقُ العودةِ للاجئينَ، ودعوةُ إدارةِ "الأُونروا" للتعبيرِ الفعليِ عن رفضها لكُل المخططاتِ الراميةِ إلى تصفيةِ دورِها عبر التقليصِ التدريجيِ لخدماتِها.